الأخبار

السيسي الضامن الوحيد للأمن والاستقرار في مصر

شكلت الذكرى الثامنة لثورة الـ30 من يونيو التي احتفل بها المصريون منذ أيام فرصة لتقييم أداء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي نجحت إدارته في تقويض مناورات الإخوان وخطط المتطرفين. وبحسب رأي الشارع فإن نجاح السيسي في استرجاع الأمن والاستقرار وتركيزه على المشاريع القومية عززا الثقة في أدائه ويمنحانه شعبية واسعة، لكن في المقابل يكشف الاكتفاء بدور الرئيس في معالجة الأزمات عن ضعف أجهزة الدولة وعدم الوثوق في مسؤوليها ما قد يعرّضها في أي لحظة إلى الجمود والشلل.

حوى الفيلم الوثائقي “القرار” الذي أذاعته قنوات مصرية الأربعاء الماضي وأعادت إذاعته في الأيام التالية على المشاهدين الكثير من المشاهد والحكايات التي تؤكد في محتواها أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كان ولا يزال هو الضامن للأمن والاستقرار الوحيد في البلاد، وأسرف القائمون عليه في التناول للدرجة التي يمكن أن تؤثر سلبا على صورته الذهنية بسبب كثافة التكرار كنوع من إثبات الولاء.

جاءت العبارة الرمز بوضوح على لسان الإعلامي إبراهيم عيسى الذي احتل مساحة كبيرة في الفيلم وجرى تقديمه بوصف “المفكر الكبير”، وليس مهما أن يكون مفكرا كبيرا أم صغيرا، لكن المهم أن العبارة التي قالها بشأن السيسي حقيقة من وجهة نظر قطاع كبير من الناس افتقدوا الأمن بعض الوقت وكانوا سيعانون من عدم الاستقرار كل الوقت إذا نجحت التنظيمات الإرهابية في جر مصر إلى خندق الحرب الأهلية.

لا أعلم هل نطقها عيسى على سبيل إقرار واقع في المشهد المصري فقط واعتراف بجميل الرئيس الذي لا ينكره المواطنون، أم أراد دق جرس إنذار للمضامين البعيدة التي تحملها العبارة ورسائلها البعيدة، فأن يكون شخص واحد هو الضامن وليس مؤسسات الدولة العريقة فهذا فخ، فالإعلامي بفطنته وحنكته وذكائه حاول التنبيه إليه قبل فوات الأوان، وربما منعه المكان والزمان والوسيلة من الاستطراد في المحاذير، أو تركها هروبا وخجلا ليفهم منها كل مشاهد ما يريد فهمه.

يستمد الرئيس المصري شعبيته من زوايا كثيرة، أهمها دوره المحوري في تقويض المتطرفين، حيث استطاع توفير جملة من مقوّمات الأمن عقب الإطاحة بجماعة الإخوان من كرسي الحكم عبر ثورة شعبية عارمة، وخوضه حربا قاسية في الداخل والخارج لمحاصرة الإرهابيين، وجهوده الرامية لإنجاز حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تطوير القوة العسكرية اللازمة لحماية الدولة.

حفلت الأدبيات الإعلامية والسياسية في الذكرى الثامنة لثورة الـ30 من يونيو قبل أيام بالحديث عن مسألة الأمن والاستقرار وربطه بالرئيس السيسي، وعلت على غيرها من القضايا، وهو حق يمكن أن يحمل الكثير من معالم الخطورة.

ربط كل كبيرة أو صغيرة في الدولة بشخص واحد وهو رئيس البلاد،  يمكن أن يصيبها في لحظة معينة بالجمود والشلل

يعيد تكرار هذا الحق أخطاء سابقة شهدتها فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر خلال حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما جرى رهن الحاضر والمستقبل به وتعلق الناس بشخصيته الكاريزمية، ثم فوجئوا بحرب يونيو 1967 الكارثية وغيابه، وبدا كل شيء كأنه انهار تماما، إلى أن قام خلفه الرئيس أنور السادات بضبط دفة الأمور وترتيب الأوضاع واستعادة التوازن.

تصعب المقارنة بين المرحلتين لأسباب تتعلق بطبيعة التحديات فكل مرحلة زمنية لها طقوسها ومعاييرها ورجالها، ومفهوم الأمن والاستقرار نفسه تحقق في الداخل في عهد عبدالناصر وتحقق بشكل أكبر في عهد السيسي في الداخل والخارج معا على الرغم من الأزمات الإقليمية التي تحيط به الآن، وتصعب أيضا المقارنة في عناصر القوة المعنوية والمادية والتي يمكن أن تكون جزءا من الجدل والخلاف الصامت بين المصريين، غير أنها في كل الأحوال تميل إلى صالح السيسي.

ما يعرفه الكثير من المتابعين أن المؤسسة العسكرية الضاربة في العمق المصري هي الضامن الفعلي للأمن والاستقرار، وخرج منها الرئيس السيسي ومن قبله عبدالناصر والسادات ثم حسني مبارك، والرئيس الوحيد الذي جاء من خارجها في العهد الجمهوري هو الإخواني محمد مرسي وكاد العام الذي تبوأ فيه السلطة أن يؤدي إلى انعدام الأمن والاستقرار وتهديد أركان الدولة.

قد يقول البعض إن مرسي لم يمنح فرصة كاملة للحكم عليه، وهي فرية تستخدم للنيل من شرعية نظام السيسي وليس للدفاع عن نظام الإخوان الذي كان العام الوحيد يكفي لاكتشاف حقيقة نوايا الجماعة السياسية، حيث أرادت تمكين عناصرها من كل مفاصل الدولة دون إلمام بخصوصية المؤسسات المصرية المتجذرة في المجتمع، فقد سيطرت عليهم فكرة الاستحواذ والهيمنة بعيدا عن متلازمة الأمن والاستقرار التي تعد محور حياة المصريين بكل ألوانهم السياسية والدينية والاجتماعية.

بات السيسي رمزا لاستعادة الروح الوطنية وقطع الطريق على من حاولوا بعثرة الأمن، وهو ما تعزف عليه وسائل الإعلام المصرية التي لا ترى سواه في منظومة الحكم، الأمر الذي يثير القلق، فالتركيز عليه ولو كان من باب الاعتراف بدوره الملموس ينطوي على تحميله فوق طاقته، لأن ربط كل كبيرة أو صغيرة في الدولة بشخص واحد يمكن أن يصيبها في لحظة معينة بالجمود والشلل.

Thumbnail

هناك تفاصيل كثيرة في الحياة اليومية للمصريين تؤكد أن كل شيء في الدولة أصبح مرهونا بالسيسي، بما يخرج عن نطاق المركزية المتجذرة في مصر، فحال الإعلام المتراجع لا يتم الالتفات إليه إلا إذا اشتكى الرئيس منه، وأداء بعض الوزراء يظل متكلسا ولا يتم ضبطه إلا عندما يتحدث عن العيوب الظاهرة أمامه، وهكذا تبدو منظومة الإدارة في غالبية أجهزة الدولة مرتبطة بملاحظة من السيسي أو انتقاده، ووصل الأمر إلى التدخل في قضايا فنية دقيقة يسعى لمتابعتها بنفسه، وهو ما يشير إلى عدم الثقة الكاملة في منظومة الإدارة الهيراركية أو الهرمية المدنية.

وقاد ذلك إلى مطالبة السيسي بتخصيص 4800 ضابط جيش من رتب مختلفة لتوزيعهم على القرى المصرية لمتابعة تنفيذ برنامج “حياة كريمة” الخاص بتخفيف معدلات الفقر الذي أصبح من أبرز المخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار في الداخل.

قد يكون المسؤولون في مصر يريدون تعزيز الانتماء للنظام الحاكم وتنفيذ توجيهاته حرفيا، لكن هذا الانتماء قد يفضي في المقابل إلى اتكالية كبيرة تنعكس في النهاية بصورة سلبية على الأمن والاستقرار، حيث يظل وجدان الناس يغلي من تراكم الأزمات، ويستمرّ الجمود إلى أن يتدخل السيسي بزيارة أو إشارة لتذليل كل العقبات.

لذلك بدأت استغاثات الناس تتجه مباشرة إلى الرئيس المصري عندما تكون هناك مشكلة عامة أو شخصية، وهي من العلامات التي تعني الشك في الجهاز الإداري للدولة، وعدم الوثوق في المسؤولين الكبار والصغار بما يضعف دور كل من يريد العمل بجدية ويكبح الطموحات، بل وتظهر السيسي كعصا سحرية تحقق كل الأحلام.

غرست وسائل الإعلام هذا الانطباع في شريحة كبيرة من المواطنين، فالتركيز الشديد على الزيارات الميدانية التي يقوم بها الرئيس لأماكن مختلفة وتسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية فيها جعل البسطاء يتطلعون إلى الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها كوسيلة لحل مشاكلهم مباشرة من دون تعقيدات إدارية، ما ضاعف من ارتباطهم به وأنه الوحيد الذي يرمز للأمن والاستقرار بالمفهومين العام والخاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى