أخبارعالمية

عسكرة اليابان ورقة إستراتيجية أميركية لاحتواء خطر الصين

طوكيو – بعد عقود من تبني اليابان لسياسة التعايش السلمي والالتزام بعدم امتلاك قوة عسكرية قادرة على التصدي للتهديدات الإقليمية، تتزايد المؤشرات على تحول في إستراتيجية طوكيو والتفكير الجدي في امتلاك قدرات عسكرية قادرة على خوض المعارك مع القوى الإقليمية، والمشاركة الفعالة في أي صراع إقليمي قد تشهده منطقة شرق آسيا.

ويقول المحلل السياسي الأميركي هال براندز إن زيارته الأخيرة إلى اليابان ولقاءاته مع كبار المسؤولين والمحللين في طوكيو كشفت عن ثورة في التفكير الإستراتيجي لليابان نتيجة الممارسات العدوانية للصين في منطقة شرق آسيا، مما دفع اليابان إلى السعي لكي تكون قادرة على مواجهة أكبر دولة من حيث عدد السكان وإحدى أكبر القوى العسكرية في العالم.

ويشير براندز إلى أن اليابان والصين ظلتا على مدى قرون في حالة صراع من أجل الهيمنة على شرق آسيا، وفي بعض الأحيان كانت إحدى الدولتين تهدد وجود الأخرى.

اليابان تخطط لمضاعفة إنفاقها العسكري بحلول 2027، كما حولت بعض جزرها الجنوبية الغربية إلى نقاط حصينة

وإذا كانت الصين بالنسبة إلى الولايات المتحدة خطرا فإنها تظل خطرا بعيدا، لكنها بالنسبة إلى اليابان تمثل خطرا وجوديا على أعتاب بابها. وقبل سنوات من إعلان القادة الأميركيين عودة الصراع بين القوى العظمى في العالم، كان المسؤولون اليابانيون يحذرون من تنامي الخطر الصيني. ومع تنامي قدرات الصين وتزايد خطورة ممارساتها في مضيق تايوان ارتفعت حدة مخاوف اليابان.

ويقول براندز إنه في حين بدت العاصمة اليابانية التي زارها خلال الأيام الماضية جميلة، كان هناك شعور قوي للغاية بأن عاصفة قوية تتجمع في الأفق، مشيرا إلى تحذير رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في يونيو الماضي من أن “أوكرانيا اليوم، وقد يكون شرق آسيا غدا” في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير الماضي والخطر الصيني على دول شرق آسيا. وخلال الشهر نفسه أظهر استطلاع للرأي أن حوالي 90 في المئة من اليابانيين يعتقدون بأنه ينبغي على بلادهم الاستعداد لمواجهة غزو الصين لتايوان.

وكان ذلك قبل أن يقرر الرئيس الصيني شي جينبينغ صب المزيد من الزيت على نار التوتر الإقليمي بإطلاق صواريخ بالستية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى العاصمة التايوانية تايبيه.

وفي الوقت نفسه تتباين الآراء في طوكيو، كما هو الحال في واشنطن، بشأن متى سيكون خطر الحرب أكبر، وما إذا كان شي سيغامر بكل شيء في مقامرة عسكرية عالية المخاطر.

وقال بعض المسؤولين اليابانيين عن التغييرات التي أدخلها الرئيس الصيني مؤخرا على دوائر الحكم العليا، والتي شهدت تعيين أحد المحاربين القدماء في آخر حروب الصين الخارجية في فينتام عام 1979، وقائد سابق للقوات الصينية المواجهة لتايوان في أعلى منصبين باللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الحاكم، إنها تمثل تشكيل “مجلس حرب”. في الوقت نفسه يقول مسؤولون يابانيون آخرون إن الجيش الشعبي سيظل لسنوات قادمة مفتقدا للقدرات الرئيسية اللازمة لغزو تايوان مثل سفن الإنزال البرمائية.

ورغم ذلك لا جدال في اليابان على ضرورة استعداد البلاد لمواجهة الاضطراب، لأن استيلاء الصين على تايوان بالقوة سيكون كارثة لليابان. فإذا سقطت تايوان في قبضة الصين، قد تصبح الجزر في أقصى جنوب غرب الأرخبيل الياباني دون أي قدرة دفاعية. كما أن الصين قد تعترض خطوط التجارة الحيوية لليابان وتزيد الضغط عليها في النزاع بشأن السيادة على جزر سينكاكو وقهر منافستها التاريخية في المنطقة.

تتباين الآراء في طوكيو، كما هو الحال في واشنطن، بشأن متى سيكون خطر الحرب أكبر، وما إذا كان شي سيغامر بكل شيء في مقامرة عسكرية عالية المخاطر

ولهذا أعلنت حكومة اليابان بأقصى قوة ممكنة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة لغزو تايوان، رغم نفور اليابان التقليدي منذ الحرب العالمية الثانية من استخدام القوة بشكل عام. وبالفعل بدأت اليابان التحرك السريع لتعزيز قدراتها العسكرية للدفاع والردع.

وتخطط اليابان لمضاعفة إنفاقها العسكري بحلول 2027، كما حولت بعض جزرها الجنوبية الغربية إلى نقاط حصينة مزودة بصواريخ مضادة للسفن وأنظمة دفاع جوي. كما تعتزم استخدام أسطولها المتقدم من الغواصات للتصدي للبحرية الصينية. كما تتحرك طوكيو للحصول على صواريخ توماهوك الأميركية العابرة للقارات، وغيرها من القدرات العسكرية القادرة على الوصول إلى الأراضي الصينية لاستخدامها في أي هجوم مضاد.

ويبرر اليابانيون بعض هذه التحركات العسكرية الأخيرة بأنها تستهدف التعامل مع الخطر الذي تمثله كوريا الشمالية التي تواصل إطلاق الصواريخ بالقرب من اليابان، لكن المسؤولين اليابانيين اعترفوا في أحاديث خاصة بأن كل أزمة مع بيونغ يانغ تعزز حجتهم في ضرورة الحصول على الأسلحة القادرة على مواجهة أي عدوان صيني.

وفي الوقت نفسه ازداد عمق التعاون العسكري بين الولايات المتحدة واليابان حيث كثفت قوات البلدين التدريبات المشتركة بما في ذلك التدريبات واسعة النطاق أمام الجزر اليابانية الجنوبية خلال الشهر الحالي، مع الاستعداد للقيام بعمليات عسكرية مشتركة في حال نشوب صراع حول تايوان.

وتعتبر هذه الإجراءات جزءا من تحول أوسع، حيث أصبحت الولايات المتحدة محورا رئيسيا في أمن منطقة المحيطين الهندي والهاديء. وعندما انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الشراكة عبر المحيط الهادئ التجارية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، نجحت اليابان في إنقاذ نسخة أقل نطاقا من المعاهدة لمواجهة النفوذ الصيني.

وفي الوقت نفسه تحرك المسؤولون اليابانيون للدخول في سلسلة شراكات أمنية مع دول المنطقة من أستراليا إلى الهند بهدف التصدي للتوسع الصيني. وقد صاغت اليابان فكرة المحافظة على “منطقة المحيطين الهندي والهاديء حرة ومفتوحة”، وهي الفكرة التي تتبناها الولايات المتحدة حاليا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى