اقتصاد

حرفة الصياغة في دمشق، مثل الذهب، لا تعرف الصدأ

حرفة الصياغة في دمشق، مثل الذهب، لا تعرف الصدأ

بعد فترة ركود تعيشها سوق الذهب في سوريا بسبب الحرب اتجه الصائغون إلى تصغير حجم قطع الذهب حتى تنشط حركة البيع والشراء.

مشق – الذهب زينة وخزينة فهو الضمان المادي الذي يدّخره الكثيرون و يلجأون إليه عند الحاجة وزينة النساء اللواتي يباهين بها منذ الأزل وصياغة الذهب من المهن الفنية التي أتقنها الدمشقيون وتميزوا بها.

وتمتاز حرفة صياغة الذهب عن غيرها بميزات كثيرة، أولا العراقة والقدم، وثانيا الدقة الكبيرة التي تتطلبها، وضرورة التدرب الطويل من أجل اكتسابها، لذلك تستعصي على أيٍ كان، على عكس بعض المهن الأخرى التي يُراد تعلمها.

يقول يوسف عساف أحد حرفيي صياغة الذهب لوكالة الأنباء السورية (سانا)، “غالبا ما تكون مهنة الصياغة موروثة أبا عن جد فهي من أقدم المهن التي عرفها التاريخ والدمشقيون، ويعتبر نقش الذهب مهنة دائمة التطور ولم تبرد سوقها، رغم ارتفاع ثمن معدن الذهب موضحا أن نقش الذهب كان قديما حرفة يدوية بحتة قبل دخول التقنيات الحديثة عليها.

وأضاف عساف أنه يعمل في هذه الحرفة منذ خمسة عشرين عاما تقريبا حيث أسس ورشته الكائنة في حي القيمرية في عمق دمشق القديمة وانطلق من خلالها إلى خفايا وأسرار حرفة نقش الذهب عندما دخلت الآلة الحديثة واستخدمها نقاشو وصائغو الذهب حيث ساعدتهم على توفير الجهد واختصار الزمن لأنها آلة متطورة مزودة بإبرة مصنوعة من ألماس وأصبحت ورشات الذهب تعمل كل واحدة على حدة وبطريقة مميزة.

ولا غنى عن العمل اليدوي الفني في حرفة الصياغة لذا كان لا بد للصائغ الحرفي من أن يتقن تفاصيل العمل الفني والحرفي لإنجاز بعض القطع أو لصياغة بعضها الآخر، رغم أن المكننة دخلت هذه المهنة من أبوابها الواسعة إلا أن خصوصية مهنة الصياغة لا تزال قائمة، واللمسات اليدوية الحرفية شيء أساسي لإضفاء جماليات خاصة على المصاغ الذهبي.

ويشير عساف إلى أن استخدام الآلة ودخولها حرفة النقش منذ أربعين عاما تلاه استخدام القبضات وهي أشبه بأدوات أطباء الأسنان وتعمل على الهواء والكهرباء وهي متطورة أكثر من سابقتها وهي آخر ما استخدمه نقاشو وصائغو الذهب ويرسمون بواسطتها الكثير من الرسوم الحديثة منها رسمة القلب واللوزة والبقلاوة والنجمة.

وكانت رسومات النقشات السائدة قديما هي الجدل ومنها أساور المباريم وأساورة الجنزير المدببة والمخمسة، إضافة إلى الليرات الذهبية التي كان الصاغة يصنعون منها أساورة الليرات ثم تلتها نقشة الكوردون.

إقبال على القطع الصغيرةإقبال على القطع الصغيرة

بعد فترة ركود تعيشها سوق الذهب في سوريا بسبب الحرب وارتفاع أسعار المعدن النفيس وتسييل بعض المدخرين لمقتنايتهم من الذهب بهدف تغطية الاحتياجات الاستهلاكية المتنامية لأسرهم اتجه الصائغون إلى تصغير حجم قطع الذهب حتى تنشط حركة البيع والشراء.

ويقول الصائغ سليمان ملكو، إن ارتفاع أسعار الذهب يتأثر بشكل كبير بسعر الأونصة وتذبذب سعر صرف الدولار، لافتا إلى أن الدولة هي التي تقوم بتسعير الذهب ويخضع سعره في أغلب الأحيان لعملية العرض والطلب.

ويوضح الصائغ إلياس عبيد أن ارتفاع الذهب يؤثر سلبا على حركة البيع والشراء معتبرا أن فتح باب الاستيراد والتصدير مفيد للاقتصاد الوطني من أكثر من جانب.

ويشير عساف إلى أن ارتفاع ثمن القطع الذهبية دفع إلى تصغير حجمها وهذا يتطلب دقة وصعوبة نقشها والموضة التي انتشرت وسادت فيها موديلات القطع الناعمة وهي ما نسميها في حرفتنا النواعم ومنها الأساور الرقيقة والسلاسل الرفيعة وغيرها من خواتم وأطقم ذهبية التي يتصدرها مصاغ العروس الذي يزركش بأجمل رسومات النقشات الحديثة.

وختم عساف قائلا، إن ازدهار حرفة نقش الذهب يعود إلى عام 2000 حيث اتسعت فيه رقعة حرفة النقش إلى وقتنا الحاضر وبما أنها حرفة دمشقية عريقة فإن حرفييها في بحث دائم عن الابتكار والحداثة فالذهب السوري أصبح معروفا عالميا ويضاهي الذهب الأوروبي والإيطالي خاصة. وقال الشاب نزار العامل في الورشة “أعمل في هذه المهنة منذ أحد عشر عاما فهي مهنة سلسة وجميلة تحتاج إلى ابتكار وتتطلب الدقة والمهارة ولا يجوز الخطأ فيها لأنه قد يؤدي إلى إذاية النقاش”.

أما الشاب جورج فيعتبر المهنة حبه الأول وتحتاج إلى الفن والرغبة كما تحتاج إلى الصبر وهي مهنة مرهقة لأن النقاش يحتاج إلى الدأب والجلوس الطويل مشيرا إلى تميز نقاش الذهب السوري الذي يمتلك كل ذلك مما أهله للوصول إلى الأسواق والأذواق العالمية.

ويؤكد الحرفيون على دعمهم، يقول الحرفي نضال معماري، إن مصنعي الذهب يتقاضون أجرة فقط لأنهم يأخذون ذهبا مكسورا ويعيدونه قطعا مشغولة، معتبرا أن الأجرة التي يأخذها في ظل هذا الغلاء الكبير لا تفي بالحاجة خاصة وأن تصنيع أي قطعة يمر بمراحل كثيرة وكل مرحلة تحتاج إلى وقت وجهد، إضافة إلى ذلك يتم ضياع جزء من الذهب أثناء الشغل، لافتا إلى أن الضريبة المفروضة على الحرفيين من المفروض أن تؤخذ من تاجر المفرق لأن ربحه كبير قياسا بربح الحرفي.

واشتهر السوريون على مدى عقود طويلة باحترافهم لعدة صناعات قديمة منها حرفة الذهب، إذ لطالما عجّت سوق الصاغة القديمة وأسواق الذهب السورية الأخرى بتجار الخليج العربي وغيرهم من الذين يقصدونها دون غيرها، نظرا للذوق الرفيع الذي يمتلكه الصاغة السوريون.يقول الصائغي يوسف صارجي، إن الصائغ السوري يتميز بمهارة لا يملكها أحد في العالم و القطع الذهبية المشغولة في سوريا مرغوب فيها من جميع أنحاء العالم لكونها تتمتع بجودة كبيرة وجمالية مختلفة. وهنالك حوالي خمسة عشر ألف حرفي سوري يعملون في صناعة الحلي الذهبيّة والمجوهرات، يتوزعون بين مصنّع للذهب وبائع له، وعدد كبير منهم يتوزع بين دول الخليج العربي ومصر مع نسبة أكبر في دول الخليج وتركيا.

وتفيد التقارير بأنّه توجد خمسة آلاف محل لبيع الذهب في سوريا منها 2600 محل في دمشق وحدها. ويقدر رئيس جمعية الصاغة بدمشق الكمية التي تباع في سوريا عند انخفاض السعر بمئتي كيلوغرام يوميا وتقدّر كمية الذهب المدخرة بـ30 طنا موجودة في أسواق الصاغة بالمحافظات.

خمسة آلاف محل لبيع الذهب في سوريا توجد خمسة آلاف محل لبيع الذهب في سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى