الأخبار

البشير يناور أمام المحكمة لتعويم تهمة الإثراء غير المشروع

الخرطوم – وجهت محكمة بالخرطوم اتهاما رسميا، السبت، للرئيس السوداني المعزول عمر حسن البشير بشأن الإثراء غير المشروع وحيازة نقد أجنبي على نحو غير مشروع، وهو ما نفاه وحاول دغدغة مشاعر الناس وتعويم القضية سياسيا بالحديث عن حصوله على أموال شخصية نقدا من المملكة العربية السعودية.

ورفضت المحكمة طلبا بإطلاق سراحه بالضمان العادي (كفالة)، وتعهد محاميه بالدفع رسميا ببراءته من الاتهامات المنسوبة إليه في جلسة الاستماع المقبلة بالمحكمة، في حضور الشهود.

وشهدت المحكمة، إجراءات أمنية مشددة، وإغلاق الطرق الرئيسية، وحضورا كبيرا لأفراد أسرة البشير، ومناصريه الذين رددوا هتافات مؤيدة له.

وكشفت بعض المصادر السودانية أن البشير أراد إحراج السلطات الانتقالية مع دولة بحجم السعودية التي وعدت بتقديم مساعدات سخية للسودان وإنقاذه من أزماته الاقتصادية.

وأكدت زحل محمد الأمين، أستاذة القانون الدستوري بجامعة النيلين في الخرطوم، لـ”العرب” أن تبريرات البشير بشأن الأموال التي تسلمها غير منطقية، ما يفتح الباب لتكهنات حول رغبته في توظيف حديثه لهيئة المحكمة سياسيا.

وأشارت زحل، التي حضرت جلسة محاكمة البشير السبت، إلى أن الرئيس المعزول تحدث عن تلقيه الأموال دون أن يقدم التفسير المقنع لأسباب تسلمها خارج القنوات الرئيسية للدولة، وألمح إلى استغلال هذه الأموال وغيرها في دعم جهات لها علاقة بتنظيمات إرهابية مثل قناة طيبة المعروفة بولائها لتنظيم الإخوان.

واعترف البشير بشكل قاطع باحتفاظه بكمية كبيرة من النقود من أموال الدولة في منزله بصورة غير مشروعة، لأن العملات الأجنبية التي ضبطت في منزله أقل بكثير من المبلغ الذي زعم أنه تلقاه من السعودية، وهو 25 مليون دولار.

زحل محمد الأمين: البشير اعترف بتلقي أموال خارج القنوات الرسمية
زحل محمد الأمين: البشير اعترف بتلقي أموال خارج القنوات الرسمية

وأقر في وقت سابق باستلام 90 مليون دولار من السعودية بشكل شخصي، بينما عثر فريق من القوات المسلحة عقب مداهمة مقر إقامته بعد عزله في 11 أبريل الماضي، على أكثر من 6 ملايين يورو، و351 ألف دولار، و5 مليارات جنيه سوداني.

وأوضحت مصادر سودانية لـ”العرب”، أن البشير يحاول “دق إسفين بين الخرطوم والرياض حاليا والتأثير سلبا على موقف الأولى من استمرار وجود القوات السودانية في اليمن، ضمن قوات التحالف العربي”.

وأضافت أن الرسالة التي ينطوي عليها كلامه سعى لتكون لها تداعيات سلبية على موقف الخرطوم من استمرار القوات في اليمن.

وعلى الرغم من التأكيد على عدم سحبها أكثر من مرة، غير أن الأجواء الثورية التي يعيشها السودان قد تفتح الباب للغلط حول بعض القرارات الحيوية، ولا أحد من السياسيين يريد أن يكون موضع مساءلة في بعض الملفات المثيرة للجدل.

وألقت أجهزة الأمن السودانية القبض على الكثير من القيادات التي عملت بجوار البشير، في حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا أو في الجيش، لارتكاب جرائم فساد والمشاركة في انقلابات عسكرية، وتضغط قوى شعبية لمحاكمتها على الكثير من الجرائم التي ارتكبت منذ يونيو 1989.

وتتوافق الحكومة الجديدة برئاسة عبدالله حمدوك مع غالبية القوى الساعية لإجراء محاسبة لمن أفسدوا الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد، بما يجر الكثير من القيادات السابقة إلى محاكمات طويلة.

ويرى البعض من المراقبين أن البشير تعمد الزج بأسماء بعض الدول العربية رغبة في تخفيف الضغوط الواقعة عليه وحزبه والمسؤولين الذين عملوا إلى جواره، وإجبار السلطة الجديدة على المهادنة ووقف القصاص، لأنه أوحى بامتلاكه ملفات خاصة عن بعض القيادات وتورطها في تلقي أموال لمناصرته.

وطالبت زحل الأمين، وزارة الخارجية في بلادها بإصدار بيان توضيحي بشأن ما جاء على لسان البشير كي لا يجري توظيفه سياسيا من قبل جهات معادية، معتبرة صياغة التهم الموجهة إليه حتى الآن لا ترقى للحد الأدنى من الجرائم التي ارتكبها أثناء وجوده في السلطة، الأمر الذي سمح له بالمراوغة.

وجذب حديث البشير الذي يواجه محاكمة بالفساد والتعامل بالنقد الأجنبي، شريحة من السودانيين أنساهم تأجيل الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، وشغلتهم عن الأسباب التي أدت إلى تريث حمدوك لتحفظه على بعض الأسماء التي قدمت إليه من جانب قوى الحرية والتغيير.

وأشارت الباحثة السودانية تماضر الطيب في تصريح لـ”العرب”، إلى أن ملف القصاص لا تستطيع أي جهة رسمية أو غير رسمية الانصراف عنه، لأنه الدليل الرئيسي على محاسبة من أجرموا في حق الشعب السوداني.

ولفتت إلى أن المحاكمات الحالية غير مقنعة، وأن وقت الحساب الحقيقي سيأتي عندما تتمكن السلطة الانتقالية من القضاء على الدولة العميقة والجيوب التابعة لنظام البشير التي لا تزال بصماتها موجودة.

ويقول متابعون أن القضية المثارة الحالية تغلب عليها الرغبة في تهدئة الشارع السوداني وليس محاكمة البشير بشكل فعلي، لأن الحديث عن وجود أموال بالملايين من الدولارات يدغدغ مشاعر المواطنين الذين ينتظرون أن تتحسن أوضاعهم، في وقت ارتكب فيه البشير جرائم حرب يعاقب عليها كل من القانون السوداني والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى