تقنية
هواوي.. العملاق الذي لا يثق به أحد
هواوي.. العملاق الذي لا يثق به أحد
الولايات المتحدة قلقة من تجسس الصين عبر شركة هواوي لأنها فعلت نفس الشيء في الماضي.
واشنطن – يعتبر المديرون التنفيذيون للشركات الكبرى في العالم شخصيات ذات أهمية، لكن قلة منهم يكونون قادرين على زعزعة الأسواق العالمية وتصدر الصفحات بمجرد إلقاء القبض عليهم، مثلما كان الحال مع الصينية مينغ وانتشو، المديرة المالية لشركة هواوي، في كندا في الأول من ديسمبر بناء على طلب تسليم أميركي لاتهام الشركة بخرق العقوبات بتعاملها التجاري مع إيران.
واعتقلت المديرة التنفيذية لشركة هواوي، وابنة مؤسسها رين زينغفوي، في فانكوفر، الأمر الذي صعّد من التوتر بين الصين والولايات المتحدة من جهة، وأيضا فتح باب الجدل واسعا أمام مخاطر تكنولوجيات الجيل الخامس وإلى مدى تشكل البرمجيات والشرائح الدقيقة خطرا على الأمن القومي للدول.
وما دعا إلى استنفار العالم، وبشكل أساس مجموعة العيون الخمس، وهي أكبر تحالف استخباراتي في العالم ويضم كندا ونيوزلندا وأستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أن الخطر قادم من الصين، هذه المرة، والوضع يختلف عن تلك الشرائح التي عرفها العالم، في التسعينات، والتي كانت متوفرة في كل مكان ويمكن استخدامها بسهولة في الأسلحة الموجّهة والطائرات. وتلك الشرائح كان أغلبها تايواني الصنع، أما اليوم فالخطر كوري وصيني، والحرب على أشدها، خاصة مع الصين.
والأزمة مع شركة هواوي ليست الأولى من نوعها، حيث عانى عملاق تكنولوجيا الاتصالات الصينية من انعدام الثقة من قبل، حتى أن روب ديفيس، المتخصص في شؤون التجسس في صحيفة الغارديان، وصف الشركة بالعملاق الذي لا يثق به أحد. ويستحضر دفاع رين زينغفوي، عن شركته خلال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لسنة 2015، حين قال “لا يمكن اختراق أنظمة الآخرين، ولم نتلق مثل هذا الطلب من الحكومة الصينية”.
وبذلت الشركة جهدا كبيرا لمعالجة سمعتها، وتوظف عددا من مستشاري العلاقات العامة، كما استأجرت مدير المعلومات السابق في الحكومة البريطانية جون سوفولك كمسؤول عن السلامة الإلكترونية العالمية. وقال سوفولك لصحيفة إيكونوميست “لا تصدق أي شخص وافحص كل شيء”. وحسب رين زينغفوي، فإن اسم الشركة يأتي من شعار وطني رآه على حائط في أحد الأيام ويعني “الصين تحدث فرقا”، لكن يبدو أن الاسم عمّق الأزمة وزاد من عدم الثقة.
من هو المؤسس
في دائرة الاتهام
تفوقت هواوي على شركة أبل في وقت سابق من هذا العام لتصبح ثاني أكبر شركة للهواتف الذكية في العالم وراء سامسونغ، حيث حققت مبيعات تصل إلى 54 مليون هاتف في غضون ثلاثة أشهر. ورغم نسبة نجاحها، إلا أن شركة هواوي لم تكن قادرة على تبديد سحابة الشكوك التي تحوم حول رين زينغفوي وشركته. ونظرا لحجم التجسس والهجمات الإلكترونية التي تضرب من الصين دولا وشركات، فقد أثيرت التساؤلات حول مدى الأمن عند استخدام تكنولوجيات هذه الشركة التي أسسها خبير في التكنولوجيا العسكرية الصينية.
وتم دعم شركة هواوي من قبل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين والجيش من خلال قروض منخفضة الفائدة مع ميزة حماية الوصول إلى السوق المحلية. ويطلب القانون الصيني من الشركات في الصين “الدعم، والتعاون ، والاشتراك في شبكة المعلومات الاستخباراتية”، وذلك في سياق استراتجية تعود إلى الثمانينات لتطوير البنية التحتية للاتصالات، وحرصت خلالها الحكومة الصينية على الاعتماد على نفسها، وتقليل دور الشركات الأجنبية في مجال الاتصالات، واستيراد معداتها من الخارج، ولتحقيق هذا الهدف كان القرار بتأسيس عدد من الشركات المحلية القادرة على تصنيع وتطوير معدات الاتصال ومن ضمنها مقاسم الهواتف.
ويبدو أن المخاوف بشأن هواوي تأتي من تاريخ مؤسسها رين زينغفوي، البالغ من العمر 74 عاما، الذي كانت له علاقات طويلة مع كل من جيش التحرير الشعبي، حيث عمل مهندسا عسكريا. ونمت شركته من مصنع للهواتف المحلية إلى أكبر مصنع لأجهزة الاتصالات في العالم. وانتشرت مبيعاته في أسواق 170 دولة.
ارتفاع رين زينغفوي من الفقر إلى الغنى هو جزء من رواية هواوي الرسمية. إذ نشأ البالغ من العمر 74 عاما فقيرا، وهو ابن معلمين في بلدة جبلية نائية في مقاطعة قويتشو الجنوبية الغربية. درس في معهد تشونغتشينغ للهندسة المدنية والهندسة المعمارية وانضم لاحقا إلى الجيش “عن طريق الصدفة” في فترة السبعينات عندما كانت الحكومة تجنّد أي شخص لديه تعليم جامعي للمساعدة في بناء المعدات.
تاريخ مؤسس الشركة رين زينغفوي العضو في الحزب الشيوعي الصيني هو مصدر الشكوك التي تحوم حول هواوي
وبعد رحيله من الجيش، أسس رين زينغفوي هواوي مع ما يقرب من 4000 جنيه إسترليني في رأس المال المتأتي من خمسة مستثمرين. ثم توسعت شركة هواوي لتصبح أكبر شركة تكنولوجيا في الصين من قبل الموظفين (توظف أكثر من 180 ألف شخصا).
واستمرت علاقة رين زينغفوي بالحزب الشيوعي، فهو عضو فيه منذ عام 1978. وتمت دعوته لحضور مؤتمره الوطني الثاني عشر عام 1982. وفي مناسبة الذكرى الأربعين لإصلاح وانفتاح الصين هذا العام، اعتبر رين زينغفوي واحدا “من رواد الأعمال الخاصين الممتازين”. كما يأمل النقاد في وضع الشركة كواحدة من “الأبطال الوطنيين” في الصين، إلى جانب الشركات التي يعتبر توسعها العالمي مساهما في المصلحة الوطنية.
ويمتلك رين زينغفوي حوالي 1 بالمئة من الشركة، ويسيطر على معظم القرارات الرئيسية، وتشير بعض التقارير إلى أنه يديرها مثل وحدة عسكرية على الرغم من أنه من المفترض أنه يتقاسم الوظيفة مع ثلاثة رؤساء تنفيذيين آخرين.
وغالبا ما يقول رين زينغفوي إن أحد أبنائه سيخلفه، وكان ينظر إلى مينغ وانتشو كمرشحة رئيسية لهذا المنصب، إلا أن اعتقالها في كندا قد يغيّر مستقبلها ومستقبل الشركة عموما، في ظل الأزمة الراهنة.
تصعيد العيون الخمس
تصاعد المخاوف الأميركية
بعد اعتقال مينغ وانتشو، الملقبة بأميرة التكنولوجيا، اتخذت كل من الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا خطوات لمنع استخدام معدات هواوي في شبكات الجيل الخامس. واعتبرت شركة هواوي تهديدا للأمن القومي من قبل المسؤولين الأميركيين، الذين حثوا الحلفاء الذين يستضيفون القواعد العسكرية الأميركية على حظر استخدام منتجات هواوي في البنية التحتية للاتصالات الخاصة بهم.
وحذرت الولايات المتحدة حلفاءها من مخاطر استخدام معدات الاتصالات التي تنتجها شركة هواوي، وطلبت، في وقت سابق من هذا العام، من مواطنيها بألا يستخدموا هواتف هذه الشركة، كما أطلعَ المسؤولون الأميركيون نظراءهم في بلدان مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان، بالإضافة إلى شركائهم في مجموعة العيون الخمس، على ما يعتبرونه مخاطر محتملة تتعلق بالأمن الإلكتروني.
ومنعت هواوي من المشاركة في تركيب شبكات المحمول جي 5 في نيوزيلندا وأستراليا، (بالإضافة إلى الهند) ومنعت من بيع الهواتف في القواعد العسكرية من قبل البنتاغون في الولايات المتحدة. وفي المقابل، لم تتخذ بريطانيا خطوات مماثلة، رغم أن ألكس يونغ، رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية (أم. آي. 6)، أثار مخاوف أمنية من أن هواوي تشترك في البنية التحتية للاتصالات في بلاده. ولا يوجد حظر رسمي في المملكة المتحدة، لكن بريتيش تيليكوم استبعدت البنية التحتية للاتصالات من هواوي من الجيل الخامس الخاص بها، وأزالت بعض معداتها من شبكة الجيل الرابع.
وفي إشارة إلى منشآت اختبار هواوي في بريطانيا، التي تزخر بالعاملين من ضباط الاستخبارات السابقين، قال يونغر “مع تكنولوجيا الجيل الرابع هناك طرق محددة من التكنولوجيا وقمنا بتطوير تفاهم جيد جدا مع هواوي نستطيع فيه مراقبة ودراسة هذا النوع من عرضهم.. وهذا مستحيل مع الجيل الخامس”. وأشار رئيس “أم.آي.6” إلى أن دخول تكنولوجيا الجيل الخامس سيجعل مراقبة تكنولوجيا هواوي يمثل تحديا أكبر، وهي مهمة صعبة على نحو خاص بسبب دولة الحزب الواحد في الصين. وأضاف السيد يونغر “لديهم في الصين إطار أخلاقي وقانوني مختلف.. إنهم قادرون على استخدام مجموعات من البيانات والتلاعب بها على نطاق يمكننا أن نحلم به فقط.”
ستيفن موشر: “ردة فعل بكين على اعتقال أميرة التكنولوجيا أثبتت أن شركة تصنيع الهواتف الذكية تمثل جزءا من خطة الصين للهيمنة على القرن الحادي والعشرين”