الأخبار

جنرالات الجزائر يفشلون في رؤية الاضطرابات الاقتصادية

ظل المعرض التجاري الدولي في الجزائر، لعقود من الزمن، من أهم الأحداث الاقتصادية في البلاد. ويقدم ارتفاع أو انخفاض عدد الشركات المحلية والدولية الموجودة مقياسا جيدا لحالتها الاقتصادية.

وسجّل معرض هذه السنة انخفاضا حادا في عدد الشركات الأجنبية والقومية، ناهيك عن انخفاض حاد في عدد الزوّار، وهو دليل على التكلفة الاقتصادية المتزايدة لرفض الفريق أحمد قائد صالح الموافقة على إتمام المرحلة الانتقالية عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

ووقع الاقتصاد الجزائري ضحية رئيسية لحملة التطهير التي نفذتها القيادة العليا للجيش، بعد اعتقال المئات من روّاد الأعمال من القطاع الخاص وكبار موظفي الخدمة المدنية.

تم تجميد جميع استثمارات الدولة في الوقت الحالي، وكذلك إسناد الأراضي للمشروعات الصناعية، بينما يتم تأجيل الحملات الإعلانية. وتم ملاحظة ذلك خلال شهر رمضان الماضي، حيث يعتبر هذا الشهر موسم إطلاق منتجات استهلاكية جديدة.

ومن المستحيل المخاطرة بما قد يصل إلى التضحية بنمو الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي فرص العمل. لكن بدأ الاقتصاد في الانتقام من السياسة، في ظاهرة رمزية كما وصفها مجموعة من ضباط الجيش غير الخبيرين في المجال الاقتصادي.

وفي 10 يونيو، لفتت المؤسسة الأم التي ترأس الشركات العاملة في قطاع البناء، وهي “الجمعية العامة لرواد الأعمال الجزائريين”، انتباه رئيس الوزراء المؤقت نورالدين بدوي إلى أنها أغلقت 3200 شركة في قطاعها منذ ديسمبر الماضي والخسارة الناتجة عن ذلك من فقدان حوالي 265 ألف وظيفة.

كما عانت العديد من القطاعات الأخرى التي تعتمد على الواردات كثيرا من قرار الحكومة سنة 2017 القاضي بتقويضها، بعد أن كان سعر النفط أكثر من النصف بين عامي 2014 و2016. وأصاب التباطؤ الحاد في الإنتاج الاقتصادي جميع القطاعات، بدءا من الأجهزة المنزلية إلى الإلكترونيات، ومصانع تجميع السيارات، والآلات الزراعية والمستحضرات الصيدلانية.

وشجع التعقيد الهائل لنظام الرقابة على الواردات المطبق منذ عام 2017 التعتيم والفساد، وغالبا ما يكون ذلك لصالح المقربين من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وأغلبهم الآن رهن الإقامة الجبرية أو رهن الاحتجاز للمحاكمة في أعقاب حملة تطهير للفساد بدأت قبل ثلاثة أشهر.

لكنّ كثيرين آخرين من روّاد الأعمال غير المرتبطين بمنظومة بوتفليقة تم القبض عليهم في عملية التطهير المزعومة. وغالبا ما يتم تسريب الأسماء إلى وسائل الإعلام قبل القبض على الجناة، مما ينتهك القوانين.

لا يوجد رمز أفضل يوضح عدم قدرة الجنرالات على فهم الأضرار التي يلحقونها بالاقتصاد أكثر مما يحدث في قطاع النفط والغاز

وفي 23 يونيو، أنشأ رئيس الوزراء لجنة مخصصة، تحت سلطة وزير المالية للمساعدة في الحفاظ على مصالح ووظائف الشركات التي تم اعتقال مالكها. وينظر روّاد الأعمال من القطاع الخاص إلى قلق رئيس الوزراء بالازدراء المطلق لأنه لا يمتلك رأيا في من يجب اعتقاله.

وكان الاقتصاد يعاني تباطؤا بالفعل قبل بدء المظاهرات، لكن قطاعات بأكملها تخاطر بتدميرها إذا استمرت الموجة الحالية من الاعتقالات. ومن بين أولئك الذين يمتلكون أهم مصانع تجميع السيارات: محيي الدين طحكوت، الذي يمتلك شركة “سيما موتورز هيونداي”، ومراد عولمي، الذي يمتلك شركة “سوفاك” (فولكس فاغن وسيات وسكودا)، وحسن لرباوي، الذي يملك شركة “غلوفيز″ (كيا)، وكامل خربوش، الذي يمتلك شركة “تراكتورز دويتز″. وهؤلاء يوظفون 100 ألف شخص.

وفي القطاع الحكومي، تم اعتقال المدير التنفيذي للبنك الوطني الذي يشغل أيضا منصب رئيس جمعية المصرفيين والرئيس التنفيذي السابق لشركة “كريدي بوبولير دالجيري”. وقد شهدت وزارة الصناعة أربعة أمناء عموم يأتون ويذهبون في غضون ثلاثة أشهر، وتم اعتقال عدد من كبار موظفيها أو إجبارهم على التقاعد المبكر.

تعيش الخدمة المدنية العليا في حالة قلق مما قد يأتي بعد ذلك. حيث لا تتعرّض فقط سمعة الجزائر الدولية للضرر، ولكن قدرتها على جذب المستثمرين الأجانب قد ضعفت.

ويعتبر رجال الأعمال الذين تم القبض عليهم مجموعة مختلطة. منهم علي حداد، الرئيس السابق لاتحاد أصحاب العمل والذي كان عضوا في الدائرة الرئاسية. وأنشأ يسعد ربراب العشرات من الشركات في الجزائر وأوروبا وأفريقيا ويعمل بها حوالي 13 ألف شخص. ويتمتع رجل الأعمال بسمعة طيبة ولديه إستراتيجية واضحة للتوسع الدولي. ولكن ربما يرجع السبب في سجنه إلى صلاته المزعومة برئيس الأمن السابق، الفريق محمد مدني، غير المحبوب من قبل قائد صالح، والذي يجلس الآن بين جدران السجن.

وتبدو حملة تطهير الفساد في باطنها عملية تصفية حسابات. وإذا استمرت، فستحدث كارثة. حيث أدى فشل الحكومات المتعاقبة في التنويع بعيدًا عن الاعتماد على صادرات النفط والغاز في البلاد (98 بالمئة من الدخل الأجنبي اليوم، وهو رقم لم يتغير منذ سبعينات القرن الماضي)، والسماح لمنظمي الأعمال من القطاع الخاص بإقامة مشاريع مشتركة بين الشركات الجزائرية والأجنبية بشروط مقبولة دوليا، إلى إضعاف الاقتصاد بشكل خطير.

لا يوجد رمز أفضل يوضح عدم قدرة كبار القادة العسكريين على فهم الأضرار الكبيرة التي يلحقونها بالاقتصاد أكثر مما يحدث في قطاع النفط والغاز. بعد إقالة الرئيس السابق لشركة سوناتراك، عبدالمؤمن ولد قدور، في أبريل، تم تعيين رشيد حشيشي مديرا مؤقتا للشركة، وهو رئيس مختص بوحدة إنتاج النفط، لكن تم تعيينه كرئيس للشركة الدولية التي تحتاج إلى اتخاذ القرارات الإستراتيجية بشكل يومي. لا يمكن تشغيل سوناتراك على أساس “مؤقت” دون إلحاق ضرر دائم بسمعتها.

ووفقا لرشيد سيقاق، وهو مصرفي وخبير اقتصادي، فإن عددا لا يحصى من المخاطر التي تنطوي عليها حالة عدم اليقين الحالية تشمل تأخر المدفوعات، والقيود الكمية على الواردات، وتخفيض قيمة الدينار، وزيادة التضخم، وزيادة ملحوظة في البطالة.

ومع كل ما يترتب على ذلك من حيث التوترات الاجتماعية وانخفاض احتياطيات العملة الصعبة، والتي انخفضت إلى 79.9 مليار دولار بين نهاية عام 2014 ونهاية عام 2018. علاوة على ذلك، فإن التحقق بمنتهى التدقيق من الإقرارات الضريبية لرجال الأعمال والذي تجريه وزارة التمويل الجاري يشير إلى حملة التطهير. وتقدم الاقتصادية أمية قائد صالح دليلا حيا عن كيفية إلحاق الضرر بالاقتصاد الجزائري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى