الأخبار

شكيب بن موسى سفير العاهل المغربي للمهام المستعجلة

ارتبط اسمه بلجنة النموذج التنموي التي قدمت تقريرها للعاهل المغربي الملك محمد السادس أواخر مايو الماضي بالقصر الملكي بفاس بعد أشغال وأبحاث ولقاءات دامت سنتين. وتميّز 35 من الأعضاء الذين عيّنهم الملك بكونهم مسؤولين كبارا في الدولة وخبراء أكاديميين وكفاءات وهم في غالبيتهم لا ينتمون لعوالم السياسة والأحزاب المغربية. وإذا كان همّهم هو إخراج نموذج لإقلاع اقتصادي واجتماعي وتنموي، فقد تمت مؤاخذة اختيارهم من كفاءات فركوفونية، حيث منهم المقيمون داخل البلاد فيما يعيش آخرون خارجها.

الحديث هنا عن شكيب بن موسى الذي أهلته خبرته التي اكتسبها لشغل مناصب عامة عديدة حتى أضحى معروفا عن العام والخاص وصناع القرار بالتكنوقراطي صاحب المهام المستعجلة. فهو الحاصل على شهادة الماجستير في العلوم من جامعة كامبريدج، وكذلك على دبلوم الدراسات العليا في تدبير المشاريع من معهد إدارة المقاولات، ولهذا تم تعيينه في العام 2019 لشغل منصب رئيس لجنة النموذج التنموي، لكن هناك من انتقده لهذه الصفة وأنه ليس أهلا ليكون في منصب رئيس لجنة هي الأخرى تكنوقراطية.

سياق اللجنة وسياق الحكومة

حتى لا يتم تأويل التوصيات التي أتى بها تقرير لجنة النموذج التنموي على أنها تدخل في اختصاصات رئيس الحكومة وهيمنة على برنامج الأحزاب السياسي، فإن بن موسى عمل على توضيح أن التقرير ليس برنامجا حكوميا، بل فقط توجهات أساسية لإحداث تحول في التصور العام لتنمية البلاد في المستقبل، خصوصا وأن أعضاء اللجنة التي رأسها تواصلوا بشكل مباشر مع 9719 مواطنا، كما شمل تفاعلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما تجاوز الـ20 مليونا من المواطنين.

وتأتي إشادة كل المكونات السياسية والاقتصادية بعمل لجنة بن موسى، كدليل على أنه نجح في مهمة هندسته للنموذج التنموي واستطاع الخروج بتقرير نوه العاهل المغربي به، وبالمجهود الذي بذله فيه هو وفريقه، وجودة العمل الذي تم إنجازه، والذي يعتبر نتاج مقاربة تشاركية واسعة من الاستماع والنقاش والابتكار الجماعي، حول تجديد النموذج التنموي المغربي.

بن موسى يحرص على التأكيد على أن تقرير لجنة النموذج التنموي ليس برنامجا حكوميا، بل فقط توجهات أساسية لإحداث تحول في التصور العام لتنمية البلاد في المستقبل

بن موسى له باع طويل في الإدارة جعله يشغل منصب وزير الداخلية بين عامي 2006 و2010، وحينها لوحظ عليه ضعف تواصله مع الأحزاب السياسية، والدخول في معارك هامشية خلقت جوا من الارتباك خلال الانتخابات التشريعية في تلك الفترة. وهو ما تم التنبّه له في توصيات تقرير النموذج التنموي مع طيف الأحزاب السياسية، حيث نظمت هذه الأخيرة لقاء تشاوريا مع رئيس وأعضاء اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي الجديد لمناقشة مسار المرحلة المقبلة وآليات تنزيل هذا النموذج والمتعلقة أيضا بصياغة ميثاق وطني من أجل التنمية.

وأجمعت الأحزاب على أنها ستفتح نقاشا مع لجنة بن موسى لمعرفة ما هي خلفيات وتصورات وبواعث هذا المشروع، ثم تقرر ما هي الطريقة التي سيتم من خلالها صياغة هذا المشروع في القريب العاجل، إذن هذا لقاء أول وستليه عدة اجتماعات أخرى.

وكمثال على السياسيين الذين تفاعلوا مع مشروع بن موسى، اعتبر رئيس حزب الاستقلال نزار بركة أن هذا النموذج ينبغي أن يواكبه ميثاق وطني للتنمية يجب أن تضعه الأحزاب السياسية مع النقابات والفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني انطلاقا من النموذج والعمل على تنفيذه على أرض الواقع وبالتالي نعتبر أن هذه المحطة أساسية للتشاور ومن أجل وضع خارطة طريق في هذا الإطار.

تسويق الفكر التنموي

إشادة المكونات السياسية والاقتصادية في المغرب بعمل لجنة بن موسى، دليل على أنه نجح في مهمة هندسته للنموذج التنموي واستطاع الخروج بتقرير نوّه العاهل المغربي به، وبالمجهود الذي بذله فيه هو وفريقه
إشادة المكونات السياسية والاقتصادية في المغرب بعمل لجنة بن موسى، دليل على أنه نجح في مهمة هندسته للنموذج التنموي واستطاع الخروج بتقرير نوّه العاهل المغربي به، وبالمجهود الذي بذله فيه هو وفريقه

رصد بن موسى وخبراؤه تراجع ثقة المواطنين بالسياسيين، واتساع الفوارق الاجتماعية، وكذا التوترات الاجتماعية، خاصة في المدن الصغرى والمتوسطة. ومن أجل مراعاة تلك العوامل، ولمواكبة تنزيل النموذج التنموي الجديد تم تحديد 2035 كسنة لتحقيق كل الطموحات المتصلة به، باعتماد آليتين، أولاهما “ميثاق وطني للتنمية”، وثانيهما آلية تحت إشراف الملك لتتبع وتحفيز الورش الاستراتيجية وقيادة التغيير.

في يونيو من العام 2020، قالت سفيرة فرنسا في المغرب هيلين لوغال، إنها اطلعت على الخطوط العريضة للنموذج التنموي الجديد للمملكة الذي تشرف على صياغته اللجنة التي يترأسها بن موسى، ما اعتبره الكثير من النشطاء والمتابعين وبعض السياسيين تدخلا في شأن وطني داخلي. ورغم تنويه لوغال بتفاصيل المشروع الكبير وحديثها عن الآفاق الواعدة للنموذج الاقتصادي، إلا أن هذا لم يشفع لبن موسى لدى فئة عريضة من المتابعين للشأن السياسي المغربي، وذهب الأمر ببعض السياسيين إلى المطالبة بإقالته من منصبه، بعدما أصبحت فرنسا أول من يعلم بالخطوط العريضة للنموذج التنموي للبلاد قبل المغاربة.

حتى حزب الاستقلال هاجم تصرف بن موسى، قائلا إنه يمس في عمقه بسيادة الدولة والمؤسسات الدستورية المغربية، وتصرف يكرّس الانطباع السائد عند عموم الشعب المغربي بالتبعية في البرامج والقرارات لدول بعينها، وعدم استقلالية اللجنة في قراراتها وتوصياتها، ما دفع برئيس اللجنة إلى الخروج مدافعا عن نفسه قائلا إن “اللقاء الذي جرى مع السفيرة الفرنسية جرت قبله جلسات عديدة مع ممثلي دول أخرى أثناء فترة الحجر الصحي، كبريطانيا والولايات المتحدة وأنه يندرج ضمن المجاملة وفي إطار العمل الدبلوماسي العادي”.

التعريف بالنموذج التنموي المغربي ضرورة سياسية ودبلوماسية الهدف منها، حسب بن موسى، القول إن المغرب يشتغل في إطار من الشفافية والوضوح على المستوى الداخلي بإشراك جميع الفعاليات الحزبية والاقتصادية والحقوقية وغيرها في تطعيم هذا النموذج، وأيضا على المستوى الخارجي بطمأنة الشركاء والأصدقاء وغيرهم من المؤسسات أن المغرب عازم على تطوير إمكانياته للوصول إلى مرتبة متقدمة اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا، ولا بد لهؤلاء أن يثقوا في حكامة مؤسساته وتدبيرها للمرحلة، خصوصا وأن المغرب، ووفقا لبن موسى أيضا “يجب أن يبرز كقوة إقليمية تضطلع بدور طليعي، استنادا إلى التقدم المطرد الذي يحققه على المستوى الوطني”.

وفي هذا السياق يؤكد التقرير على أهميـة الشـراكة الاسـتراتيجية التـي أقامهـا المغـرب مـع مجلـس التعـاون لـدول الخليـج العربي، حيـث أنهـا تتيح فرص الشـراكات فـي المجالات الرئيسـية ذات الصلـة بتفعيـل النمـوذج التنمـوي الجديد، وصولا إلى تعزيـز علاقـات الشـراكة مـع الـدول الصاعـدة، خاصـة تلـك التـي أبـرم معهـا المغـرب شـراكات اسـتراتيجية، كالصيـن والهنـد وروسـيا، بالنظـر إلـى المكانـة التـي تحتلهـا هـذه البلـدان ضمـن التوازنـات الجيوسياسـية والجيواقتصاديـة الحاليـة، والمسـتقبلية فـي ظـل عالـم مـا بعـد أزمـة كوفيـد – 19.

المفوّض المحنك

Thumbnail

عيّنه العاهل المغربي في 9 مارس من العام 2013 سفيرا فوق العادة ومفوضا للعاهل المغربي في الجمهورية الفرنسية، ولهذا التاريخ حظوة لدى المغاربة ففي التاسع من مارس 2011 خاطب الملك الشعب في ذروة ما اصطلح عليه بـ”الربيع العربي”، ليقدم تصوره للمرحلة بتعديل دستوري مهم أعطى اختصاصات كبيرة لرئيس الحكومة، وأخرج المغرب من عنق الزجاجة بالإجابة على الأسئلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المقلقة، فكان ذلك التاريخ محطة فارقة في تاريخ المغرب، وكان أيضا محطة فارقة في حياة بن موسى.

وكما هو معروف، فإن باريس من العواصم الغربية المهمّة للمغرب والتي تحظى دوما بسفير من طراز رفيع، واختيار بن موسى لم يكن اعتباطيا، فقد اعتبرته أكثر من جهة داخل فرنسا وخارجها، ضرورة للعلاقات الفرنسية ـ المغربية، فهو مرتبط بهذه المدينة منذ وقت الدراسة حيث تخرج في مدرسة البوليتكنيك بباريس في العام 1979، ثم في المدرسة الوطنية للقناطر والطرقات بباريس بعدها بثلاث سنوات.

لكن هناك من حاول خلط الأوراق بالحديث عن حمل رئيس لجنة النموذج التنموي المغربي للجنسية الفرنسية، رغم أن مقرّبين منه نفوا ذلك، خصوصا وأن بن موسى يأمل في أن تشكل القيم المشتركة مع فرنسا أساسا لرفع التحديات المشتركة، والانكباب معا على بناء شراكة متجددة وقوية بين البلدين، مشيدا بالتعاون الممتاز الذي يربط المغرب وفرنسا في عدة مجالات.

ومن موقعه كسفير في ذلك البلد المحوري في الاتحاد الأوروبي قاد مهمة دبلوماسية غاية في الأهمية والخطورة تزامنا مع الأزمة القائمة بين الرباط وكل من إسبانيا وألمانيا، وذلك دفاعا عن مصالح المغرب داخل الاتحاد والعمل على توسيع دائرة الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه على غرار واشنطن.

الخبرة التي يمتلكها بن موسى أهلته لشغل مناصب عامة عديدة حتى أضحى معروفا عند العام والخاص وصناع القرار بالتكنوقراطي صاحب المهام المستعجلة

كان حاضرا في عدد من المنعرجات التي عرفتها العلاقات الفرنسية المغربية، وكثيرا ما كان بمثابة قناة لامتصاص الصدمات وتصريف المشاكل بشكل دبلوماسي مرن وصارم في دفاعه عن سيادة بلده ومصالح مؤسساتها. ومن القضايا التي تابعها قضية الصحافيين الفرنسيين إيريك لوران وكاترين غراسيي اللذين دخلا في محاولة مساومة مع القصر الملكي المغربي. لم يفت بن موسى الحديث عن تلك القضية مشدّدا على أن المغرب كان ضحية أعمال ابتزاز، مؤكدا أن التسجيلات الموضوعة رهن إشارة العدالة الفرنسية. تؤكد هذه الحقيقة وتكشف أن المبادرة كانت من الصحافيين نفسيهما، ولا يتعلق الأمر بمحاولة إغراء من المغرب، كما ادعيا من قبل، موضحا أن المغرب، وهو في مواجهة هذا الابتزاز البغيض، فقد وضع ثقته في العدالة الفرنسية باعتباره ضحية لتصرفات غير قانونية، وهو ما جعل القضاء الفرنسي يدين الصحافيين مؤخرا.

عندما استدعته المصلحة العليا للبلد، حاول أن يوازن بين مهامه الدبلوماسية في باريس والإشراف على اللجنة الخاصة بصياغة النموذج التنموي الجديد، وهو ما نجح فيه دون منازع. وبحسّه الدبلوماسي استعرض بن موسى مضامين التقرير أمام سفراء الدول المعتمدة لدى المملكة المغربية في 15 يونيو، موضحا أن التقرير يقترح بناء شراكات رابح – رابح توجه التعاون نحو الأولويات في المغرب، مشيرا إلى أن الهدف هو أن يصبح البلد مساهما في تنمية أماكن أخرى في العالم، مع بناء شراكة مع القطاع الخاص ووكالات التنمية الدولية.

بن موسى وخبراؤه يرصدون تراجع ثقة المواطنين بالسياسيين، واتساع الفوارق الاجتماعية، وكذا التوترات الاجتماعية، ومن أجل مراعاة ذلك، ولمواكبة النموذج التنموي الجديد تم تحديد 2035 كسنة لتحقيق كل الطموحات، باعتماد آليتين، أولاهما “ميثاق وطني للتنمية”، وثانيتهما آلية تحت إشراف الملك لقيادة التغيير

وحتى وهو يستعرض الخطوط العريضة للنموذج التنموي الجديد أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في المغرب، لم تغب عنه الإشارة إلى أن المملكة محظوظة لتوفرها على شراكات متعددة الأطراف مع مختلف القارات، سواء الأفريقية التي تنتمي إليها أو القارة الأوروبية التي تشكل جزءا كبيرا من معاملاتها الخارجية، بالإضافة إلى الشراكة مع العالم العربي والإسلامي، والشراكة مع الولايات المتحدة وآسيا.

وكان من اللافت تفاعل الدبلوماسيين العرب مع مضامين التقرير، حتى بدا وكأنه تقرير يتحدث عن الدول العربية كافة، لا عن المغرب فحسب، كما حين قال سفير المملكة العربية السعودية عبدالله بن سعد الغريري، إنه على “المستوى النظري تكون دائما النصوص مثالية وتدعو إلى تفاعل، لكن عندما يتعلق الأمر بالتطبيق نواجه الكثير من المعوقات التي باتت آفة العصر والعدو الرئيسي لخطط التنمية”، متسائلا عن الآليات التي اقترحتها اللجنة للحد من آفة الفساد بشقيه المالي والإداري، والتي لا تكاد تخلو منها أي دولة، مشيرا إلى أن إشكال الفساد يعدّ عائقا أمام التنمية.

وكان جواب بن موسى صريحا بأن اللجنة وقفت على وجود قوانين، لكنها لم تذهب بعيدا على مستوى التنزيل، معتبرا أن تفعيل اللامركزية هو عمل ضروري اليوم إذا أردنا أن نرفع من الخدمات العمومية، وخاصة بالنسبة إلى التعليم والصحة، مشيرا إلى آلية الميثاق الوطني لتعبئة كل الأطراف الممكنة، الذي يمكن أن يحقق قوة معنوية وسياسية تجعل كل الأطراف تلتزم بأرضية مشتركة لتنفيذ مخرجات النموذج التنموي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى