الأخبار

إقصاء المؤسسة العسكرية يكرّس الأزمة السودانية

إقصاء المؤسسة العسكرية يكرّس الأزمة السودانية

خبراء اقتصاديون وسياسيون يحذرون من أن استمرار الأزمة بين المدنيين والعسكريين في السودان قد يؤدي إلى تعميق الجرح الاقتصادي.

المجلس العسكري في السودان يعمل وفق مسارين متلازمين، الأول هو محاولة التوصل إلى تسوية تبدو صعبة مع تحالف الحرية والتغيير على ضوء سيطرة شق الراديكالي على مواقف التحالف المدني، والمسار الثاني هو محاولة حشد الدعم العربي، ويرى المجلس في القمتين العربية والإسلامية في السعودية الأسبوع المقبل فرصة مهمة لتسويق وجهة نظره.

الخرطوم – يصر قادة الحراك الشعبي في السودان ممثلين في تحالف إعلان “الحرية والتغيير” على موقفهم بشأن نقل كامل السلطة إلى المدنيين في خطوة تنذر بصدام مع المجلس العسكري الذي تم الإعلان عنه عقب عزل الرئيس عمر حسن البشير في أبريل الماضي.
وتخشى دوائر سياسية سودانية من أن تمسك قوى إعلان الحرية والتغيير بإقصاء الجيش الذي لعب دورا رئيسيا في نجاح الحراك باستجابته لأصوات المحتجين وعزل البشير، قد يؤدي إلى نتائج عكسية خاصة مع معطيات عن وجود تململ في الجيش.
وأعلن مصدر في التحالف المدني الذي يضم أحزابا ونقابيين ومستقلين، الجمعة أن موقفهم ثابت حيال ضرورة نقل السلطة إلى المدنيين. ومضى بالقول “الآن ندرس كافة خياراتنا لمواجهة موقف المجلس العسكري المتصلب، بما فيها إعلان العصيان المدني والإضراب العام”.
واتهم المصدر “العسكريين بمحاولة التمسك بالسلطة وعدم التزامهم بموقفهم المعلن والداعم لعودة السلطة للمدنيين”. وذكر أن “المجلس العسكري أعلن خلال اجتماعات اللجان المشتركة، تمسكه بضرورة أن يكون رئيس مجلس السيادة عسكريا وأن الغلبة فيه للعسكريين”.
وأضاف “نحن أيضا أبلغناهم بتمسكنا بموقفنا حول ضرورة تكوين المجلس السيادي من المدنيين بما في ذلك رئاسته. وأشار إلى أن المجلس العسكري “يطرح أجندة جديدة في التفاوض، ويحاول أن يعطي مجلس السيادة المختلف حول طبيعة تكوينه صلاحيات كبيرة تتنافى مع ما تم الاتفاق عليه مسبقاً، وتمس صلاحيات الجهازين التنفيذي والتشريعي”.
وأخفق المجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير، في آخر جولة تفاوض بينهما الثلاثاء الماضي، في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن ترتيبات الفترة الانتقالية في ما يخص نسب التمثيل في المجلس السيادي ورئاسته.
والاثنين، أعلن المجلس العسكري و”قوى إعلان الحرية والتغيير”، “اتفاقهما على مواصلة جلسات التفاوض وفقا للنقاط التي تم الاتفاق عليها مسبقا”، في خطوة اعتبرها المراقبون تقدّما إيجابيا باتجاه تسليم السلطة للمدنيين.
وتتناول نقاط الاتفاق “صلاحيات المجلس السيادي، والتشريعي، والتنفيذي، ومهام وصلاحيات الفترة الانتقالية التي تمتد لثلاث سنوات”.
الصادق المهدي: المطلوب من قوى التغيير تقديم صيغة حازمة وواقعية
والأربعاء الماضي، قال المجلس العسكري، إنه اتفق مع “قوى إعلان الحرية والتغيير”، بشكل كامل على “هياكل وصلاحيات أجهزة السلطة خلال الفترة الانتقالية، وهي: مجلس سيادي، ومجلس وزراء ومجلس تشريعي”.
ووفق نص الاتفاق فقد تم منح تحالف الحرية والتغيير صلاحية تشكيل الحكومة، مع أغلبية مريحة بـ75 بالمئة، في المجلس التشريعي، في مقابل بقي المجلس السيادي النقطة العالقة بين الطرفين.
ويبرر المجلس العسكري رغبته في أن يكون صاحب اليد الطولي في المجلس السيادي بالتحديات الأمنية القائمة في ظل وجود قوى محسوبة على المنظومة القديمة ولديها ميليشيات مسلحة تسعى إلى إجهاض أي تغيير.
ويقول متابعون إن هناك تغيّرا في نبرة المجلس العسكري حيال النزعة الإقصائية لقوى الحرية والتغيير، وأن مؤشرات توحي بأن الأخير قد يعمد لاتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه ممثلي الحراك، لأن استمرار الوضع على ماهو عليه مكلف اقتصاديا وحتى سياسيا، حيث أن هناك حاجة ماسة حاليا للاستقرار.
وبدأ المجلس العسكري يتحرك خارجيا لكسب المزيد من الدعم، وفي هذا الإطار تأتي زيارة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي إلى السعودية مساء الخميس حيث كان له لقاء مطول مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الاجتماع بين الأمير محمد والفريق أول محمد حمدان، عقد في مدينة جدة، وجرى خلاله بحث التعاون بين البلدين.
وفي وقت لاحق الجمعة قال المجلس العسكري في بيان أن الغرض من الزيارة هو “تقديم الشكر للمملكة (…) لما قدّمته من دعم اقتصادي يؤمّن متطلّبات الحياة المعيشية للشعب السوداني، وهو ما أعلن عنه في الفترة السابقة فضلاً عن دعمها السياسي للمجلس للمساهمة في الوصول إلى حلّ سريع للمشكلات العالقة”.
وذكر المجلس في بيانه إنّ وليّ العهد السعودي وعد “بعد تجاوز المرحلة الحالية بالكثير من الاستثمارات في السودان”. كما وعد ولي العهد السعودي بـ”العمل كذلك على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والعمل على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان والعمل على معالجة ديونه”.
وتبدي السعودية دعما للسودان منذ الإطاحة بالبشير ترجمت في تحويل وديعة بمبلغ 250 مليون دولار لحساب البنك المركزي السوداني الأحد الماضي.
وتأتي هذه الخطوة طبقا لما أعلن عنه في 21 أبريل الماضي، عن تقديم حزمة مشتركة من المساعدات من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة للسودان، بمبلغ ثلاثة مليارات دولار أميركي، منها 500 مليون دولار أميركي، مقدمة من البلدين كوديعة في البنك المركزي السوداني لتقوية مركزه المالي، وتخفيف الضغوط على الجنيه السوداني، وتحقيق مزيد من الاستقرار في سعر الصرف، وصرف المبلغ المتبقي لتلبية الاحتياجات الملحة للسودان تشمل الغذاء والدواء والمشتقات النفطية.
تشكل الأزمة الاقتصادية الطاحنة أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات ضد البشير والتي بدأت منذ مدينة عطمبرة في 9 ديسمبر الماضي، قبل أن تتوسع لتشمل عموم السودان، ما دفع الجيش للتدخل لإنهاء الأزمة بعزل البشير في 11 أبريل الماضي.
ويرجح محللون أن يكون اللقاء قد بحث أيضا مشاركة المجلس العسكري في القمتين التي دعت إليهما الرياض الأسبوع المقبل. وستشكل القمتان العربية والإسلامية فرصة للمجلس العسكري لتوضيح رؤيته بشأن المسار الانتقالي في السودان.
وقبيل توجهه للسعودية صرّح حميدتي بأن المجلس العسكري “لن يُسلم السلطة لمن يسعون إلى تصفية حساباتهم القديمة” كما أنهم لن يسمحوا بانزلاق البلاد إلى الهاوية.
حشد الدعم حشد الدعم 
وكشف عن اقتراحه تركيب “شاشات” ضخمة في ساحة الاعتصام لنقل جلسات التفاوض مباشرة للثوار حتى يكون الأمر في العلن وبعيدا عن الغرف المغلقة. وأضاف “هذا الأمر قوبل بالرفض من البعض”.
ويحذر خبراء اقتصاديون وسياسيون من أن استمرار الأزمة بين المدنيين والعسكريين قد يؤدي إلى تعميق الجرح الاقتصادي. ويرى هؤلاء ضرورة الإسراع في حلها من خلال تبنّي نهج أكثر واقعية.
وحذر مساء الخميس زعيم حزب الأمة الصادق المهدي الممثل داخل تحالف الحرية والتغيير من نذر تصعيد عدائي بين العسكر والمدنين، إضافة إلى تصعيد داخلي بوجود جماعات للنظام المخلوع، وأخرى خارجية “دون تفاصيل”، بهدف تعطيل أهداف الثورة، وذلك يعيق التحول السلمي.
وقال إن المطلوب من القوى صاحبة المصلحة في التغيير، تأكيد وحدتها، وتقديم صيغة “حازمة وواقعية” في التعامل مع المكون العسكري.
وأضاف” لأجل ذلك اقترحنا ميثاق شرف لضبط العلاقة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري وفق صيغة يتم الاتفاق عليها”.
وأردف “أن هذه الصيغة التي يجب أن نحميها، هي إقامة مجلس بصلاحية سيادية، في ظل نظام برلماني برئاسة عسكرية، إلى جانب آلية للدفاع والأمن بأغلبية عسكرية وبمشاركة مدنية”.
وبدا واضحا أن هناك انقساما داخل تحالف الحرية والتغيير حيال المسار الانتقالي، ففيما يدعو شق يقوده المهدي إلى المرونة، ينتهج تجمع المهنيين منطقا أكثر صرامة رافضا بالمطلق أي مشاركة للجيش في المرحلة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى