الأخبار

مصر تلوح بأوراق ضغط إقليمية في مواجهة الاستفزازات التركية

القاهرة – تواصل تركيا عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، رغم الاعتراض الإقليمي والرفض الدولي. وتؤكد أنقرة أنها لن تتنازل عن “حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك” الاقتصادية قبالة سواحل شمال شرق جزيرة قبرص.

ولا يبدو أن تركيا، المضغوطة اقتصاديا وسياسيا وإقليميا، ستتراجع عن توجهاتها، بل بالعكس يدفع الضغط بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو المزيد من التهور والاستفزاز.

“كعكة” الاكتشافات

تبدو أنقرة مصممة على الحصول على جزء من “كعكة” الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، للتغلب على المصاعب الاقتصادية والسياسية الجمة التي تواجهها في الوقت الراهن.

وأظهرت أنقرة ميلا إلى محاولة عسكرة البحر المتوسط واستعراض عضلاتها فيه، وهو ما برز في إجراء أكبر مناورات بحرية في تاريخ الجمهورية التركية في 13 مايو الماضي، وأطلق عليها  اسم مناورات “ذئب البحر 2019”، وظهر أيضا في نقل أنقرة سرا 42 دبابة عملاقة من طراز Leopard-2A4 الألمانية وغواصة من طراز “غور S-357” إلى منطقة كيثريا في شمال تركيا. وتشير تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام إلى أن أنقرة ستزيد قوتها البحرية بحلول عام 2023 بحوالي 24 سفينة جديدة، بما في ذلك أربع فرقاطات، بعد أن بلغت ميزانية الدفاع التركية في العام الماضي حوالي 19 مليار دولار، بزيادة قدرها 24 بالمئة مقارنة بالعام الذي سبقه.

وفي ظل هذا الوضع، لا يبدو أن البيانات المنددة بالاستفزاز التركي في شرق المتوسط ستكون قادرة على ردع أنقرة. وبالتالي على الدول الإقليمية وحلفائها الانتقال إلى مراحل أخرى من المواجهة عبر تقوية التحالفات الإقليمية وتنشيط الدبلوماسية لمحاصرة أنقرة.

ويملك كل طرف في هذه الأزمة أوراق ضغط يمكن الاستفادة منها، وإذا كانت دول -مثل قبرص واليونان- تستفيد من محيطها الأوروبي، ومن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، فإن لدولة مثل مصر رهاناتها أيضا المستمدة من نطاقها الاستراتيجي العربي والمتوسطي والأفريقي، وهو نطاق تنشط فيه تركيا بشكل مكثّف.

أنقرة تُظهر ميلا إلى محاولة عسكرة البحر المتوسط واستعراض عضلاتها فيه
أنقرة تُظهر ميلا إلى محاولة عسكرة البحر المتوسط واستعراض عضلاتها فيه

واعتبرت قبرص ما قامت به تركيا “غزوا جديدا” لها وانتهاكا لسيادتها ومياهها الإقليمية. وهدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا، داعيا أنقرة إلى الوقف الفوري لأنشطة التنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها مع قبرص.

إلى جانب ضغط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تتجه القاهرة إلى التخلي عن الحذر في ردها على الاستفزازات التركية وتراهن في ذلك على أوراق ضغط أخرى مستمدة من تفاعلاتها في ملفات طالتها اليد التركية على غرار الحرب في ليبيا والتغييرات في السودان وغيرهما، وأحداث تورطت فيها تركيا في أكثر من منطقة، مع تلقي إشارات تفيد باحتمال توظيفها للمتشددين وكتائب مسلحة في استهداف خطوط نقل الغاز.

وجاء الموقف المعارض بشدة للتحركات التركية في شرق المتوسط، بعد تزايد الامتعاض من دور تركيا السلبي في ليبيا، وعقب مضي أيام قليلة على مصادقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على اتفاق مع قبرص، تم توقيعه بين حكومتي الدولتين قبل نحو عام، بشأن إنشاء خط أنابيب بحري لنقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي، بغرض تسييله في مصر، وإعادة تصديره إلى أوروبا.

وتأتي معارضة القاهرة أيضا في ظل تلميحات إلى استعداد الجيش المصري لمواجهة أي أنشطة مزعزعة للاستقرار في شرق المتوسط. ونفذت القوات البحرية المصرية تدريبات مع فرنسا والهند في مياه البحر المتوسط مؤخرا في رسالة واضحة العناوين. ويتماشى موقف القاهرة مع الانتقادات الشديدة التي عبرت عنها قبرص والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وغيرها ضد أنقرة.

عزلة أنقرة

عارضت الإدارة الأميركية الخطوة التركية في الوقت الذي وافقت فيه لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على مشروع قانون جديد بعنوان “قانون شراكة الأمن والطاقة في شرق المتوسط 2019”.

يتيح القانون -حال إقراره من قبل الكونغرس وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه- لواشنطن تقديم المزيد من الدعم لكل من إسرائيل واليونان وقبرص لردع تركيا، عبر مبادرات عدة للتعاون في مجالي الطاقة والدفاع، وإعاقة حصول أنقرة على طائرات أف – 35 الأميركية، إذا أصرت تركيا على خططها لشراء نظام الدفاع الجوي أس 400 من روسيا.

ويحذّر مراقبون من أن “تهور” أنقرة سيسجّل مستويات أعلى في الفترة المقبلة في ظل الضغط الداخلي على نظام حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي ينعكس على وضع المنطقة واستقرارها الهش، إذا لم يتم التعامل مع التحركات التركية بشكل رادع.

وقد تحصل أنقرة على منظومة أس 400، ما يضاعف من مغامراتها، لأنها تعضد موقفها العسكري في شرق المتوسط، إذا تم نشرها بالقرب من القطع الحربية المرافقة لسفن التنقيب التركية التي تقوم بأنشطة استكشافية عن موارد الغاز في المنطقة.

وتراهن أنقرة على متغيرات إقليمية من قبيل التواصل مع الحكومة الجديدة في اليونان برئاسة كرياكوس ميتسوتاكيس، الذي كان أردوغان من أول المهنئين له، مرحبا بالتقارب معه، في مسعى لفتح طريق تفك ضمنيا العزلة الإقليمية المتزايدة التي تعاني منها أنقرة.

وبرزت العزلة بشكل واضح بعدما تم استبعاد أنقرة من عضوية “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي تأسس في القاهرة يناير الماضي، لتحقيق استفادة مثلى من اكتشافات الغاز الطبيعي الهائلة في منطقة شرق المتوسط.

ويعتقد أردوغان أن ثروات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط يمكن أن تجعل تركيا ممرا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أسواق الغاز الأوروبية.

لكن هذا الرهان أصبح خاسرا بسبب المواقف الأميركية والأوروبية الرافضة للبديل التركي والمؤيدة لقبرص ودول مثل مصر وإسرائيل واليونان، في مجال أفكار نقل الغاز المكتشف في شرق المتوسط إلى الأسواق الغربية، من خلال التسييل في محطتي ادكو ودمياط المصريتين، أو عبر مشروع خط أنابيب شرق المتوسط، وتمت الموافقة عليه في أبريل 2017، لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل وقبرص إلى اليونان ثم إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا.

وما يزيد من أهمية ردع طموحات أردوغان تسارع وتيرة السباق المحموم من جانب شركات الطاقة العملاقة -مثل إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وإكسون موبيل الأميركية- لاستخراج الغاز الطبيعي في مصر وإسرائيل وقبرص، بينما تقف أنقرة عاجزة عن سد فجوة الطاقة الهائلة لديها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى