الأخبار

الاتفاق السياسي في السودان يمهّد لتخطي عراقيل الإعلان الدستوري

الاتفاق السياسي في السودان يمهّد لتخطي عراقيل الإعلان الدستوري

الخرطوم – عكس الاتفاق السياسي الذي توصل إليه المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء، رغبة الأطراف الداخلية والإقليمية في المضي قدما باتجاه إنجاز المرحلة الانتقالية وإنهاء حالة الفراغ التي تهدّد بتعقد الأوضاع السياسية والأمنية.

وعلمت “العرب”، من مصادر قريبة من قوى الحرية والتغيير، أن الاجتماعات التي استمرت لأكثر من عشر ساعات هدفت بالأساس إلى اتخاذ خطوة سياسية متقدمة حتى وإن استمرت بعض الخلافات التي اتفق الطرفان على إرجاء التوافق عليها إلى ما بعد تشكيل مجلس السيادة، وذلك لتهدئة الأوضاع في الشارع، لأن تجدد الفشل في الوصول إلى اتفاق كان يعني فقدان ثقة الشارع في كلا الطرفين.

رابعة أبوحنة: يصعب التراجع عن الاتفاق في ظل استمرار ضغوط الداخل والخارج

وأضافت المصادر ذاتها أن الطرفين تعرضا لجملة من الضغوط الخارجية التي مارستها الولايات المتحدة والأمم المتحدة لإنجاز الاتفاق، وأن قوى الحرية والتغيير كانت أكثر تساهلا لإدراكها أن مجرد وجودها في السلطة من خلال المجلس السيادي ومجلس الوزراء سيتيح لها التحكم بشكل أكبر في تفاصيل المرحلة الانتقالية المقبلة بعكس استمرار الأوضاع الحالية التي تتجمع فيها السلطات بيد المجلس العسكري.

وتأتي الوثيقة بعد تعثر إجراء المفاوضات بين الطرفين أكثر من مرة خلال الأسبوع الجاري، بسبب الخلاف على سلطات مجلس السيادة ومجلس الوزراء، الأمر الذي تسبب في زيادة الفجوة بين قوى الحرية التغيير ما دفعها إلى طلب تأجيلها، قبل أن يتوصل الطرفان، في حضور وسيطين أفريقيين، إلى الاتفاق على تنحية تلك الخلافات جانبا واعتماد البنود السياسية كلبنة أولى لشكل المرحلة الانتقالية.

وأشادت السفارة الأميركية في الخرطوم بالاتفاق، وكتبت عبر صفحتها على تويتر “نشجع المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير على الاستمرار بروح التعاون للاتفاق على الوثيقة الدستورية خلال محادثات الجمعة”.

وقال الوسيط الأفريقي للسودان محمد الحسن ولد لبات، خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء المفاوضات، إن الاتفاق السياسي شكل نقطة حاسمة في إطار التوافق في السودان.. ويمهد للمصادقة على مرسوم دستوري للمرحلة الانتقالية.

وأقرت الوثيقة التي وقع عليها الطرفان تشكيل مجلس سيادة يضم 11 عضوا (5 عسكريين و5 مدنيين) بالإضافة إلى شخصية مدنية يتم اختيارها بالتوافق بين الطرفين، والتناوب على رئاسة مجلس السيادة الذي يحكم البلاد لفترة انتقالية تستمر ثلاثة أعوام تكون الفترة الأولى فيها من نصيب العسكريين.

ومن المقرر أن تسيطر قوى الحرية والتغيير على مجلس الوزراء بعد أن أفضى الاتفاق إلى توليها مسألة اختيار رئيس الحكومة والذي بدوره سيكون عليه الاستقرار على عدد من الوزراء لا يتجاوز العشرين، باستثناء وزيري الدفاع والداخلية اللذين يختارهما العسكريون في المجلس السيادي.

ولم يتوصل الطرفان إلى حلول نهائية بشأن المجلس التشريعي، واختلفا مجددا على نسب العضوية واتفقا على النقاش بشأنه في مجلس السيادة، وتشكيله في فترة لا تتجاوز تسعين يوما من تاريخ تشكيل المجلس، ما يعني ربط المسألة بفترة زمنية محددة يلتزم فيها الطرفان بالوصول إلى اتفاق بشأنها.

وبالرغم من أن الاتفاق تخطى الجزء الأكبر من الخلافات السياسية بين الطرفين، لكن مراقبين سودانيين يخشون من حدوث انتكاسات قد تؤدي إلى تأجيل إقرار الإعلان الدستوري بسبب الفجوة الكبيرة بين رؤى الطرفين وصياغات كل منها بشأن بنود الدستور المؤقت، تحديدا وأن الاتفاق الموقع يعتبر غير ملزم إذا لم يتوصلا إلى اتفاق قانوني ودستوري مواز.

Thumbnail

وقال محمد الأسباط، القيادي بتجمع المهنيين السودانيين (أحد مكونات قوى الحرية والتغيير)، إن الاتفاق السياسي لم يحمل خلافات معقدة بين الطرفين، وأغلبها ارتبط بالنقاط الإجرائية البسيطة، بعد أن استمر النقاش بشأن البنود المتوافق عليها قرابة الشهرين، غير أن الإشكال الأساسي يكمن في الإعلان الدستوري.

وأضاف الأسباط في تصريح لـ”العرب” أن المأزق الأول يرتبط بحصانة مجلس السيادة وصلاحياته، إذ تصرّ القوى المدنية على أن يكون النظام برلمانيا ومن ثم تكون الصلاحيات أغلبها بيد مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، ولكن المجلس العسكري يرى ضرورة وجود مهام موازية للمجلس بالإضافة إلى تمتع أعضائه بحصانة مطلقة، وهو أمر يرفضه الائتلاف المعارض.

محمد الأسباط: مأزق الإعلان الدستوري يرتبط بحصانة المجلس السيادي وصلاحياته

وأشار إلى أن قوى الحرية والتغيير ترفض تدخل مجلس السيادة للاعتراض على أسماء الوزراء باستثناء الدفاع والداخلية، وهو ما يواجه رفضا مقابلا من المجلس العسكري، وكذلك فإن مسألة التعيين في الولايات تشهد خلافا جذريا بين الطرفين، بجانب تشكيل الهيئات القضائية والمحاكم الدستورية والعليا التي يسعى المجلس العسكري لأن تكون خاضعة ضمن سلطات مجلس السيادة.

ويتوقع سياسيون أن تسير المفاوضات حول الإعلان الدستوري بنفس المنطق الذي سارت عليه، قبل الوصول إلى الاتفاق السياسي، بحيث تعتمد بالأساس على الخطوات المرحلية التي تساهم في تقديم تنازلات بين الطرفين، مثلما تم تشكيل لجنة وطنية مستقلة بعد تشكيل الحكومة الانتقالية للتحقيق في أحداث فض الاعتصام أمام وزارة الدفاع، وهو حل وسط أرضى الطرفين اللذين تمسكا بموقفيهما.

ويعول السودانيون على أن تكون النبرة الإيجابية التي جاءت على لسان كلا الطرفين بعد توقيع الاتفاق، ممهدة للوصول إلى اتفاق دستوري مماثل، استنادا على استمرار الزخم الدولي بشأن الأزمة التي تمر بها بلادهم منذ الإطاحة بنظام عمر حسن البشير مطلع أبريل الماضي، وبدا أن هناك قناعة داخلية بأن ضغوط الشارع لن تكون كافية للوصول إلى حلول سريعة تحرك الوضع الراهن.

ووصف الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي توقيع الاتفاق بأنه “لحظة تاريخية في حياة الأمة السودانية ويفتح عهدا جديدا بالشراكة”.

وقال إن الاتفاق ثمرة مجهود مضن ومتواصل انتظره الشعب السوداني طويلا. فيما قال إبراهيم الأمين القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير “علينا الابتعاد عن كل ما يفرق السودانيين”.

ومن جانبها قالت رابعة أبوحنة، المحللة السياسية السودانية، إن الفرقاء السودانيين ليس بإمكانهم التراجع عما تم التوصّل إليه في ظل استمرار ضغوط الداخل والخارج، بل إن التوصل إلى الاتفاق السياسي يعتبر خطوة مهمة إلى الأمام وتدفع باتجاه تحقيق مطالب الشارع بنقل السلطة إلى حكومة مدنية.

وأضافت أبوحنة في تصريحات لـ”العرب”، أن غالبية قوى الحرية والتغيير متوافقة على بنود الحل السياسي، غير أن غياب صديق يوسف ممثل الحزب الشيوعي عن الاجتماع أثار العديد من التساؤلات، لكن في النهاية فإن التقدم بحدّ ذاته يبعث بالمزيد من الأريحية في الشارع، ويسمح في الوقت ذاته بتجاوز المزيد من الخلافات التي قد تتطلب وجود ضمانات من الأطراف الراعية للاتفاق لإنجاحها.

Thumbnail

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى