الأخبار

هل يكتب السودان قصة نجاح أفريقي جديد

رحب قادة المعارضة في السودان باتفاق جديد لتقاسم السلطة مع المجلس العسكري الحاكم باعتباره انتصارا لـ”ثورتهم”. وتبعث الخطوة على الأمل، رغم العراقيل والتحديات، في أن ينهي الاتفاق المأزق السياسي ويضع حدا للمواجهة المستمرة منذ ثلاثة أشهر بين المجلس العسكري وقوى المعارضة، مما يضاعف من أزمة البلاد الاقتصادية واستمرار ذلك كان سيؤدي إلى تدهور أخطر.

الخرطوم – بعد مفاوضات استمرت يومين برعاية إثيوبية وأفريقية، اتفق المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير في السودان، على خطة مشتركة لتوجيه مستقبل البلاد، في خطوة نجاحها مرهون بقدرة القادة المدنيين والعسكريين في الخرطوم على إنجاح الاتفاق وطيّ صفحة ماضيها المضطرب نهائيا بما يضع السودان على عتبة قصة نجاح أفريقي جديد.

علامات تقدم

عانت المفاوضات بين المجلس العسكري والمعارضة المدنية التي تتعلق بتشكيل هيئة انتقالية من نكسات عديدة، لكنها أظهرت علامات تقدم بعد الاتفاق الأخير الذي يقضي بتأسيس مجلس السيادة وتشكيل حكومة مدنية من الكفاءات، فيما تم إرجاء الاتفاق على تشكيل المجلس التشريعي. ولم تتضح بعد الآليّة التي سيتمّ اعتمادها.

لكن وفقا للخطة الانتقالية، التي أعدّها الوسيطان الأفريقي والإثيوبي، سيرأس المجلس السيادي، المكون من 5 عسكريين و5 مدنيين بالإضافة إلى عضو مدني يتوافق عليه في البداية عسكري لمدّة 18 شهرا على أن يحلّ مكانه لاحقا مدني حتّى نهاية المرحلة الانتقاليّة.

وعلى موقع تويتر، شكك كثيرون في الاتفاق، وعبر البعض عن خيبة أملهم، بينما حاول آخرون أن يكونوا واقعيين. فغرّد أحدهم “سياسيا وواقعيا ونظرا لأن الجيش والدعم السريع يمتلكان كل الوقت وكل السلاح و90 في المئة من دعم دول الجوار، لا أعتقد بنجاح حل آخر للتقدم بالنسبة للمدنيين”.

عمر الدقير: نأمل أن يمثل تشكيل المؤسسات الانتقالية بداية عهد جديد

وقال القيادي في تحالف التغيير طارق عبدالمجيد، “لست راضيا تماما لكنها خطوة إلى الأمام لإحلال السلام لشعبنا”، ففي هذه المرحلة، وبالنظر إلى خصوصية السودان، يصعب تخيل تأسيس حكومة مستقرة ومقبولة من كل الأطراف، إذ يجب أن تتخطى أي صفقة نقاط الخلاف الأساسية مثل تشكيل مجلس السيادة، لذلك بدا أن هذا الاتفاق، وفق بعض المحللين، أقصى ما يمكن تحقيقه بين المجلس العسكري وقوى التغيير باعتبار تمترس كل طرف منهما بمواقفه.

في المقابل، رأى آخرون أن الاتفاق هو اتفاق مرحلي يتطلب مجهودا آخر من الطرفين للتوصل إلى اتفاق كامل. لكن، الأكيد في كل الحالات أن الاتفاق يأتي كخطوة مهمة بعد أن وصل الوضع الاقتصادي في البلاد إلى نقطة حرجة. فدون استقرار سياسي وأمني، لن يتمتع السودان بفرصة كبيرة لإيجاد علاج لمشكلاته الاقتصادية، حتى لو ساعدته منح الدول الإقليمية المالية على تخفيف حدة الأزمة.

وقال عمر الدقير، القيادي في تحالف إعلان الحرية والتغيير، في مؤتمر صحافي مشترك مع الوسطاء العسكريين والأفارقة عقب إبرام الاتفاق، “نأمل أن يمثل تشكيل المؤسسات الانتقالية بداية عهد جديد”.

وأشاد نائب رئيس المجلس العسكري السوداني الفريق محمد حمدان دقلو بالاتفاق. وقال متحدثا بعد الوسيط الإثيوبي في المؤتمر الصحافي “نودّ أن نطمئن كل القوى السياسية والحركات المسلحة وكل من شاركوا في التغيير، بأن هذا الاتفاق سيكون شاملا لا يقصي أحدا ويستوعب كل طموحات الشعب السوداني”.

بعد فشل جولات متعددة من المفاوضات، جاء الاتفاق الأخير ليضع لبنة مشهد سياسي جديد في السودان. لكن، نجاح هذا الاتفاق في العبور إلى مرحلة انتقالية سلسة،  يبقى مرهونا بتجاوز مطبّات وملفات شائكة تحيط به، لاسيما لجنة التحقيق في الأحداث التي شهدتها البلاد خلال المظاهرات وعقب عزل عمر البشير، وعلى رأسها حادثة فض الاعتصام أمام القيادة بالخرطوم، في 3 يونيو الماضي، وتتهم قوى المعارضة المجلس العسكري بالمسؤولية عنه. هذه القضية لن تكون الوحيدة القابلة لتفجير الخلاف بين الطرفين، فهناك ملفات أخرى قد تضع الاتفاق على المحك منها إشراك قوى سياسية عرفت بمشاركتها النظام السابق، منها أحزاب “المؤتمر الشعبي” و”الإصلاح الآن” الإسلاميين، والحزب الاتحادي الديمقراطي.

وتبقى الحركات المسلحة التي وقعت اتفاقات مع النظام السابق وفي ضوء ذلك جاءت مشاركتها في الحكم، منها جبهة الشرق التي وقعت اتفاق سلام الشرق 2007، وحركة التحرير والعدالة التي وقعت اتفاق سلام دارفور في الدوحة في 2011، على رأس التحديات.

ولعل ذلك ما حدا بمحمد حمدان دقلو إلى تأكيد ذلك في التصريحات الصحافية عقب الاتفاق، حيث طمأن الحركات المسلحة والقوى السياسية الأخرى بأنه لن يتم إقصاء أحد في الفترة الانتقالية.

كما يشير تأجيل تشكيل المجلس التشريعي بوضوح إلى الخلاف الذي نشب مؤخرا على نسبة 67 بالمئة، التي منحت لقوى التغيير، ووافق عليها المجلس العسكري قبل حادثة فض الاعتصام، ولكنه تراجع عن ذلك في حديث سابق للمتحدث الرسمي باسم المجلس شمس الدين الكباشي عندما قال “هناك أمور كثيرة تغيرت منذ الاتفاق السابق مع قوى الحرية والتغيير”.

ساهمت الضغوطات الإقليمية والدولية في الوصول إلى اتفاق قد يؤدي إلى تهدئة الشارع الذي ظل سقف توقعاته للثورة الشعبية بأن يعود الجيش لثكناته ويترك السياسية للمدنيين.

مواصلة الشارع لحراكه منذ 19 ديسمبر الماضي، والتعب الذي اعتراه لطول فترة الاحتجاج، ربما كانا سببا رئيسا في أن يتعامل أشد المتعنتين في قوى الحرية والتغيير مع ما تحقق من اتفاق بأنه أمر واقع وعليهم التفكير في قادم الأيام.

ويرى خبراء في الشأن السوداني أن أكبر مهدد للاتفاق بين المجلس العسكري وقوى التغيير يكمن في تحركات ما يعرف بفلول النظام السابق، الذين سيعملون بقوة على إفشال الاتفاق بكل السبل حتى لو بانقلاب يطيح بالمجلس العسكري وقوى التغيير.

أمل جديد

Thumbnail

إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي على كل تفاصيل الفترة الانتقالية يظل الوضع في السودان قابلا لكل الاحتمالات. لكن، الأكيد وفق الخبراء أن القيادة السودانية، بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة، ستضع نصب عينيها أهمية الاستقرار بالنسبة لبلد استراتيجي مثل السودان.

وهنا، يتوقع خبراء أن تواصل إثيوبيا والاتحاد الأفريقي لعب دور في ترسيخ هذا التطور، خاصة إذا ما أبدت القيادة السودانية، بشقيها العسكري والمدني، المزيد من التعاون. وفي المستقبل سيسمح نجاح هذه القيادة في اكتساب الشرعية المحلية والدولية للبلد بالاستفادة من مزاياه التي تشمل موقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر، وعدد سكانه الذي يتجاوز 40 مليون نسمة، واحتوائه بعضا من أكثر الأراضي خصوبة في أفريقيا.

إذا مرت التغييرات كما يجب، ستصبح الدولة التي هجرت الاستقرار منذ فترة طويلة مثالا لقصة نجاح قادم في أفريقيا، وستتحول إلى منطقة جديدة تجمع فرصا جديدة غير مستغلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى