الأخبار

منح الجنسية لأبناء اللبنانية المتزوجة من أجنبي ليس تجنيسا

منح الجنسية لأبناء اللبنانية المتزوجة من أجنبي ليس تجنيسا

العديد من اللبنانيات المتزوجات من أجانب تعانين من الحرمان من نقل جنسيتهن إلى أبنائهن ما تسبب في تشتّت العديد من الأسر وحرمان الأمهات من أولادهن.
تثير قضية تمتيع أبناء اللبنانيات من أزواج أجانب بجنسية أمهاتهم والتي تعد من أهم القضايا التي تتعلق بحقوق المرأة في لبنان الكثير من الجدل والخلافات في الأوساط الاجتماعية والسياسية اللبنانية. وتواصل أمهات لبنانيات ومؤسسات المجتمع المدني العمل والنضال من أجل المصادقة على قانون ينصف الأمهات اللبنانيات ولا يحرمهن من الحق في إسناد الجنسية اللبنانية لأولادهن.
بيروت – تراوح مطالب العديد من الأمهات اللبنانيات بإسناد جنسيتهن إلى أبنائهن مكانها منذ سنوات في انتظار إقرار قانون يتيح لهن ذلك، ويناقش المدافعون عن هذا القانون من ناشطات حقوقيات ومؤسسات مجتمع مدني المسألة من زاوية أنه من حق الأم اللبنانية أن تنقل جنسيتها لابنها مهما كانت وضعيتها الأسرية معقدة، وأنه لا بد من التفريق بين نقل جنسية الأم لابنها وبين التوطين والتجنيس.
وفي هذا الإطار قدمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مؤخرا “مشروع قانون يتيح للأم اللبنانية نقل جنسيتها لأولادها” إلى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، في إطار مساعيها للمصادقة عليه بغرض تمكين اللبنانيات المتزوجات من أجانب من منح الجنسية اللبنانية لأبنائهن وتمتيعهم بحقوقهم.
وأثار مشروع القانون الذي يتيح للمرأة اللبنانية نقل جنسيتها لأولادها ردود فعل متباينة وقد وصفه البعض بأنه قانون يميز بين أفراد الأسرة الواحدة، في حين اختلط في تصور البعض الآخر بإجراءات التجنيس أو التوطين، واعتبرت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون روكز أنه “قانون يحترم مبدأ المساواة ويعطي للقاصرين الحق في نيل الجنسية اللبنانية مباشرة، ويعطي الراشدين الذين تجاوزوا عمر الـ18 سنة ولديهم شخصية قانونية، الحق في طلب الحصول على الجنسية خلال فترة 5 سنوات إذا ما استوفوا بعض الشروط، مع حصولهم خلال هذه الفترة على بطاقة خضراء تمكنهم من الاستفادة من الحقوق المدنية والاقتصادية”.
وأردفت روكز مستنتجة “بالتالي، لا يميز هذا المشروع بين الإخوة، إنما يأخذ في الاعتبار المخاوف والهواجس المتعلقة بضرورة المحافظة على أمن الدولة”. وأكدت أنه لا بد من توضيح وجوه الاختلاف بين ما اعتبرته حق المرأة الطبيعي في نقل جنسيتها لأولادها، انطلاقا من مبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور اللبناني، وبين التوطين، وبين التجنيس.
وينطبق مفهوم منع التوطين الوارد في الدستور على جماعات وليس على أفراد، ويعني جعل جماعات معينة تستوطن بلدا معينا، وهو يختلف عن مفهوم منح دولة ما جنسيتها لفرد على طلبه وحسب شروطها حيث تمنح الجنسية اللبنانية من خلال مرسوم.
ويختلف الاعتراف بالحق الطبيعي لوالد أو لوالدة في نقل جنسيته أو جنسيتها إلى أولادهما كليا عن موضوع التجنيس، وفق روكز، التي أشارت إلى أن “قانون الجنسية هو من بين القوانين التي نعمل على تعديلها، لكنه أثار هذه الضجة ولاقى ردود فعل سلبية، بسبب مرسوم التجنيس الذي صدر في العام 1994 وأخل بالتوازن الديموغرافي في مناطق معينة وتسبب في إثارة المخاوف والهواجس لدى البعض، مما انعكس سلبا على الاعتراف بحق المرأة اللبنانية بنقل جنسيتها إلى أولادها فحملوها نتائجه واستمروا في حرمانها من هذا الحق”.
وتطالب الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مع جانب طيف واسع من المنظمات والجمعيات الحقوقية والمدنية بإعادة النظر في قانون الجنسية المعمول به حاليا في لبنان وهو القرار رقم 15 الصادر في العام 1925، بعد 94 سنة.
وتتبنى الجهات المدافعة عن حق المرأة اللبنانية في نقل جنسيتها لأبنائها من زوج أجنبي موقفا يعتبر أنه على الدولة أن تأخذ التدابير اللازمة لمواجهة مشكلات التجنيس والنزوح والتوطين، دون أن يتم تحميل المرأة اللبنانية تداعيات هذه المشكلات ودون الاستمرار في الانتقاص من حقوقها الطبيعية.
وقالت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية “من الضروري أن نطرح هواجسنا ومخاوفنا نحن كمواطنات لبنانيات تجمعنا الأولويات والأهداف نفسها، ومطلوب منا التضامن والتكاتف، لكن القانون اللبناني يفرق بيننا نحن النساء في حقوقنا، في الحضانة والإرث والزواج”. وتساءلت “كيف نريد أن نبني مجتمعا متوازنا ومتضامنا في حين لا يميز القانون فقط بين المرأة والرجل، بل أيضا بين المرأة والمرأة الأخرى؟”.
وتابعت روكز موضحة أن المشكلة الأهم التي تقف أمام إقرار قانون يتيح للأم اللبنانية منح جنسيتها لأبنائها ليست فقط هوية السلطة المخول لها البت في قضايا الأحوال الشخصية، مدنية أو دينية، بل أيضا قوانين الدولة التي تميز بين المواطنين، رغم أن حرمان الأم والمرأة كمواطنة لبنانية من هذا الحق ينتقص من مواطنتها ويعمّق عدم المساواة بينها وبين نظرائها المواطنين الذكور المتمتعين بمواطنتهم الكاملة.
مشروع يهدف للمساواة بين الآباء والأمهات في نقل الجنسية للأبناءمشروع يهدف للمساواة بين الآباء والأمهات في نقل الجنسية للأبناء
وتعاني العديد من اللبنانيات المتزوجات من أجانب من الحرمان من نقل جنسيتهن لأبنائهن ما تسبب في تشتيت العديد من الأسر وتسبب في حرمان الأم من أولادها في بعض حالات الانفصال مثلا، ما جعل المدافعين عن إقرار قانون يتيح للأمهات اللبنانيات إسناد جنسيتهن لأولادهن يعتبرونه حقا طبيعيا وأحد وجوه تحقيق المساواة في الحقوق بين النساء والرجال، والذي يندرج ضمن الدستور اللبناني.
وترى رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أن تبرير رفض حق اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين بنقل جنسيتهن لأولادهن، بأن الاعتراف بهذا الحق يمكن أن يتسبب في حصول اختلال في التوازن الطائفي في البلد ليس تبريرا مقنعا، إذ أن الأرقام تدل على أن عدد اللبنانيين الذين يسجلون زواجا مع غير اللبنانيات، وينقلون إليهن وإلى أولادهن جنسيتهم اللبنانية، يفوق بكثير عدد اللبنانيات المتأهلات من أزواج غير لبنانيين، خصوصا أن القانون اللبناني يقبل بتعدد الزوجات.
وتشير الأرقام إلى أن نسبة زواج القاصرات من النازحات السوريات قد ازدادت بمعدلات مرتفعة، وقسم من هذه الزيجات تم لرجال لبنانيين، كما أن القانون الحالي يتيح التجنيس من الزيجات التي تعقد بين الرجال اللبنانيين ونساء أجنبيات يحصلن على الجنسية اللبنانية بعد مرور سنة على تسجيل الزواج.
وفي المقابل تحرم الأم اللبنانية التي تزوجت بأجنبي من ذلك ومن حق إسناد جنسيتها إلى مولودها بالرغم من أن نقل القيم واللغة والثقافة للأبناء يتحقق الجانب الأكبر منه عن طريق الأم وفق نتائج العديد من الدراسات، وهو ما يجعل المدافعين عن حق هؤلاء الأمهات ينظرون إلى الاعتراف بحقها في نقل جنسيتها إلى أولادها على أنه مستحق.
وأردفت روكز موضحة أنه من ميزات المشروع التي قدمته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أخيرا إلى رئيس الحكومة والذي أرادت من خلاله مواجهة الأزمة ومحاولة التوصل إلى حل لها، أنه أتى بعد مناقشات مستفيضة شارك فيها أعضاء الهيئة المنتمين إلى مختلف الطوائف وإلى مدارس ثقافية وفكرية متنوعة وإلى أحزاب شتى. وتناول هذا المشروع فقط حق نقل الجنسية إلى أولاد اللبنانية ولم يتناول نقل الزوجة اللبنانية جنسيتها إلى زوجها الأجنبي.
وأخذ هذا المشروع في الاعتبار ما يتردد في المجتمع اللبناني من هواجس تمييز بين موضوع اكتساب الشخص الراشد غير المولود من أم لبنانية، الجنسية اللبنانية، وبين حق المولود/ة من أم لبنانية بهذه الجنسية. وتمثل الحالة الأولى، عملية تجنيس أي حصول الأجنبي على الجنسية اللبنانية. أما في الحالة الثانية فهو حق طبيعي للأم اللبنانية في نقل جنسيتها لأولادها.
 في انتظار إقرار قانون التجنيس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى