أخبارعالمية

هل بات دمج الفصائل المسلّحة في الجيش أملا بعيد المنال في السودان

تشكل معضلة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني أحدث عقبة في مسار الانتقال السياسي في البلاد منذ إزاحة الرئيس السابق عمر حسن البشير بعد حكم استمر لثلاثة عقود، حيث تواجه عملية دمج الفصائل المسلحة في الجيش أزمة ثقة بين الجانبين. وفيما تستمر المخاوف من تتالي الانقسامات وحالة التشظي داخل المؤسسة العسكرية، يتوقع المتابعون سيناريو قائما في حال لم تنجح البلاد في إصلاح قطاعها الأمني وتوحيده، حيث من شأن ذلك أن ينسف اتفاق السلام المبرم بين الحكومة والجبهة الثورية ويعيد الأزمة السودانية إلى مربع الصفر.

الخرطوم- تبذل الحكومة السودانية جهودا عديدة لفرض قبضتها على السلطة التنفيذية وفض الاشتباكات بين الأجهزة الأمنية من خلال الدفع نحو عملية إعادة هيكلتها سريعا لسد الثغرات التي تحدث إزعاجا لها في الشارع، وتظهرها كأنها عاجزة أو تابعة للمؤسسة العسكرية التي تفرض سطوة كبيرة على القضايا السياسية والاقتصادية.

بدأت التراشقات بين المكون المدني ونظيره العسكري تخرج عن الإطار الدبلوماسي الذي يتبعه رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، حيث أشار الرجل صراحة مؤخرا إلى حالة “تشظّ” تسود المؤسسة العسكرية، في إشارة إلى ما يتردد من خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تتحفظ على دمجها في مؤسسات الأول.

وتعد معضلة دمج قوات الدعم السريع من العقبات الدقيقة في مسار الانتقال السياسي في البلاد منذ إزاحة الرئيس السابق عمر البشير عن السلطة بعد حكم استمر لثلاثة عقود، وتتباين حولها المواقف بصورة تربك الحكومة.

جوناس هورنر: نزع سلاح قوات الدعم السريع بالقوة سيكون محفزا لحرب أهلية خطرة

ويحكم السودان راهنا بموجب اتفاق لتقاسم السلطة أبرم بين العسكريين والمدنيين قبل نحو عامين، وجرى تشكيل مجلس السيادة والوزراء وفقا لوثيقة دستورية تنظم المرحلة الانتقالية، أُدخلت عليها تعديلات للسماح بانخراط الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية في مؤسسات الحكم طوال المرحلة الانتقالية.

ووقعت الخرطوم اتفاق سلام في جوبا مع الجبهة الثورية في الثالث من أكتوبر الماضي، نص على ضم القوات التابعة للحركات المسلحة إلى صفوف الجيش، علاوة على أن تشمل عملية إعادة الهيكلة قوات الدعم السريع التي يرأسها نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدي).

وتأسست قوات الدعم السريع عام 2013 لمساندة الحكومة في نزاعها مع المتمردين في إقليم دارفور، وهي قوة شبه عسكرية، ثم لعبت دورا مهمّا في ترتيب الأوضاع عقب سقوط نظام البشير، ويعتقد قائدها حميدتي أنها حمت الثورة من الفشل، ملمحا إلى انحياز قيادات بالجيش إلى نظام البشير.

وتنحدر غالبية عناصر الدعم السريع من رعاة الإبل، واتهمتهم مجموعات حقوقية عديدة خلال نظام البشير بارتكاب الكثير من الجرائم في دارفور، وكان آنذاك يُطلق عليهم لقب “جنجويد”، وهي تتشكل في معظمها من قبائل عربية تقطن دارفور.

وشهدت الأيام الماضية توترا ظاهرا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خصوصا بعدما أعلن حميدتي رفضه دمج قواته في صفوف الجيش، محذرا في بيان مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي من دمج قواته في الجيش، وقائلا “الحديث عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش يمكن أن يفكك البلد”.

ونفى مسؤولون عسكريون مرارا أن يكون ثمة انشقاق، لكن خطاب حمدوك الذي ألقاه الثلاثاء الماضي (22 يونيو) ضمن مبادرته لإعادة اللحمة الوطنية والتنسيق مع القوى السياسية أشار إلى انقسامات “مقلقة جدا” داخل المؤسسة العسكرية، ودعا إلى دمج مقاتلي الحركات المسلحة فيها بما في ذلك قوات الدعم السريع.

ويقول مراقبون إن عملية دمج الفصائل المسلحة في الجيش تواجه أزمة ثقة من الجانبين، أسهمت في عرقلة تنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة بولايات الهامش والمنصوص عليها في اتفاق السلام.

ويشير المراقبون إلى تحذير حمدوك من مغبة الانقسامات، إذ يمكن أن تؤدي إلى فوضى تهدد وحدة البلاد، في إشارة إلى حجم المخاوف الناجمة عن انتشار الجيوش في أكثر من إقليم والحساسيات بينها وبين المؤسسة العسكرية النظامية، بجانب احتفاظ هذه الجيوش بسلاحها حتى الآن.

وتسعى حكومة حمدوك إلى معالجة أزمة البلاد الاقتصادية التي تمثل عائقا كبيرا أمام نجاحها عبر تطوير العلاقات مع المجتمع الدولي والاستفادة من رفع اسم السودان من على اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب في الحصول على تمويلات من مؤسسات مالية دولية وتدفق الاستثمار على البلاد.

وأشار رئيس الحكومة أكثر من مرة إلى ضرورة تفكيك هيمنة الجيش على بعض المؤسسات الاقتصادية والتسريع بإخضاعها لسيطرة الحكومة، وهو ما يتجاهله حتى الآن المكون العسكري في السلطة الانتقالية.

وشهدت شوارع الخرطوم في الأسابيع الماضية أحداث عنف أثناء احتجاجات شعبية بسبب الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة، الأمر الذي وجد فيه فلول البشير أو من يسمون بـ”الثورة المضادة” فرصة لتحريض الناس ضد السلطة الحالية.

 

عبدالله حمدوك دعا إلى دمج مقاتلي الحركات المسلحة فيها بما في ذلك قوات الدعم السريع
عبدالله حمدوك دعا إلى دمج مقاتلي الحركات المسلحة فيها بما في ذلك قوات الدعم السريع

 

وبعد تصاعد حدة الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع وخروجها للعلن، شدد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان على ضرورة “عدم الالتفات إلى الشائعات التي تستهدف وحدة المنظومة الأمنية”، مؤكدا على “انسجامها وتماسكها”.

ويحذّر بعض الخبراء من أن اتفاق السلام الموقع في جوبا بين الحكومة والجبهة الثورية قد ينهار إذا لم تتم عملية إصلاح القطاع الأمني.

وشرعت الحكومة في التفاوض مع الحركة الشعبية، جناح عبدالعزيز الحلو، للتفاهم معها ودفعها للتوقيع على اتفاق سلام، غير أن المفاوضات تعثرت أخيرا بسبب إصرار الحركة على تضمين الاتفاق بعض البنود، وأبرزها ما يتعلق بفصل الدين عن الدولة، وهو ما لم تتفق عليه أركان السلطة التنفيذية، إذ تميل الحكومة للقبول به بينما يتحفظ عليه كثيرا المكون العسكري.

وقال الخبير الأمني أمين إسماعيل إن “دمج قوات الدعم السريع في الجيش أمر لا بد منه في هذه المرحلة، فهذه القوات تم تشكيلها إبان نظام الحكم السابق لغرض محدد والآن بعد زوال النظام يجب دمجها في الجيش الموحد”.

وغطت مسألة تمسك الحكومة بدمج قوات الدمج السريع في الجيش على كثير من المشكلات الأمنية الأخرى بعد تضخم الدور الذي يلعبه الفريق أول حميدتي، وتنامي الحساسيات بينه وبين الفريق أول البرهان، والتي كشفتها مواقف عدة، أبرزها زيارة حمديتي لأنقرة ودعوته لعودة تركيا للاستثمار في السودان، ولقائه منفردا مع وفد أمني إسرائيلي في الخرطوم.

تعد معضلة دمج قوات الدعم السريع من العقبات الدقيقة في مسار الانتقال السياسي في البلاد منذ إزاحة الرئيس السابق عمر البشير عن السلطة بعد حكم استمر لثلاثة عقود

وأشار جوناس هورنر كبير محللي مجموعة الأزمات الدولية إلى أن إصلاح القطاع الأمني “طلب أساسي في الانتقال السياسي في السودان”، محذرا من أن محاولة دمج قوات الدعم السريع ونزع سلاحها بالقوة “ستكون محفزا لحرب أهلية خطرة”.

وأضاف هورنر “قبل الموافقة على دمج قواته، من المرجح أن يسعى حميدتي للحصول على تأكيدات بشأن دوره في السودان ما بعد المرحلة الانتقالية، والدعوات لمقاضاته بشأن نزاع دارفور”.

ويتهم متظاهرون قوات الدعم السريع بالمشاركة في العنف الذي صاحب عملية فض اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم قبل نحو عامين، وأسفر عن مقتل 128 شخصا، وهو ما نفاه حميدتي، لافتا إلى أنه “حامي ثورة السودان”.

واستبعد هورنر إتمام عملية الدمج، واصفا إياها بأنها “أمل بعيد المنال”، مشددا على أن سلطة حميدتي وقوته في سيطرته على الدعم السريع، وإصلاح قطاع الأمن “غير مرجح طالما احتفظ السودان بقوات مسلحة عديدة لها مصالح وقواعد متنافسة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى