أخبارعالمية

الطبقة السياسية والبرلمان غائبان في ذروة الأزمة الجزائرية

الجزائر – لا يزال البرلمان وغالبية الطبقة السياسية في الجزائر يلتزمان الصمت إزاء الأوضاع الخطرة التي تمر بها البلاد، جراء موجة الحرائق التي التهمت معظم المحافظات الشمالية، وتصاعد خطاب الكراهية والمواجهات العرقية في أعقاب الجريمة المروعة التي راح ضحيتها الشاب جمال بن إسماعيل، وهو ما يكرس محدوديتهما في صناعة القرار أو توجيهه وعزلتهما لدى الرأي العام.

ويستمر صمت النخب البرلمانية والسياسية في الجزائر، رغم تداعيات الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد منذ الأسبوع الماضي، حيث لم يصدر أيّ موقف عن النواب المنتخبين حديثا، ولا عن القوى السياسية التي استحوذت على الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني، وباستثناء البيان المحتشم لحركة “حمس”، فإن ما يوصفان بالحزبين الكبيرين (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، لا زالا غائبين عن المشهد.

وإذ اكتفى مجلس الأمة (الغرفة الثانية) بإصدار بيان أشاد فيه بـ”الإجراءات المتخذة من قبل مؤسسات الدولة لتطويق آثار الحرائق التي شهدتها عدة ولايات عبر الوطن وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم”، فإن النواب المشكلين للغرفتين لا زالوا في إجازتهم السنوية بعيدا عن التطورات والأحداث المتسارعة في البلاد.

ولم يبد المجلس أيّ موقف أو أيّ تعليق على اللغط المتصاعد حول ملابسات الكارثة ومجرياتها، لاسيما في ما يتصل بدور مؤسسات الدولة في تسيير الأزمات والكوارث، ومحدودية الإمكانيات والوسائل اللازمة في مثل هذه الأوضاع، وما انجر عن ذلك من بوادر انزلاق اجتماعي ومواجهات عرقية، بعد الجريمة المروعة التي راح ضحيتها المتطوع جمال بن إسماعيل في بلدة ناث إيراثن، في محافظة تيزي وزو.

وما عدا ذلك فإن هيئات البرلمان والنواب بمختلف توجهاتهم السياسية، تواروا عن الأنظار منذ توزيع المهام واقتسام الكعك الداخلي خلال الأسابيع الماضية، وحتى نواب المحافظات المتضررة لم يظهر لهم أثر، الأمر الذي يكرس أزمتهم الحقيقية وعدم قدرتهم على الظهور في الشارع، لقناعة مبكرة لديهم بأن شرعيتهم مهتزة ولا يمكن ترميمها.

ورغم الإجماع السائد في البلاد على التنديد واستنكار ما تتعرض له، فإن أحزابا كبرى كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، التي  تحوز على أغلبية الغرفة الأولى، وبعدها القوى الأخرى كجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني، وحتى تلك التي تعودت على الحضور في المشهد الإعلامي، لا زالت تحجم عن الإدلاء بموقفها، خاصة في ما يتعلق بالقصور المسجل من طرف المؤسسات الرسمية في التكفل بالوضع.

هيئات البرلمان والنواب بمختلف توجهاتهم السياسية، تواروا عن الأنظار منذ اقتسام المهام خلال الأسابيع الماضية

ويبدو أن الطبقة السياسية لا زالت تحت صدمة أزمة الشرعية، ولم تملك بعد الجرأة لمحاولة ترميم الفجوة العميقة بينها وبين الشارع، ولذلك تتفادى البروز في ظل تعويض التضامن الشعبي العفوي لدور المؤسسات الحكومية والسياسية والمجتمع المدني المرتبط بالسلطة، فالوزير المستشار المكلف بالمجتمع المدني نزيه برمضان غائب تماما عن الساحة.

ويبدو أن تمركز الأزمة في منطقة القبائل، وتداعيات حادثة القتل المروعة، قد أجبرتا الأحزاب المحسوبة على القبائل، للخروج عن صمتها وركوب موجة الشارع الغاضب، حفاظا على صورتها لدى الشارع المحلي، وعلى عقيدتها السياسية المناوئة للسلطة.

وسارعت جبهة القوى الاشتراكية، التي قاطعت الانتخابات التشريعية الماضية، إلى التنديد بما أسمته “الفعل الهمجي والإجرامي الذي وقع ببلدة نايث إيراثن، والذي راح ضحيته الشاب المتطوع جمال بن إسماعيل”.

وإذ تقدم بيان الحزب بـ”عبارات العزاء لأهل الضحية، وعبر عن تضامنه الكلي معهم، ومع الشاب المغدور الذي وهب نفسه في سبيل الجزائر وأرضها، دعا لفتح تحقيق معمق للكشف عن حيثيات الواقعة ومحاسبة المسؤولين عن هذا العمل الجبان”.

وأكد على أن “التصرف الشنيع والجبان يعتبر فعلا معزولا لا يعبر عن قيم المحبة والأخوة والتضامن التي بني عليها مجتمعنا ولا يمت بصلة إلى أخلاق الجزائريين وشيمهم ولا إلى أهل المنطقة المعروفين بكرمهم، ووطنيتهم وارتباطهم الوثيق بالقيم الإنسانية النبيلة”.

ولم تستبعد جبهة القوى الاشتراكية أن “تكون الجريمة مدبرة من طرف أصحاب المخططات الدنيئة بعدما حز في أنفسهم المظاهر العظيمة للتضامن التي ضربها الشعب الجزائري تجاه ولاية تيزي وزو، والاستقبال الحافل الذي حظوا به في أبهى صور التلاحم والتكافل بين أبناء الشعب الواحد، الأمر الذي أسقط كل مخططات شذاذ الآفاق في الماء”.

وكثيرا ما كانت الأحزاب المحسوبة على المنطقة والمتبنية للمطلب الأمازيغي مستهدفة بانتقادات دوائر تتهمها بالعمل على توظيف الهوية المحلية لتأجيج الشارع المحلي، وتأليب السكان على السلط والمؤسسات العمومية، قبل أن تتحول أصابع اتهام كثيرة لحركة استقلال القبائل (ماك) بالوقوف وراء الأزمة المستجدة.

ودعا أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية جبهة القوى الاشتراكية المواطنين إلى “ضرورة ضبط النفس واليقظة وعدم الانسياق وراء الإشاعات، مهيبة بالشعب الجزائري إلى الاتحاد ورص الصفوف في هذه الظروف الصعبة”، في تلميح لخطاب الكراهية والعرقية الذي تصاعد بقوة خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي.

مشاهد مرعبة لا سمكن للجزائريين نسيانها
مشاهد مرعبة لا يمكن للجزائريين نسيانها 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى