الأخبار

حزب مصري صاعد يطرح فكرة إدارة الأزمات مع الحكومة لا انتقادها

حزب مصري صاعد يطرح فكرة إدارة الأزمات مع الحكومة لا انتقادها

العرب تحاور رئيس حزب مستقبل مصر أشرف رشاد الذي يوضح إن “الحزب يدعم النظام دون أن يكرر تجربة الحزب الوطني”.

القاهرة – لم يفارق هاجس تكرار تجربة الحزب الوطني في مصر، مخيلة المصريين الذين يستحضرونه كمقياس مع كل حديث عن تجربة جديدة مشابهة. تتجلى هذه المقارنة في أحدث أمثلتها الراهنة، مع تجربة حزب “مستقبل وطن”، الذي أعلن عن تأييده الصريح للرئيس عبدالفتاح السيسي.

خلافا للوضع بالنسبة للرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث يتماهى الرئيس مع الحزب الحاكم، يتخذ هذا الحزب صورة الظهير الداعم، لكن الكثير من المتابعين يعتبرون أن الأمر سيان، في حين يقول أشرف رشاد رئيس حزب “مستقبل وطن” في حوار مع “العرب”، إن أكبر دليل على أن الحزب الذي ولد منذ أربع سنوات لا يكرر تجربة الحزب الوطني (المنحل بأمر القضاء)، أنه ما زال حزبا يمثل الأغلبية البرلمانية وليس الحكومة التنفيذية التي يشكلها الرئيس المصري، ويختلف معها في مواقف كثيرة وليس لديه مشكلة في سحب الثقة منها، إذا اقتضى الأمر.

في الوقت نفسه، لا يرى رشاد، أن تكرار نموذج الحزب الوطني الذي استطاع أن يقبع على رأس الحياة السياسية أكثر من ثلاثين عاما “عيبا يتبرأ منه”، والهدف الأساسي لأي حزب يكمن في الوصول إلى السلطة وتشكيل مدرسة سياسية قادرة على التفاعل مع المواطنين، وهو “يرفض إلصاق تهمة الفساد السياسي بالحزب الوطني ويراها أخطاء يحاول أن لا يقع فيها حزبه”.

من حيث المقارنة فإن حزب “مستقبل الوطن”، الذي يشكل الشباب نواته الرئيسية ويبلغ سن رئيسه من العمر 33 عاما، لديه اختلافات ومناطق تشابه مع الحزب الوطني المنحل.

ويختلف جذريا عن سابقه، من حيث تشكيله للحكومة وتوظيف إمكانياتها لدعمه، ونفاذه داخل جميع مؤسسات الدولة، ويحاول الترويج لنفسه وفقا لسياساته المؤيدة للنظام الحاكم وليس من خلال تواجد الرئيس على رأسه. لكن يشبهه من حيث السيطرة على الأغلبية البرلمانية، واعتماده في بناء شعبيته على الطبقات المتوسطة والفقيرة في القرى والنجوع والتفاعل معهم وتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والمجتمعية التي تطغى على الرؤية السياسية غير الحاضرة أحيانا في تلك المناطق.

بين اليمين واليسار

يطمح الحزب أن يكون رئيس البرلمان المقبل من بين أعضائه، وتحقيق الأغلبية في أي انتخابات قادمة، بما يمكنه من تشكيل الحكومة. ويرى أن وجود الرئيس عبدالفتاح السيسي على رأس السلطة يجعل قيادة الحزب داعمة وليست منافسة.

ويؤكد رشاد أن الحزب يشغل منطقة وسط بين اليمين واليسار، ودوره الأساسي يكمن في إدارة الأزمات السياسية والمجتمعية والاقتصادية مع الحكومة، وليس انتقادها بالشكل المعتاد للمعارضة، والوقوف بجانبها ودعمها لحين عبور المرحلة الراهنة، ثم تقييم الأخطاء التي وقعت فيها بما يضمن عدم تكرارها.

ويشكل الاختلاف في الحديث عن إمكانية سحب الثقة من الحكومة، حال اقتضى الأمر ذلك وبين مساعدتها للخروج من الأزمات بما يضمن عدم تكرارها، جوهر التساؤلات المطروحة من قبل السياسيين الذين يرون أن هناك تداخلا بين الخطوط السياسية للحزب والنظام، تقتضي أن يكون هناك موقف واضح بشأنها.

الأدوار الاجتماعية والاقتصادية مطلوبة لشعور الناس بأن هناك من يعمل على حل مشكلاتهم، وهو أمر يفتقده المجتمع المصري

ويرفض رشاد فكرة اقتصار عمل الأحزاب على تقديم رؤية وفكر سياسي يستطيع أن يقنع به الكثير من المواطنين، ويقول إن “الأدوار الاجتماعية والاقتصادية مطلوبة لشعور الناس بأن هناك من يعمل على حل مشكلاتهم، وهو أمر افتقده المجتمع المصري منذ ثورة يناير 2011، وذلك يعد أول الخطوات التي من الممكن أن تعيد ثقة المواطنين في الأحزاب مرة أخرى”.

قد يتماشى ذلك مع طبيعة المرحلة السياسية الحالية، والتي تشهد انحصارا لبعض الممارسات السياسية لصالح الأعمال المجتمعية التي أضحت مجالا للتنافس بين الأحزاب وبعضها، في ظل عدم قدرة المعارضة على النزول إلى الشارع لضعف حركتها، أو لكثافة الضوابط القانونية الموضوعة من قبل الحكومة.

يؤكد رئيس حزب “مستقبل وطن”، “أن عمل الأحزاب في الشارع لا يواجه تضييقا، مثلما تحاول المعارضة تصوير ذلك، وتلك الأحزاب تستطيع أن تنظم مؤتمراتها داخل مقارها من دون أن يمنعها أحد، وبين الحين والآخر تخرج ببيانات تعبر فيها عن آرائها بحرية، ولا يوجد حزب تحدث بشكل علني حتى من خلال صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن منع الجهات الأمنية لتواجدها في الشارع، ودائما ما يتم تحميل غياب التفاعل مع المواطنين على ذريعة التضييق الأمني”.

في المقابل، ترى قوى معارضة أنه غير مسموح لها بالنزول بحرية كاملة إلى الشارع وتقديم خطاب سياسي مخالف لما تقدمه أحزاب الموالاة، وتعرّض بعضها للتضييق غير المباشر مرات عدة، وبعض رموزها ألقي القبض عليهم، وتخشى النزول لتجنب تكبد المزيد من الخسائر، وهو ما يردّ عليه أنصار الحكومة بالتأكيد على “أن هناك عددا محدودا خالف قانون التظاهر لا زال على ذمة قضايا جنائية، وليست سياسية”.

حياة سياسية جيدة

يعترف رشاد بأن “الحياة السياسية تعاني قصورا في أوجه عديدة، في ظل طغيان الأحزاب الكرتونية على العدد الفعلي للأحزاب، المقدرة بـ112 حزبا، والضعف يرجع إلى صعوبات التمويل التي تواجهها مع عزوف المواطنين عنها، وفقدانها البند الأهم في التمويل للجوانب الإدارية التي تمكنها من التواجد، وعدم رغبة رجال الأعمال في تمويل أعمالها لعدم الثقة في توظيفها بشكل سليم، ويرتبط ذلك بغياب بعض عناصر الاستقرار الداخلي خلال السنوات الماضية، نتيجة الحرب على الإرهاب”.

ويشير إلى أن إصلاح الوضع الحالي يتطلب العمل على دعم وتقوية الأحزاب بما يسمح بوجود أحزاب فاعلة تمثل الاتجاهات السياسية المختلفة، ونشر الوعي السياسي بين عموم المواطنين والسماح لعمل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التنفيذية للقيام بهذا الدور، نهاية بتقبل ثقافة اختلاف المواقف والممارسات السياسية بما يثري العمل العام بشكل عام.

علاقة الشباب بالسياسة شبه غائبة، وتلعب الأحزاب على المشكلات الاقتصادية التي يعانون منها في أثناء طرقها لأبوابهم، ما يؤثر على نشأتهم

يرى أشرف رشاد، الذي يترأس لجنة الشباب والرياضة بالبرلمان المصري، أن قانون الانتخابات الذي من المقرر وضعه خلال دورة الانعقاد المقبل، لابد أن يؤسس لإصلاح الوضع السياسي في البلاد، عن طريق دعم إجراء الانتخابات بالقائمة الحزبية بنسبة 75 بالمئة و25 للفردي، لتشجيع المواطنين على الاقتناع بالبرامج السياسية وتقييمها وحث الأحزاب على الابتكار في الحلول لجذبهم إليها، ما يدعم التحول إلى تأسيس حياة سياسية جيدة.

ويسعى رشاد إلى أن يعيد تجربته السياسية من خلال الكوادر الشبابية، لأنه كان رئيسا لاتحاد الطلاب بكلية الهندسة جامعة أسيوط (جنوب مصر) ورئيسا لاتحاد طلاب الجامعات، ومن ضمن مؤسسي حملة “مستقبل وطن” في نهاية العام 2013، وترشح في الانتخابات البرلمانية الماضية، قبل أن يصبح أمينا عاما للحزب ثم انتخابه بشكل رسمي رئيسا للحزب في سبتمبر 2017.

بالنظر إلى الوضع الراهن فإن ممارسة السياسة داخل الجامعات لم تعد موجودة كما كان الوضع في السابق، وأضحى قانون انتخابات اتحادات الطلاب يحظر ترشحهم على قوائم الأحزاب حتى الموجودة بشكل رسمي، وبالتالي فإن علاقة الشباب بالسياسة شبه غائبة، وتلعب الأحزاب على المشكلات الاقتصادية التي يعانون منها في أثناء طرقها لأبوابهم، ما يؤثر على نشأتهم التي تعد جزءا أساسيا من توجهاتهم في المستقبل.

يبدو رشاد متوافقا مع هذه الرؤية، ويرى أن مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية والمجتمع المدني بشكل عام “لا يجب أن تقتصر على المشاركة في الانتخابات فحسب، فالمهم استيعاب طاقاتهم وتوظيفها بما يحقق المصلحة العليا للدولة، سواء كان ذلك من خلال مساعدتهم مجتمعيا أو توفير فرص عمل لهم أو العمل على إنهاء المعوقات الحياتية التي تواجههم”.

ويقول مراقبون إن المشهد السياسي الحالي جرى تعديله ليصبح حزب “مستقبل وطن” فاعلا كبيرا، بعد أن أعلن العديد من نواب “ائتلاف دعم مصر” انضمامهم إلى الحزب خلال دورة الانعقاد الجاري، وذهبت تقديرات تشير إلى أن أكثر من 300 نائب من إجمالي 400 نائب يشكلون نواب “ائتلاف دعم مصر” انضموا إليه، كمقدمة لما سيكون عليه الحال في الفترة القادمة.

غير أن أشرف رشاد يؤكد أن عدد نواب الحزب داخل البرلمان لا يزال في حدود 55 نائبا، وباقي النواب يتعاونون مع الحزب، وليسوا أعضاء رسميين فيه، والحزب يعد ضمن 5 أحزاب داخل ائتلاف الأغلبية، فضلا عن المستقلين.

ويذهب البعض من المتابعين للتأكيد أن عدم انتقال النواب إلى الحزب بشكل رسمي يرجع إلى قانون مجلس النواب الذي يحظر تغيير الصفة الحزبية أثناء انعقاد البرلمان، ما يهدد الأعضاء المخالفين بالشطب، لكن الحزب لا يزال الأكثر فعالية وتأثيرا داخل الائتلاف، بعد انتخاب نائب رئيس الحزب عبدالهادي القصبي رئيسا للائتلاف بالتزكية في سبتمبر الماضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى