الأخبار

الأردن من جديد في دوامة التنفيعات والانتخابات

في أعقاب الانتخابات البرلمانية وما رافقها من جدل وانتقادات، سيعود الأردنيون أو قليل منهم بعد بضعة أشهر إلى صناديق الاقتراع لانتخاب المجالس البلدية، في ظل بيئة تشريعية واجتماعية لا تشجع على إنجاز الكثير في مجال الحكم المحلي وتعزيز اللامركزية الإدارية.

ومثلما أصرت الحكومة على إجراء الانتخابات النيابية في الخريف الماضي رغم مخاطر انتشار الوباء وتوقعات الإقبال الضعيف، أعلنت أخيرا عن حل المجالس البلدية القائمة تمهيدا للاقتراع على بلديات جديدة.

ولم يُعرف لماذا استعجلت الحكومة في قرار الحل رغم أن تعديل القانون الناظم لعمل البلديات لا يزال في طور البحث والنقاش، بعد أن سحبته الحكومة من مجلس النواب “لمزيد من الدراسة”. كما لم تقرر الحكومة موعدا محددا للانتخابات البلدية. وهذا يعني أن الحكومة ستدير البلديات لفترة قد تصل إلى ستة أشهر بدلا عن المجالس المنتخبة.

هذا الاستعجال الحكومي ربما يوحي بأن ثمة تعطشا بين الأردنيين لممارسة الاقتراع! أو أن مشهد الانتخابات البرلمانية الأخيرة أثار الحماسة لديهم في انتخابات أخرى.

لم تكن نسبة المشاركة في آخر انتخابات بلدية قبل أربع سنوات، حين لم يكن ثمة وباء، أفضل حالا بكثير منها في الاقتراع النيابي الأخير، وكلتاهما لم تصل إلى ثلث الناخبين.

الحقيقة إن أوجه التشابه بين المشهدين النيابي والبلدي تتعدى مسألة ضعف الإقبال في الانتخابات، على أهميتها، إلى مكامن ضعف أخرى أهم ترتبط خصوصا بالابتعاد عن الغاية الأساسية لإنشاء هذه الهيئات المنتخبة وهيمنة الحكومة أو تدخلها الواسع.

وفي حين لا يتجادل اثنان في الأردن على قصور البرلمانات عموما عن أداء دورها التشريعي والرقابي وتبعيتها لتوجهات الحكومة وإرادة الحكم، لا تزال البلديات المنتخبة تعمل تحت جناح الحكومة أيضا، وبالقانون.

البلديات التي يُرجى منها ترشيد الحكم وتعزيز التنمية في المجتمعات المحلية، تنشغل منذ سنوات طويلة بديونها ورواتب موظفيها التي تلتهم حوالي ثلاثة أرباع موازناتها، تنفيذا للوعود الانتخابية. وتبقى تدور في دوامة لا بأس بتسميتها “دوامة التنفيعات والانتخابات”.

نفس الدوامة تقريبا تلف البرلمان. فالنائب الذي يُفترض به أو ربما يَفرض عليه الدستور الرقابة على الحكومة، يطلب منه تجاوز القانون وتعيين أقاربه أو محاسيبه أو ناخبيه على سبيل المكافأة على فوزه بالانتخابات، وذلك خارج معايير وشروط التوظيف وبخطابات مكتوبة شاهد الأردنيون جزءا منها في الآونة الأخيرة. وفي الغالب الحكومة “تتفهم” ولا تمانع.

لا يخفى على أحد أن هذا التفهم “يقوّي عين الحكومة” على النواب، ويفرغ البرلمان من مهامه الحقيقية ومن القوة التي يمنحه إياها الدستور الذي نص خصوصا في مادته الأولى على أن نظام الحكم “نيابي ملكي وراثي”. وظل هذا التنازل الذي يخدم النواب وقواعدهم الشعبية بهدف إعادة انتخابهم في كل مرة، إحدى العلل التي أدخلت البرلمانات في حالة سبات عن أداء الدور التشريعي والرقابي.

أيضا الحكومة تتدخل في عمل السلطات البلدية المنتخبة لاسيما من خلال المبالغ المخصصة لكل مجلس بلدي في موازنة وزارة الإدارة المحلية التي تقوم حاليا بإدارة كل بلديات المملكة إلى حين انتخاب المجالس الجديدة.

الجاه الانتخابي يجمع أيضا بين أهداف المرشحين سواء للبرلمان أو المجالس البلدية في المجتمع الأردني الذي لا يزال يعلي من شأن الانتماء إلى القبيلة أو المنطقة على حساب التوجه نحو منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.

المفارقة الأخرى أن قسما كبيرا من مطالب النواب للحكومات يدور حول مسائل خدمية في الدوائر الانتخابية، وهو العمل الذي من المفترض أن تقوم به البلديات ومجالس الحكم المحلي.

أين اللامركزية الإدارية من كل ذلك؟ وأين أهمية السلطات المنتخبة والمشاركة المجتمعية في صنع القرار المحلي والتنموي؟ البلديات لا تتمتع بالاستقلال المالي وللحكومة التدخل في عملها بمقتضى القانون.

مشروع القانون الجديد الذي يجري تعديله حاليا، لا يتوقع منه الكثير في رفع يد الحكومة عن المجالس البلدية بل هو أقرب إلى تكريس هذا التدخل وإن اختلفت أشكاله.

اختلفت أيضا تصريحات المسؤولين عن القانون المقترح. فقبل أسبوع على قرار حل البلديات، تحدّث رئيس مجلس النواب عن إطلاق “حوار وطني” في أبريل حول القوانين التي تنظم الحياة السياسية ومنها قانون الإدارة المحلية، إلى جانب قانوني الانتخاب والأحزاب.

وفجأة أعلن وزير الإدارة المحلية أن قانون البلديات صار مستعجلا وينبغي اعتماده من قبل الحكومة وإقراره في مجلس النواب قبل الاقتراع المحلي المتوقع أن يكون أوائل الخريف.

لا يعول الأردنيون كثيرا على إطلاق الحوارات وتشكيل اللجان خاصة منها ما يتعلق بالإصلاح السياسي والمشاركة في صنع القرار، بسبب تجاربهم السابقة ولكن أيضا في ظل مركزية السلطة على الصعيد العملي والتعلق بالشكليات والتقاليد.

هل صارت الانتخابات لغاية الانتخابات؟ نعم، إلى حد بعيد. وإلا لماذا لم يتغير المشهد السياسي الداخلي منذ عقود، ولماذا تصر الحكومة على التحكم بهيكلية البرلمان وتوجهات أعضائه من خلال قانون الانتخاب الحالي وكذلك لماذا المشاركة الضعيفة في الانتخابات سواء برلمانية أو بلدية؟

لا شك أن ثمة الكثير مما يمكن أن تقدمه البلديات للمجتمعات المحلية لكن الاهتمام بالشكليات في الأردن والمركزية عند قمة السلطة وضعف الأداء الحكومي، كلها تجعل أي نتائج انتخابية أشبه بلزوم ما لا يلزم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى