اقتصاد

هل بوسع اقتصاد المنطقة الصمود أمام التحديات الرقمية

هل بوسع اقتصاد المنطقة الصمود أمام التحديات الرقمية

الأمية والفقر وضعف بنية الاتصالات تحد من توسع البنوك الرقمية في العالم العربي.
لم تعد رقمنة البنوك من دروب الرفاهية في المنطقة العربية، بل أضحت ضرورة في ظل التغيرات التي تشهدها ساحة المصارف عالميا، فضلا عن انتشار التكنولوجيا المالية والتي تتطلب التحول نحو البنوك المحمولة على غرار الهواتف الخلوية، لكن جهود مواكبة الرقمنة تصطدم بتحديات اجتماعية أبرزها انتشار الفقر والأمية في المنطقة وأيضا لصعوبة إقناع الحرفاء بالتخلي عن مصارفهم التقليدية التي يرونها أكثر أمنا.
تونس – ماذا لو أراد شخص إرسال حوالة مالية عاجلة إلى أخيه المقيم حاليا في الولايات المتحدة منذ 7 سنوات لدراسة الطب البشري والتخصص في أحد فروعه الدقيقة؟ ماذا لو احتاج بشكل فوري إلى اثني عشر ألف دولار تنقصه لإكمال الأقساط الدراسية لهذا الفصل في جامعته؟حينها سيكون عليه الامتثال لقائمة طويلة من القواعد المالية والأطر التنظيمية، والالتزام بعدد كبير من الشروط والأحكام التي يطبقها المصرف الذي لديه حساب فيه، أو مكتب الحوالات المالية الذي يتعامل معه في مدينته بالإضافة إلى سلسلة من التشريعات والقواعد والقوانين المالية المحلية والدولية التي تلتزم بها الدولة التي يرسل الأموال منها، وتلك التي ستحط حوالته المالية فيها.لكن مع اكتشاف الرقمنة وما تقدمه من خدمات سريعة حيث تتيح إنجاز الأعمال المتعلقة بالحسابات البنكية عن طريق الاتصال بشبكة الإنترنت من أي مكان تتواجد فيه وفي أي وقت، سينهار بلا شك ولاء الشخص لمصرفه التقليدي بسرعة.وأضحت الخدمات الرقمية تستحوذ على اهتمام الحرفاء في جميع أرجاء العالم، وهو ما يكشف تأثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على قطاع المصارف والاقتصاد الدولي ككل، ففي عالم البنوك الجديدة يكفي الضغط على زر التطبيقات الذكية في هاتفك المحمول حتى تتمتع بالخدمة.وأظهرت دراسة، أجراها الاتحاد الألماني لتكنولوجيا المعلومات “بيتكوم” ونُشرت نتائجها الثلاثاء، أن العروض الرقمية مثل إجراء المعاملات البنكية عبر الإنترنت أو استخدام التطبيقات البنكية صارت مهمة اليوم بالنسبة لـ67 بالمئة من الحرفاء عند اختيار بنكهم. وكانت تبلغ النسبة قبل عام 57 بالمئة. فيما تراجعت عوامل أخرى من حيث الأهمية بالنسبة للحرفاء، مثل توفر الكثير من الفروع للبنك وسرعة الوصول إليها (57 بالمئة)، أو أن يكون البنك علامة تجارية مشهورة (56 بالمئة).
يحيى أبوالفتوح: الفروع الرقمية تقدم خدمات مصرفية لأول مرة في مصر، منها إمكانية صرف الشيكات إلكترونيا
وحسب رئيس بيتكوم أخيم بيرج، رقمنة القطاع المصرفي وتغير سلوك الحرفاء يعنيان تحولا جذريا بالنسبة للبنوك وصناديق الادخار، موضحا أن “هذا يفتح فرصا ضخمة أمام شركات الرقمنة”. ومع الاعتماد على الخدمات الرقمية تتزايد حدة المنافسة بين الكثير من المؤسسات المالية في الغرب، وبالنسبة للمنطقة العربية فإنه يفرض تحديات جديدة على اقتصادها وتحديدا قطاع البنوك المطالب بمواكبة الثورة التكنولوجية في عالم المال والاقتصاد بجدية.

 اندماج رقمي

يجمع خبراء المال والمصارف أن الرقمنة أصبحت مسارا إجباريا وليس توجها اختياريا، حيث من شأن هذا التحول الرقمي المساعدة في إحداث تغييرات إيجابية عميقة في تنظيم وتشكيل الاقتصاد العربي والإقليمي والعالمي وتحفيزه نحو التطور والمساعدة على إنجاز المهام بأقل وقت ومجهود ممكن.ومع دخول مرحلة المصارف الرقمية تحاول الدول العربية مواكبة التطور التكنولوجي وإن بدت هذه المحاولات متباينة. وقدمت الإمارات نموذجا رائدا في الابتكار الرقمي وقد فاز بنك الإمارات دبي الوطني بثلاث جوائز، خلال حفل توزيع «جوائز انفوسيس للابتكار بين عملاء فيناكل 2019”.ويأتي تميز البنك نتيجة نجاحه بمفرده في تأسيس أكثر من 250 واجهة لبرمجة التطبيقات، كما يطمح إلى رفع هذا العدد حتى 600 واجهة بحلول نهاية العام 2020، ويأمل في إطلاق الابتكارات المتسارعة عبر منصة داخلية سريعة وقابلة للتطوير.وتستفيد الإمارات من اقتصادها القوي لمواكبة الاحتياجات الرقمية المتنامية في القطاع المصرفي، لكن يبدو الأمر صعبا في بقية دول المنطقة التي تعاني من تراجع مؤشرات النمو نتيجة متاعب اقتصادية واجتماعية.وتحاول الحكومة التونسية التي يشهد اقتصادها تباطؤا إلى 1.1 بالمئة في الربع الأول من 2019، أن تحقق اندماجا رقميا رغم الصعوبات. ودخل بنك “التجاري” ثم بنكا ‘الإسكان’ و’الأمان’ عالم الرقمنة.وعمل “التجاري بنك” على إطلاق البنك الرقمي الخاص به “ويبنك” في أكتوبر 2018، ليمكّن حرفاءه من تسهيلات متنوّعة وخدمات مختلفة، على غرار إمكانية فتح حساب بنكي عن بعد والقيام بكافة العمليات البنكية، ويوفّر هذا البنك الرقمي حتّى فرصة طلب القروض عن بعد. ويوفّر “ويبنك” أيضا إمكانية التمتّع بالخدمات البنكية والقيام بكافة العمليات المصرفية اليومية عن بعد، مع ضمان السلامة اللّازمة والحصول على جميع المعلومات الضرورية بشكل فوري، وهو عبارة عن تطبيق متوفر على الهواتف الذّكية والإنترنت.لكن يبقى طريق الرقمنة في تونس محفوفا بمخاطر مالية. ويشير رضا قويعة الخبير الاقتصادي التونسي لـ”العرب”، إلى أن “بعض البنوك التونسية قد تلجأ إلى التداين لتحسين عملية الرقمنة”. وربط قويعة نجاح جهود رقمنة البنوك بوعي المواطن باستخدام هذه التكنولوجيا ومدى قدرته على التحكم فيها. ويبقى التحدي الجديد الذي يواجه البنوك هو إقناع الحرفاء بالتحول لها كبنك رئيسي بدلا من استخدام البنك الرقمي كمجرد لعبة رقمية بينما يحتفظون برواتبهم ومدخراتهم في البنوك التقليدية التي يعتبرونها أبطأ لكن أكثر أمنا.وتبيّن دراسة محلية أعدها المعهد الوطني للاستهلاك عام 2018 أن أقل من 4 بالمئة من التونسيين يستعملون الخدمات المالية عبر الهاتف رغم أنّ نسبة نفاذ الهاتف الجوال تبلغ 127.5 بالمئة علما أنه يوجد في تونس نحو 7 مليون هاتف ذكي.ويعتقد قويعة أن “إدراج الرقمنة في تقاليد التونسيين يحتاج إلى وقت مع ضرورة الاستعانة بإمكانات الاتصال والترويج الإعلامي”. وبدوره يقول الخبير الاقتصادي منصف شيخ روحو لـ”العرب” إن “نجاح الرقمنة في تونس يرتبط أساسا بجدية الحكومة ومدى قدرتها على مواكبة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطوير قدراتها في هذا المجال”.

خدمات رقمية متاحة

على الرغم من الصعوبات، قطعت المصارف العربية شوطا لا يستهان به في تدشين فروع إلكترونية لمصارفها تعمل على مدار الساعة دون تدخل عنصر بشري، وتقدم جميع الخدمات المصرفية للمواطن في لحظات بدلا من الانتظار لساعات في طوابير بالبنوك وخلال ساعات العمل الرسمية فقط.وكان للبنك الأهلي في مصر، وهو أكبر البنوك الحكومية، دور في التحول نحو البنوك الرقمية، بعد أن أسس أول أربعة فروع رقمية من خلالها يتم إنهاء كافة المعاملات في أي وقت.ويبلغ عدد البنوك العاملة في مصر نحو 39 بنكا وعدد فروعها حوالي 3910 فرعا موزعة على كافة أنحاء البلاد، ما لكن تبقى مصر بحاجة ماسة إلى فروع جديدة للبنوك بمختلف المحافظات لتقليل طوابير الانتظار. تبلغ الكثافة المصرفية في الوطن العربي نحو 0.4 فرع لكل عشرة آلاف مواطن.وأشار يحيى أبوالفتوح نائب رئيس البنك الأهلي المصري، لـ”العرب” بالقول “نستهدف زيادة عدد الفروع الرقمية للبنك إلى نحو 20 فرعا خلال العام المقبل”.وأضاف أن الفروع الرقمية تقدم خدمات مصرفية تتم إتاحتها للمواطنين لأول مرة في مصر، منها إمكانية صرف الشيكات إلكترونيا، بدلا من الانتظار في طوابير طويلة بالبنوك.ومن الخدمات التي تقدمها البنوك الرقمية الاشتراك في الخدمات المصرفية، مثل خدمات “الأهلي نت”، وتسمح للمواطن بالقيام بجميع حركات السحب والإيداع بين حساباته المصرفية من خلال الكمبيوتر الشخصي في أي مكان في العالم.وطرح البنك الأهلي وعدد من البنوك المحلية خدمة “فون كاش” ومن خلالها يتمكن المواطن من دفع جميع الفواتير والقيام بالتحويلات النقدية عبر جهاز الهاتف الخلوي، دون الحاجة لحمل الأموال النقدية.ويقدر عدد المشتركين في هذه الخدمة بنحو 1.5 مليون فرد، ويستهدف البنك الأهلي زيادة هذا العدد إلى مليونين خلال العام الحالي، لكن لا يزال حجم النقد المتداول خارج البنك المركزي المصري يصل لحوالي 25 مليار دولار، فيما يصل إجمالي حجم السيولة المحلية بالبلاد إلى 140 مليار دولار.ويصل عدد ماكينات الصراف الآلي لنحو 9000 ماكينة، أما عدد نقاط البيع التي تستخدم البطاقات الإلكترونية فهو 64.3 ألف نقطة بيع، ويبلغ حجم بطاقات الائتمان نحو 3.8 مليون بطاقة وعدد بطاقات الخصم نحو 13.2 مليون بطاقة.وأكد هشام عكاشة رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري في تصريحات لـ”العرب”، أن “إطلاق الفروع الإلكترونية يعزز من سعي البنك لتفعيل منظومة الشمول المالي والتي تضمن حركة الأموال داخل المنظومة الاقتصادية بطريقة تدعم معدلات النمو”.التحدي الجديد الذي يواجه البنوك هو إقناع الحرفاء بالتحول لها كبنك رئيسي بدلا من استخدام البنك الرقمي كمجرد لعبة رقمية بينما يحتفظون برواتبهم ومدخراتهم في البنوك التقليدية التي يعتبرونها أبطأ لكن أكثر أمناوبدوره يراهن المغرب على التحول الرقمي لإحداث قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمالية، إذ يعتبر القطاع المالي من ضمن القطاعات التي ولجت عالم الرقمنة مبكرا وأصبحت الخدمات عن بعد أحد المجالات المنافسة بين المؤسسات المالية داخل المملكة.ومن أهداف رقمنة القطاع المصرفي المغربي تسهيل الإجراءات الإدارية البنكية والخدمات البنكية المتنوعة للحرفاء، وتعتبر الرقمنة رافعة أساسية من أجل تحقيق أهداف المخطط الاستراتيجي المقبل للمصرف المركزي المغربي (2019-2023).وحسب مسؤولي وزارة الاقتصاد والمالية المغربية لا يقتصر الأمر على تحويل الوثائق والمعطيات المالية من شكلها المادي إلى الرقمي في الاستراتيجية الجديدة، لكن يجب أن تكون المقاربة أكثر شمولية لرقمنة القطاع المالي، من خلال إعداد نموذج جديد يرتكز على التكنولوجيات الحديثة.وحسب خبراء اقتصاديين فإن المغرب يتوفر على عوامل تحقق رهانه الرقمي كتوسع قاعدة استعمال الهواتف الذكية وتمتعه بشبكة اتصالات متطورة تتيح الإنترنت ذي الصبيب العالي، والإنترنت من الجيل الرابع 4G والألياف البصرية.ونسبة انتشار الهاتف النقال في المملكة من أعلى النسب في العالم بما يصل إلى 130 بالمئة، فيما تفوق نسبة استخدام الإنترنت 65 بالمئة. وكشف استقصاء (فيندكس) لسنة 2017 أن عدد الأشخاص الذين لا يتوفرون على حساب بنكي ويملكون هاتفا نقالا يصل إلى 8 ملايين بالنسبة للنساء و6 ملايين للرجال. وتعد هذه الإمكانيات المادية عاملا مساعدا في تطوير الخدمات المرقمنة في كافة المؤسسات ومنها المصارف.
عوائق اجتماعية وأمنية

لبطاقات الدفع الالكتروني مزايا وعيوب

من أبرز التحديات التي تواجه انتشار البنوك الرقمية في العالم العربي ومن بينها مصر تراجع الثقافة المصرفية وارتفاع معدلات الفقر والأمية، وبالتالي فالبنوك الرقمية لا تخدم إلا الأغنياء فقط.وتشير تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى أن معدلات الأمية في مصر تصل لـ29.7 بالمئة، بما يعني أن نحو 27.6 مليون مواطن لا يجيدون القراءة والكتابة، الأمر الذي يحد توسع منظومة البنوك الرقمية، لأن انتشار الأمية وضعف بنية الاتصالات تحديان أمام القاهرة لدخول عصر الشمول المالي، وتقليل التعامل بالسيولة النقدية في الأسواق ورفع كفاءة حركة الأموال بالمنظومة الاقتصادية بالبلاد.
وأسست القاهرة أول مجلس قومي للمدفوعات الإلكترونية، بهدف خفض استخدام النقد خارج البنوك وتحفيز طرق الدفع الإلكتروني، ومقرر أن تفرض الحكومة غرامات بدءا من أول يونيو المقبل على المدفوعات النقدية التي تتجاوز 500 جنيه (30 دولارا).
وبموجب قرار تأسيس المجلس عممت الحكومة صرف مرتبات جميع الموظفين بالحكومة والبالغ عددهم 5.9 مليون موظف من خلال كروت خصم من خلال البنوك.
ولا يزال الطريق طويلا لدخول عصر البنوك الرقمية في مصر، فقاعدة البالغين تضم نحو 55 مليون مواطن، ما يكشف أن مصر بحاجة للوصول إلى عدد حاملي بطاقات الدفع الإلكتروني إلى نحو 55 مليون مواطن لتعميم مفهوم الشمول المالي.
ومن جهة ثانية يعزو خبراء تردد الحرفاء في التعامل مع البنوك الرقمية إلى المخاوف من تعرض حساباتهم إلى القرصنة الرقمية، لذلك تبقى في نظرهم البنوك التقليدية أكثر أمنا. وسبق أن أقر عدد من أكبر المؤسسات المالية في العالم أنها تعتبر هجمات القرصنة الرقمية خطرا كبيرا حتى لو لم تكن هذه الشركات هدفا مباشرا للهجمات.

تقرير من إعداد:

أمنة جبران / محمد حماد / محمد ماموني العلوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى