أخبارعالمية

هل يتجه الدبيبة إلى فرض الميزانية من خارج الشرعية البرلمانية

يعقد مجلس النواب الليبي جلسة عامة للنظر في ميزانية الدولة للعام 2021 في ظل تجاذبات وخلافات حادة حول بنود التنمية والتسيير والطوارئ، وذلك في الوقت الذي تطفو فيه على السطح تباينات المواقف حول قضايا لا تزال تراوح مكانها بشأن توزيع المناصب الرئيسية في المؤسسات السيادية.

ولم تحسم بعد ملفات تعيين وزير الدفاع وفق ما تدعو إليه اللجنة العسكرية المشتركة، بالإضافة إلى البند المطروح بقوة والمتعلق بإقرار قرار يشرّع لانتخاب رئيس لليبيا عبر الاقتراع الشعبي الحر والمباشر.

وفشل مجلس النواب الثلاثاء الماضي في إقرار مشروع ميزانية جديد، رغم مشاركة رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة جلسة اليوم السابق.

ويقول المتحدث باسم البرلمان عبدالله بليحق إن لجنة التخطيط والمالية ستقدم تقريرها النهائي بشأن مشروع الميزانية في الجلسة المرتقبة الاثنين بعد اجتماع مع اللجنة الوزارية.

ويضيف بليحق أنه سيتم دعوة كافة الأعضاء إلى الجلسة للبت في مشروع الميزانية وأيضا مناقشة مشروع قانون انتخاب الرئيس بشكل مباشر وتوزيع الدوائر الانتخابية.

وأوضح النائب صالح فحيمة أنه في حال “تعذر الحكومة إنجاز ما طلبه المجلس فسوف يصوت على قانون الميزانية الأسبوع القادم بالتعديلات التي أجراها مجلس النواب على ملاحظات اللجنة المالية”، وهو ما يعني اتجاه البرلمان لفرض إرادته على الحكومة بتمرير مشروع قانون اللجنة المالية الذي ينص على ميزانية بحجم 16.92 مليار دولار أميركي بدل عن ميزانية الحكومة والتي تقدر بـ20.57 مليار دولار.

صالح فحيمة: ميزانية الحكومة أضخم ميزانية تقدم لأي مجلس تشريعي ليبي

وبيّن فحيمة أن الميزانية المقدمة من الحكومة لمجلس النواب هي أضخم ميزانية تقدم لأي مجلس تشريعي ليبي عبر تاريخه، مشيرا إلى أن المجلس أبلغ الوفد الحكومي خلال جلسته مع لجنة المالية أنه إذا لم يتم الالتزام بملاحظات المجلس فإنه سيلجأ للتصويت على الميزانية المعدلة وفق الملاحظات التي أعدها أعضاء المجلس، ووفق التقرير المقدم من لجنة الميزانية بالمجلس.

وبدوره، أوضح عضو مجلس النواب إبراهيم الزغيد أن المجلس طلب التعديل على الميزانية المقدمة من قبل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، وعدلت 4 أو 5 تعديلات، ورغم ذلك ما زالت بصدد التعديل، مشيرا إلى أنه إذا تم اعتماد الميزانية لن تصرف بطريقة صحيحة، لأنها تحتاج إلى أجهزة رقابية تتابع أوجه صرفها مثل جهاز الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة.

وفيما يرفض البرلمان المصادقة على الميزانية بشكلها المعروض عليه، دعا خالد المشري رئيس المجلس الاستشاري، في خطاب رسمي، رؤساء 4 هيئات مالية ورقابية للاجتماع غدا الأحد لمناقشة التطورات المالية في ظل عدم اعتماد الميزانية.

والجهات التي خاطبها المشري هي “محافظ مصرف ليبيا المركزي ورؤساء هيئة الرقابة وديوان المحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وذلك لمناقشة آخر مستجدات الملف المالي في ظل عدم اعتماد الميزانية وزيادة حدة الصرف خارج الميزانية من قبل رئيس الحكومة المؤقتة عبدالحميد الدبيبة”.

ويرى مراقبون أن مجلس الدولة الخاضع لسيطرة قوى الإسلام السياسي ممن تم انتخابهم في العام 2012 وأعيد تدويرهم من خلال اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، دخل على خط الأزمة بهدف التشكيك في ذمة حكومة الدبيبة بما يدعم موقف البرلمان المنعقد في طبرق.

وأبرز رئيس لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة في مجلس النواب عبدالمنعم بالكور أن المجلس في حال رفض مشروع الميزانية المعدل سيتم اللجوء إلى مشروع قانون بديل أعدته اللجنة المالية.

ويتوقع بالكور أن يحظى مشروع الميزانية بالموافقة، لكنه استدرك أن رفض المجلس للميزانية سببه تخصيص مبالغ كبيرة لبعض البنود والتي قد تفاقم من أزمة التضخم وتزيد من المعاناة الاقتصادية للمواطن.

وقال إن “الميزانية تسبب تضخما مركبا.. ولا تقدم شيئا للاقتصاد الليبي”، مشيرا إلى أن المجلس لم يتوافق مع الحكومة حول الميزانية برغم عقد نحو 4 جلسات.

وأضاف أنّ هناك لقاء أخيرا مع الحكومة يوم غد الأحد قبيل جلسة الاثنين لبحث الملف، داعيا إلى تحقيق مطالب مجلس النواب وصياغة ميزانية يتم التوافق عليها “حتى تحرج من تسميهم بالمعرقلين”.

وتواجه الميزانية جملة من العراقيل من بينها حجم المخصصات لباب التنمية، التي يرى النواب أنها كبيرة أكثر من اللازم حيث تصل إلى 23 مليار دينار كرقم واحد دون تبويب أو توضيح لمواطن صرفها، وهو ما لم يحصل في البلاد سابقا.

ويرى النواب المعارضون للحكومة أن خطة المئة يوم التي طرحها الدبيبة خلال جلسة منح الثقة كانت تحتوي على 23 مادة، 83 في المئة منها لا تعتمد على الميزانية، ومع ذلك لم يتم تنفيذ 95 في المئة منها، بالإضافة إلى ملف المناصب الرئيسية في المؤسسات السيادية الذي لم يتم الحسم فيه بعد.

وتطرق أعضاء مجلس النواب إلى “تبويب الباب الثالث (باب التنمية)، وحذف الباب الخامس (باب الطوارئ)”، وهو الأمر الذي “لم تستجب له الحكومة أربع مرات سابقة”، وفق تعبير النائب صالح فحيمة الذي استغرب من إصرار الدبيبة، على تمرير الباب الخامس من الميزانية الخاص ببند الطوارئ والذي يبلغ 884.92 دولار أميركي بحجة صعوبة طلب مبالغ خاصة في حالة حدوث طوارئ في ليبيا.

ويلفت النائب فحيمة إلى أن هذا البند مخالف للمادة رقم 17 من قانون النظام المالي للدولة الذي ينص على أن المبالغ المخصصة للطوارئ تُقر بعد إقرار الميزانية العامة للدولة، وعندما يكون هناك طارئ يدعو لإقرار مثل هذا البند.

وبلغت قيمة الباب المتعلق بالتنمية في مقترح الموازنة نحو 4.42 مليار دولار وهو ما قوبل بانتقادات شديدة نظرا لقصر عمر حكومة الوحدة الوطنية التي ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال بعد ستة أشهر، بالإضافة إلى عدم وجود الظروف الملائمة للبدء في تنفيذ مشاريع تنموية فعلية قبل الانتخابات والانتهاء من توحيد المؤسسات ومنها العسكرية والمصرفية، وتنفي كافة بنود الاتفاق العسكري المبرم في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، إضافة إلى عدم كشف الحكومة عن أبواب الصرف المعتمدة وهو ما لم يحدث سابقا.

مجلس النواب الليبي فشل الثلاثاء الماضي في إقرار مشروع ميزانية جديد، رغم مشاركة رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة جلسة اليوم السابق

أما الباب الثاني والمتعلق بميزانية التسيير الحكومي الخاصة بالوزارات والجهات التابعة للدولة والتي تبلغ 2.65 مليار دولار أميركي فقد رأى النائب عبدالسلام نصية أنها “متضخمة جدًّا، حتى لو كانت الحكومة تشتري بسعر صرف الدولار بالسوق السوداء”. فيما رد وزير المالية خالد المبروك بالقول إنها “أقل من مخصصات حكومتي الوفاق والمؤقتة السابقتين في العام 2019 والبالغة 9 مليارات و4 مليارات على الترتيب، وما استحدثته الحكومتان من مؤسسات وصل عددها إلى 61 مؤسسة، الأمر الذي زاد من تقديرات الإنفاق في الباب الثاني”، وأضاف أن “أغلب المؤسسات تحتاج إلى إعادة تأهيل، ولا توجد أصول في بعض الوزارات”.

ويشير إلى أن “الوزارات التي استحدثتها حكومة الوحدة الوطنية تحتاج دعمًا لتسيير مصروفاتها اليومية”، مضيفًا “كما تضاعفت الأسعار بعد تغيير سعر الصرف، وهذا ما يجب أن يوضع في الاعتبار”.

ولا يقف الخلاف عند هذا الحد، فقد أكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب طلال الميهوب أنه لا يمكن اعتماد وإقرار ميزانية الدولة دون معرفة قدرة الحكومة على آلية صرفها وتنفيذها، موضحا أنه يحق لمجلس النواب مساءلة الحكومة، لافتاً إلى أن كل الحكومات تحاسبها السلطات التشريعية في كل الديمقراطيات والدول.

وجدّد الميهوب تأكيده على ضرورة تعيين وزير لحقيبة الدفاع قبل تمرير الميزانية، وهو ما سبق أن نادى به رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ودعت إليه اللجنة العسكرية المشتركة في خطابين إلى المجلس الرئاسي ومجلس النواب، مشددا على ضرورة عدم تخصيص أي ميزانية للدفاع إذا لم يتم تعيين وزير ووكلاء له، وهو ما لم يجب عنه الدبيبة الذي يريد وزارة الدفاع إلى جانب رئاسته للحكومة.

ووفق مصادر مطلعة، فإن قضية عدم تضمين الميزانية بندا خاصا بمؤسسة الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر، تم تجاوزها عن استحياء، حيث نقل النائب الأول لرئيس الحكومة عن المنطقة الشرقية حسين القطراني أن الدبيبة أكد على أهمية صرف مرتبات الجيش وأنه لا يعمل ضد أحد.

وفيما يستبعد مراقبون أن تنتهي أزمة الميزانية في جلسة الاثنين، بات أمام الدبيبة حلان وهما إما أن يوافق على مشروع المالية المعدل من قبل البرلمان والتي يدفع نحو ميزانية بحجم 76.5 مليار دينار، (16.92 مليار دولار أميركي)، بدل عن ميزانية الحكومة والتي تقدر بـ93 مليار دينار أي ما يعادل (20.57 دولار أميركي)، أو أن يقطع الطريق ويتجه إلى ما نادى به عضو مجلس النواب وعضو ملتقى الحوار السياسي زياد دغيم، وهو تفعيل نصوص الاتفاق السياسي وتقديم ميزانيته إلى المجلس الرئاسي والمصرف المركزي لاعتمادها بما يعني طي صفحة التعامل مع البرلمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى