الأخبار

من يُصلح هذا الصدع يا أمير؟

أثبت الأمير حمزة بن الحسين ما أراد أن ينفيه. تلك هي الحقيقة البسيطة التي يستطيع كل من أصغى إلى كلمته الأخيرة أن يستنتجها بنفسه. ولو أنه ما قام بتسجيل تلك الكلمة وبثها من خلال محاميه، لكان في موقف أفضل، بدلا من الإدانة التي وجهها لنفسه، من دون مبرر.

وجّه الأمير حمزة انتقادات للسلطة في الأردن، كان من الأولى به أن يخص بها أخاه الملك عبدالله الثاني، على مقربة شديدة من أذنه، لا أن تُصبح علكة في أفواه الناس، ولا إشارة إلى صدع داخل أهل البيت.

وبرغم نفيه أنه ليس طرفا في مؤامرة، فقد خلت كلمته تماما من أي تأكيد للولاء لأخيه الملك، بل إن الانتقادات كانت توحي بأنها تقصده وهو ما يمثل خرقا للعرف وللقيم التي زعم الأمير حمزة أنه حريص عليها.

تأكيد الولاء لم يكن ليُبعد الشبهات فحسب، ولا هو كان سيبدو تعبيرا عن ضعف، بل إن الحاجة إليه في ساعة أزمة، أشد ما تكون عن غيرها من الأوقات. ولكنه لم يفعل. فلا ساعد نفسه، ولا حصّن الدار.

لا توجد سلطة من دون عيوب. وما من دولة من دون مشاكل. وليست هناك مؤسسات إلا ويظهر فيها ما يستوجب الإصلاح، وإلا ما حدث تطور، ولا شيء كان يستوجب التجديد. والأردن في وضع اقتصادي صعب منذ عدة عقود، وظل يواجه أزمات موروثة عن أزمات خارجية زادت الضغوط عليه، حتى وجد هذا البلد نفسه محاطا بعراق تسود فيه الفوضى، وسوريا تغرق في حرب أهلية دامية، وإرهاب يمتد إليه، وعلاقات متوترة مع إسرائيل، وفشل متواصل في المفاوضات بينها وبين السلطة الفلسطينية، وكورونا يُفسد ما لم يفسد من إمكانيات.

في ظل ظروف طاحنة كهذه، كان على الأردن أن يجد سبيلا للنجاة ولو بالقليل مما يتوفر له. وفي العادة فإن ضغط هذه الظروف كان من الطبيعي أن يُسفر عن بعض مظاهر الخلل في عمل المؤسسات وفي الاستقرار الاجتماعي نفسه.

عندما تكون جزءا من أهل بيت الحكم، فماذا يجب أن تفعل، في ظل هذه الظروف؟

الجواب البديهي هو أن تكون سندا، لا صدعا. وأن تكون ناقدا على قدر ما تشاء داخل البيت، وداعما لا يرقى إليه الشك في خارجه، لكي لا يبدو وكأنك تحفر لأخيك أو تطعن في ظهره.

الأمير حمزة، في وضع حساس للغاية من هذه الناحية. وكان يجب أن يراعي هذه الحساسية ويعي مخاطرها. فهو ولي عهد سابق. وأي كلمة يقولها، صغيرة كانت أم كبيرة، فإنها تؤخذ عليه من تأويلٍ يُجردها من مدلولها الخاص، ليضفي عليها مدلولا آخر.

النقد، من هذا الباب، ليس نقدا يقصد الإصلاح، وإنما نقدا يقصد التجريح. ومن فوق ذلك، فإنه نقد يبكي على أطلال سلطة مضت، أو يقصد السعي إليها من جديد.

أي أحد يمكنه أن يوجه انتقادات لما يراه نقصا أو خللا أو تقصيرا، إلا الذين يؤخذ قولهم في غير المأخذ المقصود. فهؤلاء لا يملكون إلا أحد خيارين لا ثالث لهما على الإطلاق. فإما أن تقفل على قولك جدران البيت، أو أن تصمت. والصمت أفضل، لئلا تكون للجدران ثقوب.

واضح تماما أن الأمير حمزة لم يفعل ذلك. واضح أكثر، أنه بكلمته التي أذاعها قبل أن يُفرض عليه الصمت، أراد أن يجرح سلطة أخيه، وأن يكشف عن صدع في منزل لا يقبل الصدوع. وهو فعل ذلك بينما تواجه بلاده التي يحب سلسلة مترابطة من الأزمات، معظمها من الخارج، وكلها مفروضة عليها.

وما من شيء في هذا السلوك صحيح.

أن تأتي إلى النقد من مرارة افتقاد السلطة، لا يبرهن على صواب سياسي. كما لا يبرهن على رغبة حقيقية في الإصلاح. ذلك لأن “صنعة” الإصلاح من داخل بيت السلطة، ليست كصنعة الإصلاح من خارجه. ولكل منهما معايير مختلفة.

أهل البيت يُصلحون بصمت. ذلك هو شرط الصواب الأخلاقي الأول. وآخر ما يمكن أن يفعلوه هو أن ينشروا انتقاداتهم بالجرائد، أو يضعوها على أفواه الناس، لتكون تصدعا أو برهانا، لا لزوم له، على تصدع.

الأمير حمزة لن يُضار بالكثير. من سيُضار هو الأردن بحاجته إلى التماسك.

ولئن كانت هناك عثرات ومشاكل تستوجب الإصلاح في الأردن فتجد من يُصلحها، ولكن مَنْ سيصلح هذا الصدع يا أمير؟

ولو أنه لم يتورط بشيء، فقد كان من الأولى أن يترك للأخوّة أن تحميه. وسواء أخطأ في قول أو فعل، فلأنه بفعلته الأخيرة أثبت ما أراد أن ينفيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى