الأخبار

نزاع حول الصلاحيات يفاقم أزمة المسار الانتخابي في تونس

تعيش الساحة السياسية في تونس على وقع أزمة متفاقمة بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، على خلفية نزاع بينهما حول الطرف المعني بوضع ضوابط التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية ومراقبتها.

تونس – يواجه مسار إجراء الانتخابات التشريعية في تونس مأزقا جديدا مع تفجر خلافات بشأن الصلاحيات بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا).

وظهرت الخلافات بين الطرفين على إثر إصدار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري قرارا توجيهيا لتنظيم التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية، وهو ما رفضته الهيئة المستقلة للانتخابات التي اعتبرت أن هذا القرار مخالف للقانون الانتخابي الذي أقر في سبتمبر الماضي.

وينص الفصل السابع والستون من القانون الانتخابي الجديد على أن “تتولى الهيئة الانتخابية، بالتشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، ضبط القواعد والشروط العامة التي يتعيّن على وسائل الإعلام التقيّد بها خلال الحملة الانتخابية”.

واعتبرت هيئة الانتخابات أن هذا الفصل يؤكد أن لها اليد الطولى في الإشراف على العملية الانتخابية، واتهم الناطق الرسمي باسم الهيئة محمد تليلي المنصري الهايكا بالسعي إلى تعطيل المسار الانتخابي ومخالفته، دون أي سبب حقيقي وجدّي.

 

حاتم المليكي: هناك غموض قانوني في ما يتعلق بالهايكا

 

وذهبت هيئة الانتخابات حد المصادقة على قرار مضاد يتعلق بضبط القواعد والشروط التي يتعيّن على وسائل الإعلام العمل من خلالها في الحملة الانتخابية.

ويرى مراقبون أن الصراع المستجد بين الهيئتين من شأنه أن يخلق ارتباكا كبيرا، وسيؤثر مما لا شك فيه على المسار الانتخابي، خصوصا وأن كلا الطرفين متمسك بموقفه.

وفي خطوة تصعيدية قررت الهايكا التوجه إلى القضاء لحسم القضية، معتبرة أن تنصيص هيئة الانتخابات على أن لها “الولاية الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها” بدل “الولاية العامة” يتضمن خرقا خطيرا للفصل 134 من الدستور والقانون الانتخابي برمته على اعتبار ما سينجر عنه من فوضى في إدارة التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية وما سيترتب عنه من إقصاء لمختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الانتخابي بما في ذلك الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ومحكمة المحاسبات والمحكمة الإدارية.

ونبهت هيئة الاتصال إلى خطورة الفصل 18 الذي تحيل بمقتضاه هيئة الانتخابات وسائل الإعلام على أنظار النيابة العمومية في مخالفة للفصلين 37 و38 من الدستور وللقانون الانتخابي، وهو يُشكل سابقة خطيرة تُهدد حرية التعبير والصحافة وتعود بنا إلى سياسة ترهيب وسائل الإعلام.

وشدّد مجلس الهيئة على أن الهدف من وضع قواعد التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية هو إرساء دعائم الثقافة الديمقراطية وترسيخ قيمها من خلال تأمين الحضور الإعلامي لجميع الحساسيات الفكرية والسياسية التي تمارس أنشطتها في إطار القانون، وعليه قرر المجلس الاحتفاظ بحقه في اللجوء إلى القضاء اعتبارا لما يُمثله قرار هيئة الانتخابات من خطر على صفاء المسار الانتخابي وشفافيته ونزاهته وما يشكله من انعكاسات سلبية على مستقبل حرية التعبير والصحافة في تونس.

ويقول المراقبون إن الخلاف المستجد بين هيئتين رسميتين هو انعكاس لحالة الضبابية المتعلقة بوضعية المؤسسات والهيئات الرسمية في تونس بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “هناك غموض قانوني يتعلق بالهايكا، حيث لا يوجد إطار قانوني لها في الدستور الجديد”.

وأضاف المليكي في تصريحات لـ”العرب”، “الصراع يُقرأ سياسيا وكأنه لا دور للهايكا بالمعنى القديم لها في مراقبة الحملات الانتخابية، وعلى القضاء هنا أن يعطي رأيه في وجود هذه المؤسسة (الهايكا) وفي الوضع القانوني والدستوري للمؤسسات”.

 

صراع مستجد يخلق ارتباك كبير
صراع مستجد يخلق ارتباك كبير

 

وأوضح الناشط السياسي “هناك أزمة في المؤسسات وهو ما يطلب توضيحا من المحكمة الإدارية، ومن الطبيعي أن يوجد تنازع في الصلاحيات في ظل حالة الضبابية الراهنة”، مشيرا إلى أن هذا الوضع “سيؤثر على المسار الانتخابي لأننا لن نشهد حملة انتخابية عادية إعلاميا، بل ستكون ارتجالية حالة بحالة، ويمكن ألاّ يحترم فيها مبدأ المساواة بين المترشحين”.

وتجد وسائل الإعلام التونسية نفسها مكبلة بقرارين من جهتين رسميتين، ولا تعرف كيف ستتعامل مع هذا الوضع الشاذ، فيما لم يعد يفصل عن الحملة الانتخابية في تونس سوى أسابيع قليلة.

ومن المقرر أن تشهد تونس في ديسمبر المقبل إجراء انتخابات تشريعية ستشكل المحطة قبل الأخيرة من المرحلة الانتقالية.

ويراهن الرئيس قيس سعيد على هذه الانتخابات داخليا وخارجيا، في ظل ضغوط دولية تطالب بعودة عمل مؤسسات الدولة إلى طبيعتها لاسيما البرلمان.

لكن الاستعدادات لهذه الانتخابات شهدت حتى الآن تعثرات حمل البعض مسؤوليتها للقانون الانتخابي الجديد، والذي أدى إلى فراغ على مستوى المترشحين في عدد من الدوائر الانتخابية، فضلا عن مرشح وحيد في دوائر أخرى.

 

حاتم العشّي: الصراع بين هيئة الانتخابات والهايكا أخذ طابعا سياسيا

 

ويقول المراقبون إن الأزمة المتفجرة حاليا بين هيئة الانتخابات والهايكا تجسد أحد أوجه القصور في القانون الانتخابي الذي لم يكن واضحا حيال اختصاصات وصلاحيات الأطراف المتدخلة في العملية الانتخابية، وفتح المجال لتأويلات متضاربة.

وأفاد المحامي والوزير السابق حاتم العشّي أنه “لا بدّ أن تكون العلاقة بين المؤسستين متساوية وكل طرف يعرف ما له وما عليه ويقوم بدوره، ولا يحقّ لمؤسسة أن تتعالى على الأخرى”.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “الهايكا تعمل بصفة رسمية ودورها التعديلي مهم، ولا يمكن أن تعامل في هذا الظرف الانتخابي بطريقة دونية، وعليهما أن تبتعدا عن التجاذبات السياسية لأن الصراع أخذ نوعا ما طابعا سياسيا وبصفة ضمنية، وعلى الانتخابات أن تنظم في كنف الديمقراطية والشفافية والنزاهة”.

واستطرد “الرقابة من مشمولات الهايكا، وهيئة الانتخابات عليها أن تعطيها دورها”.

وأعرب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر الإثنين عن “أسفه من تعامل مؤسسات الدولة بمنطق التقاضي”، في تعقيب منه على توجه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري للقضاء.

وقال بوعسكر في تصريح لإذاعة شمس آف.آم المحلية على هامش إشرافه على الملتقى الجهوي مع المجتمع المدني والإعلامي المحلي والمترشحين للانتخابات التشريعية، إن “الهيئة أصدرت قرارا ترتيبيا بمقتضى الدستور والقانون ومن لديه أي احتراز على القرار يذهب إلى القضاء”.

واعتبر رئيس هيئة الانتخابات أن الهيئة لم تخل بالتزاماتها وراسلت الهايكا كتابيا ولم تتلق ردا وقال إنهم يجهلون أسباب ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى