أخبارعالمية

تعقيدات سياسية تعرقل دعوة شيخ الأزهر للحوار بين السنة والشيعة

القاهرة – ألقت دعوة الحوار التي وجهها شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى علماء المسلمين الشيعة حجرا في مياه الحوار السني – الشيعي الراكدة منذ سنوات وتأثره بنزاعات مذهبية وحروب طائفية تعاني منها المنطقة، في ظل خلط إيران المباشر بين تمددها السياسي ونفوذها الديني، ما كانت له انعكاسات سلبية على مواقف أئمة شيعة انفتحوا سابقا على الحوار وكادوا يحققون اختراقات إيجابية.

وقال شيخ الأزهر في كلمته بملتقى البحرين للحوار الجمعة “هذه الدعوة إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشّيعة، فإنني على استعداد ومعي كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين لعقد مثل هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معًا على مائدة واحدة”.

وجاءت الدعوة من العاصمة المنامة أمام ملتقى نُظم برعاية العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة لتؤكد وجود نية جادة لانطلاق حوار يحظى بدعم سياسي على نطاق واسع، وبمشاركة نحو 200 شخصية من رموز وقادة وممثلي الأديان في العالم.

وكان شيخ الأزهر دعا إلى الحوار مع علماء الشيعة في عام 2012 من التلفزيون المصري الرسمي أثناء تقديمه حلقات يومية خلال شهر رمضان، وتكررت في عام 2015، وتحدث عن عقد مؤتمر يستضيفه الأزهر لإصدار فتاوى تحرّم على الشيعي قتل السني، أو العكس، وأثارت جدلاً حينها دون تحولها إلى فعل حقيقي على الأرض.

 

الطاهر الهاشمي: عدم إتمام زيارة شيخ الأزهر إلى العراق ترك انطباعا سلبيا
الطاهر الهاشمي: عدم إتمام زيارة شيخ الأزهر إلى العراق ترك انطباعا سلبيا

 

وتصطدم دعوات الحوار مع الشيعة بعوائق سياسية وعقائدية تحول دون وصولها إلى أهدافها النبيلة، ويتطلب إطلاق الدعوة من مؤسسات دينية دعمًا مباشراً من الجهات الرسمية في الدول المعنية، وقبولا شيعيا يبتعد عن مؤثرات إيران التي تنحاز إلى خطاب يكرس الفتنة الطائفية لصالح مشاريعها التوسعية في المنطقة.

ولم تلق دعوة شيخ الأزهر هذه المرة تجاوبا ملحوظا من جانب رجال الدين الشيعة، وتجاهلت المرجعيات الكبيرة التفاعل وإصدار بيانات تأييد أو حتى رفض لما جاء في دعوة بدت محددة هذه المرة ولها هدف واضح، على العكس من سابقاتها.

وحدد شيخ الأزهر هدف الحوار مع الشيعة بـ”تجاوز صفحة الماضي وتعزيز الشأن الإسلامي ووحدة المواقف الإسلاميَّة”، مقترحا أن تنص مقرراته “على وقف خطابات الكراهية المتبادلة وأساليب الاستفزاز والتكفير وتجاوز الصِراعات التاريخية والمعاصرة بكل إشكالاتها ورواسبها السيئة”.

وشدد على ضرورة أن يُحرّم على المسلمين الإصغاء لدعوات الفرقة والشقاق، وأن يحذروا الوقوع في شرك العبث باستقرار الأوطان، واستغلال الدين في إثارة النعرات القومية والمذهبية والتدخل في شؤون الدول والنيل من سيادتها أو اغتصاب أراضيها، في إشارة واضحة إلى ما تقوم به طهران من تصرفات عدوانية.

وقال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر عبدالغني هندي إن الإشكالية بين المسلمين السنة والشيعة لا تتمثل في الخلافات المذهبية، فالأمر يتعلق بتعقيدات السياسة أولا، وإذا كان الأزهر يؤمن بالحوار مع غير المسلم فمن الطبيعي أن يمد يديه إلى المسلمين، وإن الدعاوى السابقة فشلت لأن الصراعات السياسية بين الدول الإسلامية أقوى من أي محاولة جادة للجلوس على مائدة واحدة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الدعوة الجديدة التي طرحها شيخ الأزهر تواجه المشكلات نفسها، وقد يكون هناك بصيص أمل في ظل وجود رغبة جادة في إنهاء النزاعات الحالية، كما أن قيمة شيخ الأزهر وقوته ودعمه بشكل مباشر من الحكومة المصرية للانطلاق نحو الحوار مع الآخر يمكن أن تشكل بعداً مهما يدعم نجاحه، لكن في النهاية سوف تبقى رهينة مواقف أئمة الشيعة وزعماء السياسة”.

إطلاق الدعوة من مؤسسات دينية يتطلب دعمًا مباشراً من الجهات الرسمية وقبولا شيعيا يبتعد عن مؤثرات إيران

وقد واجهت مساعي الأزهر للتقارب مع الشيعة مطبات عديدة خلال الأعوام الماضية، ورغم أن الشيخ أحمد الطيب أعلن من قبل نيته الذهاب إلى العراق، تحديداً إلى مدينة النجف مقر “الحوزة العلمية”، فإن الزيارة لم تتم حتى الآن، في حين أن الأجواء السياسية كانت مواتية نتيجة تقارب القاهرة مع رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي.

وزار رئيس قسم الدراسات العليا بجامعة الأزهر محمد سالم أبوعاصي مكتبة الإمام الخوئي العامة برفقته الدكتور الشيخ حامد عبدالعزيز الحمد رئيس جمعية رابطة العلماء بالعراق في أكتوبر من العام الماضي، بهدف التحضير لجولة شيخ الأزهر واستكشاف الطريق أمام إتمام زيارته إلى النجف التي يقطنها عدد من كبار مراجع الشيعة.

وأكد عبدالغني هندي لـ”العرب” أن “الأزهر لديه رغبة في الحوار مع علماء الشيعة ضمن اقتناعه بضرورة الحوار مع الأديان وأهل الثقافات والحضارات في إطار من الود واحترام الثوابت ومراعاة الخصوصية، والأمر لا يرتبط بالشيخ الطيب فقط، لكن المحاولات مع الشيعة لا تكتمل بسبب تدخلات أطراف سياسية ليس من مصلحتها إحداث تقارب بين السنة والشيعة، وهو ما أجهض المحاولات السابقة”.

وأشار رجل الدين الشيعي المقيم في مصر الطاهر الهاشمي لـ”العرب” إلى أن “عدم إتمام زيارة العراق التي أعلن عنها شيخ الأزهر ترك انطباعاً سلبيًا، كما أن اهتمام المؤسسة السنية بالحوار مع علماء النجف دون أن يرتبط الأمر أيضا بعلماء قم في جنوب طهران يعني أن مساعي التقارب لا تزال منقوصة، ولا يمكن التفرقة بين علماء الشيعة في العراق وعلمائهم في أي مكان آخر”.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “الشيعة لا يرفضون دعوة الحوار ويرحبون بحديث شيخ الأزهر الأخير، وننتظر خطوات فعلية تبرهن على جديتها بعيداً عن أي أحاديث تشير إلى تدخلات سياسية تعرقلها. وإقدام شيخ الأزهر على خطوة الصلاة في النجف سوف يترك تأثيراً إيجابيًا يدفع عملية الحوار خطوة كبيرة إلى الأمام”.

وتابع قائلا “يؤكد الأزهر أنه يفتح ذراعيه للحوار من أجل التقريب بين المذاهب المختلفة، وينطبق الأمر ذاته على علماء الشيعة، وهو ما يشكل قاعدة ينطلقون منها لإظهار صورة الإسلام السمحة، والتاريخ شاهد على حوارات التقريب بين المذاهب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى