الأخبار

الخرطوم على أعتاب تطبيع كامل مع واشنطن

الخرطوم على أعتاب تطبيع كامل مع واشنطن

مساعد وزير الخارجية الأميركي يعلن أن بلاده مستعدة لإجراء محادثات من أجل شطب السودان من لائحة الإرهاب.

العرب 

الخرطوم – طغت حالة من الإيجابية على اللقاءات التي جمعت مسؤولين أميركيين مع نظرائهم السودانيين مؤخرا في العاصمة الخرطوم، وسط ترجيحات بقرب شطب واشنطن اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب.

وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي جون ساليفان أجرى على مدى يومين لقاءات مع عدد من المسؤولين السودانيين، من بينهم وزير الخارجية إبراهيم غندور في سياق المرحلة الثانية من الحوار بين الجانبين لتطبيع كامل للعلاقات بينهما.

وكانت المرحلة الأولى من المفاوضات قد انتهت في أكتوبر الماضي بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفعا كليا للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ نحو 20 عاما.

وتأمل الخرطوم اليوم في تطبيع سياسي مع الولايات المتحدة، بعد خطوة التطبيع الاقتصادي هذه التي فتحت الباب أمام الشركات الأجنبية والأميركية بشكل خاص للاستثمار في السودان خاصة بمجال الطاقة.

وأعلن جون ساليفان الخميس أن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات من أجل شطب السودان من لائحتها للدول “الداعمة للإرهاب”.

وقال خلال محادثاته مع المسؤولين السودانيين إنه في ضوء القرارات “الإيجابية” التي اتخذتها الخرطوم منذ العام الماضي، فإن واشنطن مستعدة للبحث في شطب السودان من لائحتها السوداء التي تضم أيضا سوريا وإيران وكوريا الشمالية.

وهذه الزيارة الأولى لمسؤول أميركي بهذا المستوى منذ أن رفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي العقوبات الاقتصادية.

وأكد المسؤول الأميركي أنه تناول مع نظرائه السودانيين “عددا من القضايا التي يتعيّن علينا العمل معا حولها، بغية مواصلة الزخم الإيجابي الذي بدأناه”، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل بشأن هذه القضايا.

وفرضت واشنطن عقوباتها المالية على السودان في العام 1997 بسبب دعمه لجماعات إسلامية متطرفة، ومنها تنظيم القاعدة الذي احتضنت الخرطوم زعيمه الراحل أسامة بن لادن من 1992 إلى 1996.

وتعززت هذه العقوبات في العام 2007 على خلفية الحرب التي اندلعت بين المتمردين والقوات الحكومية في إقليم دارفور شرق السودان في 2003، والتي أدت إلى مقتل المئات وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين، وكان من تبعات هذه الحرب التي لم تحسم بعد إصدار المحكمة الدولية في لاهاي قرار جلب ضد الرئيس عمر البشير وكبار مسؤولي نظامه.

وبعد عقود من التوتر الدبلوماسي، تحسنت العلاقات بين الخرطوم وواشنطن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بعد أن أبدى البشير رغبة في تغيير سياساته وتحالفاته وساعدته في ذلك دول عربية وفي مقدمتها السعودية والإمارات، ما سمح برفع العقوبات الاقتصادية كليا من جانب الرئيس الحالي دونالد ترامب.

هيذر نويرت: السودان سيتخذ خطوات تجاه كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي

واعتبر وزير الخارجية السوداني أن “رفع العقوبات خطوة أولى لكنها خطوة حاسمة”، مؤكدا أن الهدف الأخير للخرطوم هو “تطبيع كامل في العلاقات مع واشنطن”.

ولفت غندور، في تصريحات صحافية عقب جلسة مباحثات مشتركة مع ساليفان، إلى أن “الجانب الأميركي أشار إلى انشغالاتهم المتعلقة بتعاون الخرطوم مع كوريا الشمالية، وأكّدنا من جانبنا عدم وجود تعاون اقتصادي أو تجاري أو عسكري مع بيونغ يانغ”.

ويتساءل السودانيون عن الفاتورة التي دفعها الرئيس عمر البشير للولايات المتحدة لهذا الانفتاح الإيجابي عليه، فبالتأكيد الأمر لا ينحصر من وجهة نظرهم في تعاون الخرطوم مع واشنطن في مكافحة الإرهاب وهي أحد الشروط التي وضعتها إدارة أوباما لرفع العقوبات الاقتصادية، أو في دعمه لاستقرار لم يتحقق بعد في جنوب السودان، أو كذلك في حل أزمة نازحي دارفور الذين لا يزال معظمهم في المخيمات، أو في وضع مسافة مع نظام كوريا الشمالية.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن السودان سيقطع كل علاقاته التجارية والعسكرية مع كوريا الشمالية. وقالت الناطقة باسمها هيذر نويرت، الجمعة، إن “السودان سيتخذ خطوات تجاه كوريا الشمالية، بسبب التهديد الخطير لبرنامج بيونغ يانغ النووي”.

ويرى مراقبون أن هناك العديد من العوامل المجتمعة التي أدت إلى هذه الرغبة الأميركية في السير في تطبيع كلي مع السودان، فالبشير تبنى خلال السنوات الثلاث الأخيرة مسارا مغايرا لسياساته ومنها قطعه العلاقات مع إيران التي تعتبرها الإدارة الأميركية الحالية “الشيطان الأكبر” في المنطقة، وهذا بحد ذاته إنجاز، كما قدم كنزا من المعلومات عن أفراد ومجموعات متطرفة تنشط بالأخص في القارة الأفريقية، وهذا بالتأكيد يشجع واشنطن على تطبيعها للعلاقات مع الخرطوم، أضف إلى ذلك أن الرئيس عمر البشير أبدى قدرا من المرونة في التعاطي مع الملفات الداخلية.

وتقول أوساط دبلوماسية إن البشير أظهر أنه مستعد للتطرق إلى كل الملفات التي تشكل عائقا أمام العلاقات الأميركية السودانية، وحتى تلك المتعلقة بطبيعة النظام السوداني القائم على المزاوجة بين السلطتين الدينية والسياسية.

وتعززت هذه القراءة خاصة بعد تأجيل المؤتمر التاسع للحركة الإسلامية للمرة الثانية على التوالي والذي كان مقررا في نوفمبر الجاري، وسط شكوك أنصارها في أن هناك نية فعلية لحلها أو أقله تهميشها.

وسبق هذه الخطوة قرار من البشير بتخفيف الدعم المالي للحركة، ويعتقد أن هذا التوجه مرتبط بالاتفاقات التي تمت مع واشنطن. والحركة الإسلامية التي ظهرت في أربعينات القرن الماضي تشكل العمود الفقري لنظام البشير، وإن كان دورها تراجع في السنوات الأخيرة لفائدة قيادات عسكرية.

ولا يستبعد المراقبون أن يكون موضوع رئاسة الجمهورية نفسها وإعلان البشير عدم الترشح لولاية جديدة، يندرج في سياق ما تم التفاهم بشأنه مع واشنطن، وأنه سيعمل خلال الفترة المتبقية له على حل معضلة التنمية واستتباب الأمن في الأقاليم المشتعلة، وتهيئة الأرضية لتسليم السلطة، وأيضا ضمان تنفيذ باقي المطالب الأميركية لتطبيع كامل معها.

وكان الرئيس السوداني قد أعلن الأربعاء عن مرشحه المفضل لرئاسة الجمهورية وهو والي الجزيرة محمد طاهر.

وقالت أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، لـ”العرب”، “دور البشير في الفترة المقبلة سيكون الإشراف على هندسة عملية انتقال الحكم منه إلى غيره من منسوبي المؤسسة العسكرية في السودان، بما يضمن له خروجا آمنا وسلسا من السلطة، وهذه المسألة تبدو محل تفاهم إقليمي ودولي”.

وإلى جانب والي الجزيرة الذي سطع اسمه مؤخرا رأت الطويل أن هناك مؤشرات تصب في صالح الفريق بكري حسن صالح، النائب الأول للرئيس السوداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى