الأخبار

محاربة الفساد عنوان مرحلة أم مجرد مسكّن لاحتواء غضب الأردنيين

محاربة الفساد عنوان مرحلة أم مجرد مسكّن لاحتواء غضب الأردنيين

رئيس الحكومة يرفع من رصيده بالقبض على متهم في قضية فساد كبيرة، والشارع يواصل التصعيد حتى يقف على تغييرات مؤثرة.

تحمل عملية إلقاء القبض على رجل الأعمال الأردني عوني مطيع المتورط في قضية مصنع الدخان المزوّر في طياتها دلالات مهمة أبرزها إصرار الحكومة الأردنية على مواصلة الحرب على الفساد، بيد أن البعض يرى أن الأسلوب الدعائي الذي صاحب العملية يشي بأن الهدف هو احتواء الاحتقان الشعبي الذي يشهده الأردن، مثلما هو الحال بالنسبة لقرار سحب قانون الجرائم الإلكترونية.

ترفع الحكومة الأردنية شعار “محاربة الفساد” كأحد العناوين الرئيسية للمرحلة الحالية، وسط تساؤلات عما إذا كانت هناك إرادة حقيقية للمضيّ بعيدا في هذا المسار الصعب، أم أن الأمر ليس سوى شعار مرحلة ومسكّن لما يشهده الأردن من غضب شعبي.

وجدّد رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، الثلاثاء، تعهده بالعمل المستمر لـ”اجتثاث الفساد من جذوره”، وذلك بعد ألقاء القبض على المطلوب الأول في ما يعرف إعلاميا بقضية “مصنع السجائر”.

وكان الأردن تسلّم الاثنين مطلوبا يدعى عوني مطيع من السلطات التركية بعد أن أصدر “نشرة دولية حمراء” عبر الشرطة العربية والدولية على إثر فرار الأخير من البلاد عقب كشف قضية فساد.

وقال الرزاز، في كلمة أمام مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) “كانت الأجهزة جميعا تعمل على متابعة ورصد مطيع بالتعاون مع السلطات التركية التي ذللت الصعاب أمام المهمة بغية القبض عليه، قبل أن تسلّمه للأردن الاثنين”.

وتوالت الإشادات برئيس الحكومة من قبل أعضاء مجلس النواب، حيث أعلن بعض النواب تراجعهم عن حجب الثقة عن الحكومة، فيما طالب البعض الآخر بضرورة تتبع شركاء عوني مطيع، وباقي شبكات الفساد.

وقال النائب مصلح الطراونة، الذي كان أول من أثار القضية تحت قبّة البرلمان في يوليو الماضي، موجّها حديثه للرزاز “هذا الموقف موقف تحوّل في الدولة والثقة بمؤسساتها، ولأنك أثبت جديتك فإنني أمنحك الثقة”.

وذهب في ذات الإشادة، النائب أحمد الرقب الذي اعتبر أن جلب المتهم الرئيسي بقضية “الدخان المزوّر”، يسجل نقطة لصالح حكومة الرزاز، مطالبا إياها بجلب “بقية الفاسدين”.

تتعلق القضية، التي أثارت اهتمام الرأي العام الأردني، بإنتاج وتهريب سجائر بطرق غير قانونية إلى السوق الأردنية، والتهرّب من دفع ضرائب بمبالغ مالية كبيرة.

قرار الحكومة بتتبّع المتورطين في قضية مصنع الدخان ينعش آمال الأردنيين في فتح ملف الفساد. ويعطى دفعة معنوية قوية في قدرة الرزاز على التصدي “لحيتان السوق”

وأصدرت نيابة أمن الدولة في الأردن، في أغسطس الماضي، لائحة تضم ستّ تهم، بحق المتهمين في القضية. كما قرّرت محكمة أمن الدولة الحجز على أموال المشتبه بهم، بعد إيعاز حكومي، للجهات الأمنية، باتخاذ الإجراءات اللازمة للقبض على 30 شخصا في إطار القضية، دون الكشف عن أسماء.

وأنعش قرار الحكومة بتتبّع المتورطين في القضية آمال الأردنيين في فتح ملف الفساد المثقل بالقضايا. وأعطى دفعة معنوية قوية في قدرة عمر الرزاز، الذي تم تكليفه في يونيو الماضي برئاسة الوزراء، على التصدّي “لحيتان السوق”، وهو وصف شائع في الشارع الأردني يحيل إلى الرؤوس الكبيرة المشتبه بتورطها في قضايا فساد، بيد أن هذه الجرعة من التفاؤل سرعان ما خبت، حيث لم يسجل تقدم في هذه الحرب المعلنة، باستثناء ما تحقق في قضية “الدخان”، والتي أشرف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بنفسه على متابعتها.

لكن، لا يبدو أن ما أعلن عنه الرزاز محلّ إشادة من كل المتابعين الأردنيين حيث قال نائب رئيس الوزراء الأسبق، ممدوح العبادي، إن عملية القبض على المتهم الأول بقضية مصنع الدخان جاءت نتيجة جهد استخباري وأمني رفيع المستوى وبإشراف ومتابعة وتنسيق حثيث ومباشر من الملك عبدالله الثاني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا علاقة مباشرة للحكومة بها، مشككا في أن يكون وزير الداخلية على اطلاع ودراية بتفاصيل القضية التي نجحت “الدولة العميقة” في إنهائها بالشكل الأمثل.

وهاجم العبادي، في تصريحات لوسيلة إعلام أردنية، حكومة الرزاز التي قال إنها لا تملك برنامجا وخطة للاستمرار في قيادة البلاد، لافتا إلى أن هناك شعورا لدى دائرة صُنع القرار بكونها “أكلت مقلبا” باختيار الرزاز رئيسا للوزراء، غير أنها تفضّل التمهّل قبل إجراء تغيير حكومي سريع يضمن إعادة تموضع صحيح ومثالي للدولة الأردنية.

يواجه الرزاز في الفترة الأخيرة حملة تشكيك واسعة في قدرته على إدارة الشأن الحكومي، ويعزو البعض الأمر إلى وجود أجندات تحاول إرباك الرجل، خاصة وأنه لا ينتمي إلى الطبقة التقليدية، فضلا عن تبنّيه لسياسة متدرجة في الإصلاح لا تلقى قبولا لدى الكثير من المتنفذين، بيد أن الرجل ما يزال يحظى بالواضح بدعم من الملك عبدالله الثاني، والتشديد على وقوف الحكومة خلف إلقاء القبض على عوني مطيع أعطى جرعة دعم قوية له، رغم الانتقادات.

Thumbnail

وكان الرزاز اتخذ في الفترة الأخيرة جملة من القرارات كان أبرزها سحب قانون الجرائم الإلكترونية الذي يلاقي انتقادات واسعة بسبب ما تضمّنه من بنود قابلة للتأويل، ومنها البند رقم 11 الذي ينص على أن يعاقب كل من قام قصداً بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذمّ أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مئة دينار ولا تزيد على (2000) ألفي دينار.

ولاقت الخطوة اعتراضات حتى من داخل فريقه الحكومي يتصدرهم نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر، الذي تتحدث تسريبات على أنه هدد بتقديم استقالته.

ويأتي قرار سحب مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في وقت يشهد الأردن عودة للحراك الشعبي الرافض لإقرار قانون الضريبة على الدخل، الذي مرّ بكل فصوله التشريعية، ومن المقرر أن يتم العمل به مطلع العام المقبل.

ويعتبر البعض أن الإشكال لا يكمُن في شخص رئيس الوزراء وإنما الأمر يتعدّاه إلى السياسات المعمول بها التي تقوم على رد الفعل، فكما هو الشأن بالنسبة لسحب قانون الجرائم الإلكترونية، فالهدف هو نفسه من إعادة تسليط الضوء على قضية الدخان، ألا وهو تخفيف الضغوط وإيجاد مسكنّات لتهدئة غضب الشباب الذي يبدو مصرّا على التصعيد إلى حين تحسّس تغيير ملموس في النهج السياسي والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى