الأخبار
المفتاح الإيراني يقفل بوابة المشاريع العراقية الأردنية المشتركة
المفتاح الإيراني يقفل بوابة المشاريع العراقية الأردنية المشتركة
مواقف عمان المرنة حيال مواجهة الحالة الإيرانية لا تشفع لها عند طهران، وزيارة الملك عبدالله الثاني إلى بغداد تنتهي بوعود حبر على ورق.
عمان – تمسك إيران جيدا بمفتاح البوابة العراقية، وتضع عليه حرّاسا موالين لها يقفون بالمرصاد لأي محاولة لفتح الباب ليبقى أمام أي محاولة، منافسة، للدخول إلى العراق، أو مسعى لإعادته إلى محيطه العربي. ويتجلى ذلك بوضوح في الموقف الإيراني الأخير من زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى العراق، في مسعى لإحياء شراكات اقتصادية وسياسية قديمة.
ووضع مراقبون زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى بغداد الاثنين الماضي، وهي الأولى له منذ أكثر من 10 أعوام، ضمن متغيرات إستراتيجية وإقليمية يسعى الأردن لاستغلالها ومقاربة علاقاته مع العراق، وربما علاقاته مع سوريا، في إطارها. وجاءت هذه الزيارة بعد زيارتي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى عمّان الأمر الذي قد يعكس معطيات ملكتها عمان تشجع الأردن على تطوير صلاته مع العراق.
لكن، يبدو التحدي صعبا اليوم في ظل السيطرة الإيرانية الكاملة على صناع القرار العراقي، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، لعرقلة أي محاولة لنفض الغبار عن مشاريع قديمة مع دول “غير حليفة” لإيران. ويزداد التحدي صعوبة عندما يتعلق الأمر بالأردن، الذي ساعد صدام حسين في حرب الثماني سنوات (1980-1988) ضد إيران، حيث أرسل الأردن مساعدات عسكرية وبعض القوات إلى العراق، وتزويده بالإمدادات وفتح ميناء العقبة على البحر الأحمر، الذي أصبح في ما بعد شريان الحياة بالنسبة للعراق. وفي المقابل، كافأ العراق الأردن بتقديم المساعدات وببيعه النفط العراقي بأسعار مخفّضة.
أيضا كان الأردن من أول من حذر من المشروع الإيراني، وذلك حين تحدث الملك عبدالله الثاني سنة 2004 عن الهلال الشيعي. وأعرب عن قلقه من وصول حكومة عراقية متعاونة مع النظام الإيراني ونظام البعث بدمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان. وعلى مدى السنوات اللاحقة، توترت العلاقات، وشهدت في عهد نوري المالكي تصعيدا كبيرا، انتهى إلى شبه قطيعة.
وفاقمت العلاقات المتوترة من مشكلات الأردن المتعلقة بالاقتصاد والطاقة. وفقدت عمان على مدى السنوات الماضية ميزة تلقي النفط بأسعار جيدة من العراق، كما توقف مشروع مد خط أنابيب النفط العراقي الأردني الذي من خلاله يمكن للعراق أن يصدر النفط للأردن عبر خليج العقبة.
ويعتبر محللون أردنيون أن المقاربة الأردنية تجاه العراق تأتي مكملة وليست متناقضة مع مقاربة دول خليجية قامت بالانفتاح على العراق في عهد تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء. ويضيف هؤلاء أن عمان تؤيد فكرة أن تزايد الحضور العربي في العراق يعيده إلى الحضن العربي ويخفف من نسبة ارتماء هذا البلد في أحضان إيران.
وكان العاهل الأردني من أبرز المرحبين بخلافة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي لنوري المالكي. واعتبره أفضل من سلفه المالكي. وبعد هزيمة تنظيم داعش وإعادة فتح الحدود العراقية الأردنية، توقع الملك عبدالله الثاني تحسنا في التجارة الأردنية العراقية التي ستدعم الاقتصاد الأردني المضطرب.
وبدوره رحب رئيس الوزراء العراقي السابق بالعلاقات الودية مع الأردن، وأعرب عن التزامه بتحسين العلاقات مع الدول العربية المجاورة، واستعادة وحماية طريق تجاري مهم مع الأردن، لكن الأمر لم يتجاوز حدود التصريحات، ولم تشهد العلاقات عودة قوية، نتيجة الارتهان السياسي العراقي لإيران. ويبدو أن هذا الأمر هو ما يفسّر تأجيل البعد الإيراني في زيارة العاهل الأردني إلى بغداد، حتى تستقر أمور السلطة في بغداد والتأكد من استمرار عادل المهدي في منصبه كرئيس للوزراء في العراق.
تحول سياسي
كان الملك عبدالله الثاني أول زعيم عربي يزور بغداد عام 2008، بعد أن تولى السلطة موالون من إيران. وبعد عشر سنوات على آخر زيارة له للعراق، عاد الملك عبدالله الثاني لبغداد.
وكان قد سبق العاهل الأردني إلى العاصمة العراقية رئيس الوزراء عمر الرزاز الشهر الماضي، في زيارة عبدت لتحول سياسي يقوده العاهل الأردني في علاقات الأردن بالعراق؛ وهو تحول رأى فيه البعض من المراقبين مناورة سياسية قد تحسب أنها أيضا باتجاه طهران.
وأعقب الزيارة بيان للحكومة العراقية لا يخلو من تعميمات لا تعكس، وفق مراقبين، نجاح الزيارة، أو إلى أي مدى يبدو العراق مستعدا لهذا التحول.
ومما جاء فيه أن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عقدا اجتماعا ثنائيا تناول القضايا الثنائية بين البلدين والأوضاع الإقليمية، وأهمية توحيد الصف خصوصا لوقف التدهور والتصعيد الذي شهدته بلدان المنطقة وحماية القضية الفلسطينية والدفاع عن القدس.
وشدد العاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقي على ضرورة المضي قدما في تنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية المشتركة، خصوصا خط أنبوب النفط من مدينة البصرة العراقية إلى ميناء العقبة، وتأهيل الطريق البري بين عمان وبغداد، وإنشاء المنطقة الصناعية المشتركة على الحدود بين البلدين.
كما أكدا أهمية العمل على زيادة التبادل التجاري بين الأردن والعراق وإزالة المعيقات أمام دخول البضائع الأردنية إلى الأسواق العراقية والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في كلا البلدين.
وعقب الاجتماع، تم عقد جلسة مشتركة بحضور أعضاء الوفدين العراقي والأردني تم خلالها بحث تطوير علاقات التعاون بين البلدين الجارين، وتبادل الآراء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وأهمية تحقيق الاستقرار لشعوب المنطقة والتأكيد على تنفيذ نتائج المباحثات الرسمية التي جرت في بغداد برئاسة رئيس الوزراء ونظيره الأردني مؤخرا وما تضمنته من اتفاقات في مختلف المجالات.
زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى بغداد، وهي الأولى له منذ أكثر من 10 أعوام، تعبر عن قرار إستراتيجي في كيفية مقاربة الأردن لعلاقاته مع العراق وربما علاقاته مع سوريا في المستقبل