أخبارعالمية

مقتل سليماني استدراج حرب أم تعديل في قواعد الاشتباك

مقتل سليماني استدراج حرب أم تعديل في قواعد الاشتباك

 

مقتل “ثعلب إيران” ورأس أجنداتها في المنطقة يضع شعارات الثورة ومرشدها علي خامنئي في وضع معقّد يصعب معه الميل إلى خيار المواجهة أو التهدئة، فالمواجهة قد تخرق الخطوط الحمراء التي تسعى طهران للحفاظ عليها مع واشنطن لتثبيت مكاسبها على الأرض في العراق والإقليم، والتهدئة تجعلها في موقف ضعيف يهز مصداقيتها، وتفتح الباب أمام الولايات المتحدة لتنفيذ عمليات نوعية أخرى مثلما تفعل إسرائيل ضد الوجود الإيراني في سوريا.. هل تغامر إيران بالرد أم تترك المبادرة أمام أذرعها في المنطقة مثل حزب الله وحماس والحوثيين وكل منها يعاني من أزمات داخلية عميقة؟

جاءت الضربة الأميركية، التي أودت بحياة قاسم سليماني رئيس فيلق القدس، والرجل الثاني من حيث الأهمية في إيران، أكبر ممّا كان متوقعا، ما يجعل سكوت إيران عنها أمرا صعبا، فهي ستختبر قدرات إيران العسكرية في ظل تصريحات للمسؤولين تقول إنها تطوّرت كمّيا ونوعيّا وقادرة على مواجهة أي هجمات أميركية أو إسرائيلية.

لكن الأهم أن الضربة الأميركية النوعية ستضع شعارات إيران بشأن العداء للولايات المتحدة كـ”شيطان أكبر” وعدو استراتيجي صحبة إسرائيل تحت الاختبار الجدي، فالضربة استهدفت شخصية ذات رمزية لكون سليماني يترأس جهازا يوحي بأنه سيكون مهندس استهداف إسرائيل و”تحرير القدس”، فضلا عن كونه عقلا مدبرا وقائدا ميدانيا لأذرع إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن، أي أنه رأس الحربة في مشروع تصدير الثورة والتمكين للمشروع الإيراني في المنطقة.

ومن المستبعد أن تكون الضربة مجرّد قرار يرتبط بمزاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلما يجري الترويج له، وسط إشارات مختلفة عن تغيّر في المزاج الأميركي تجاه النفوذ الإيراني في العراق والذي بلغ منتهاه في استهداف الوجود الأميركي سواء في القنصلية بالبصرة أو في قواعد عسكرية وخاصة في العملية الأخيرة بالسفارة الأميركية ببغداد، وهي التي أعطت إيحاء قويا بأن إيران كسرت التوازن القائم على الاعتراف المتبادل بالمصالح في العراق.

ما يلفت النظر أن العملية ستقطع مع حالة العداء البارد بين إيران والولايات المتحدة، وهي حالة استمرت منذ أحداث سبتمبر 2001، حيث نشط التنسيق الاستخباري بينهما في مواجهة طالبان والقاعدة، ثم لاحقا في غزو العراق سنة 2003 ليستمر في شكل اعتراف مشترك بالمصالح الميدانية على الأرض.

لكن ذلك العداء البارد توقف بعد أن سعت إيران والمجموعات المسلحة الحليفة لها إلى السيطرة على النفوذ الأميركي وحصره في وجود رمزي محدود بقواعد في مناطق كردية وسنية لا يتجاوز دورها الحرب على الإرهاب التي لم يكن لها من دور عملي في العراق سوى تعبيد هيمنة إيران والميليشيات التابعة لها على السلطة والمرور إلى مرحلة ثانية تقوم على دفع أميركا إلى الرحيل.

نهاية العداء البارد

تأتي هذه الضربة لتعلن عن نهاية “الحرب الباردة” بين إيران والولايات المتحدة في العراق، لتنقلها إلى مرحلة جديدة تقوم على تسجيل النقاط مع الحفاظ على الخطوط الحمراء التي تفرضها توازنات المصالح، ذلك أن إيران تعتقد أن المواجهة الواسعة قد تقود إلى خسارة النفوذ الإقليمي النوعي الذي حققته من خلال الاعتراف بالنفوذ الأميركي وإظهار نواياها في الاستمرار باستراتيجية تقاسم المصالح مع واشنطن.

ولم يكن بإمكان إيران أن تتمدد في اليمن بالشكل الحالي لولا تواطؤ أميركي بدأ من مرحلة إدارة باراك أوباما ووزيره للخارجية جون كيري واستمر مع ترامب الذي اكتفت إدارته بإدارة الوضع كما هو والاستفادة منه لتحصيل مكاسب لشركات بيع الأسلحة بالرغم من أن الرسائل كانت قوية، خاصة مع استهداف سفن النفط ومنشآت أرامكو.

الخطوة الأميركية الجديدة ستتجاوز حال العداء البارد بين طهران وواشنطن في العراق، وهي حالة استمرت منذ اسقاط نظام صدام حسين

وهذه الخطوة هي رسالة تحدّ مباشر لواشنطن ومساس بقدرتها على تأمين حركة الملاحة، فضلا عن حماية مصالح حلفائها، وردع إيران عن استراتيجية التمدد التدريجي واحتلال مساحات نفوذ مستفيدة من التوازنات الهشة إقليميا ودوليا بدخول روسيا وتركيا عسكريا في الملف السوري إلى جانب إيران في وقت كانت فيه الإدارات الأميركية تكتفي بالمراقبة.

بالرغم من التصريحات القوية للمرشد الأعلى علي خامنئي بشأن الانتقام الإيراني لمقتل سليماني، الذي يمثل خط المرشد والوفي لطبيعة ثورة رجال الدين في 1979، فإن حدود التحرك الإيراني محدودة للرد، لاعتبارات مختلفة، وأبرزها أن إيران في وضع صعب بسبب العقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة على قطاعات مثل النفط والمصارف، وهو ما أفضى إلى خسارة المليارات التي كان يمكن لطهران أن توظفها في تطوير إمكانياتها العسكرية وتسليح أذرعها في المنطقة.

الرد المحدود

إن العقوبات خلقت مناخا اجتماعيا صعبا أمام النظام الإيراني، وهو ما كشفت عنه التظاهرات الغاضبة التي باتت تتجدد كل عام، وأن أي تصعيد غير محدود وما يتبعه من خسائر سيوسع دائرة الغضب الشعبي، وقد تتوسع الانتفاضة إلى مرحلة تهدد بقاء النظام.

ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني  عن علي خامنئي قوله، الجمعة، إن اغتيال قاسم سليماني “سيضاعف الدافع للمقاومة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل”.

ويعتقد على نطاق واسع أن إيران ستلجأ إلى ردّ محدود قد يستهدف مواقع أميركية في العراق أو سفنا تحمل العلم الأميركي أو تنقل النفط لحساب شركات أميركية مع إعطاء صبغة احتفالية لهذا الرد وإظهاره وكأنه نصر أو مكسب يهدد المصالح الأميركية.

العراق ساحة ردّ أولى

مقتل سليماني يعلن نهاية "الحرب الباردة" بين إيران والولايات المتحدة في العراق
مقتل سليماني يعلن نهاية “الحرب الباردة” بين إيران والولايات المتحدة في العراق

تتخوف إيران من أن تقود أي مواجهة يتم فيها تجاوز الخطوط الحمراء إلى استهداف مواقعها النووية، وهي مواقع مكشوفة لدى الأميركيين كما لدى إسرائيل، وأي ضربات نوعية يمكن أن تفقدها إحدى أهم الأوراق التي تفاوض بها، أي البرنامج النووي، لتثبيت نفوذها الإقليمي.

ويعطي مقتل سليماني بشكل استعراضي في مطار بغداد، وهو قادم من لبنان ومعه قيادات من الصف الأول أمنيا وعسكريا لمجموعات شيعية موالية لإيران بعضها عراقي والآخر لبناني، إشارة قوية على الانتقال من مرحلة الاشتباك البارد إلى الاشتباك المعلن، ولكن لا مؤشر على أن هذا الاشتباك قد يمس من التوازنات القائمة في العراق، وهو ليس سوى رسالة على أن أميركا لا تقبل بلعب دور ثانوي، أو دور الضيف ثقيل الظل في العراق.

سيكون العراق الملعب الرئيسي لمعركة ردود الفعل التي تحافظ على التوازنات سواء من إيران ووكلائها أو من أميركا التي قد تلجأ إلى ضربات استباقية أخرى بوجه قيادات الحشد الشعبي الذين تدور حولهم شكوك في تنفيذ الهجوم على السفارة الأميركية أو قاموا بدعمه.

وتوحي التصريحات المختلفة لقادة الحشد الشعبي في العراق أن ردة الفعل ستكون بالأسلوب الذي تم به استهداف قاعدة “كي وان” في كركوك منذ أسبوع، أي من خلال هجمات صاروخية قد تطال مواقع أميركية محيطة بالعاصمة بغداد أو في المناطق الكردية شمالا أو في المناطق السنية غربا، والهدف منها تحقيق أضرار ولو رمزية ضد الوجود الأميركي لاسترضاء الشارع العراقي الغاضب بعد مقتل أبومهدي المهندس، القيادي الميداني للحشد الشعبي، وأحد الأذرع الصاعدة الموالية لإيران.

من المستبعد أن تكون عملية قتل قاسم سليماني مجرّد قرار اعتباطي مرتبط بمزاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلما يجري الترويج له

وسيكون الانتقام الرمزي في العراق أمرا سهلا في ضوء قرار واشنطن سحب دبلوماسييها ومواطنيها الموجودين في العراق لمنع أي انتقام، وهي خطوة قد تساعد في تحقيق “بطولة” من إيران أو الميليشيات الحليفة ضد الوجود الأميركي طالما أنها ستستهدف قواعد وتمركزات خالية من الجنود، أو مواقع دبلوماسية دون دبلوماسيين خاصة قنصليتها في البصرة. وقالت وزارة النفط العراقية، الجمعة، إن العشرات من المواطنين الأميركيين العاملين لدى شركات النفط الأجنبية في مدينة البصرة النفطية بالجنوب يستعدون لمغادرة البلاد. كما ناشدت السفارة الأميركية في بغداد جميع المواطنين مغادرة العراق فورا بعد ساعات من مقتل سليماني والمهندس في ضربة جوية.

لكن الملعب الأهم لإحراج الولايات المتحدة سيكون البرلمان إذا نجح في تمرير قانون يطالب بخروج القوات الأميركية من العراق، مثلما تعمل على ذلك إيران والميليشيات الحليفة، وهو إن تحقق سيكون مكسبا نوعيا قد يكون كافيا للرد على استهداف سليماني والمهندس، وتحقيق هدف كان يبدو صعبا في الأشهر الأخيرة.

وفي ظل موجة الغضب بين أنصار الحشد، دعا رئيس تحالف الفتح في العراق هادي العامري، زعيم ميليشيا بدر، “القوى الوطنية لتوحيد الصفوف من أجل إخراج القوات الأجنبية من العراق”، وهو بذلك يسعى لاستثمار الحدث في تحقيق الهدف الأهم بسحب الغطاء القانوني عن الوجود الأميركي في العراق.

والهدف نفسه أشار إليه قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق والمطلوب رأسه أميركيا، حين قال إن مقابل دماء أبومهدي المهندس “زوال كل الوجود العسكري الأميركي بالعراق” وأن مقابل دماء قاسم سليماني “زوال كل إسرائيل من الوجود”.

استهداف إسرائيل

Thumbnail

تقوم استراتيجية إيران في الرد عادة على تحريك أذرعها في المنطقة، وخاصة حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد لاستهداف إسرائيل، ما يتيح للمسؤولين الإيرانيين إرسال رسائل إلى الأميركيين عن أنهم يمتلكون أوراقا متقدمة قد تهدد المصالح الأميركية والحليف الإسرائيلي.

لكن ردا من هذا النوع، وإن كان متوقعا خاصة بعد تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله التي حث فيها “مقاومي العالم” على الرد والانتقام لمقتل سليماني، سيحقق أهدافا عكسية ويقود إلى مواجهة تجنبتها إيران في السنوات الأخيرة خاصة بعد أن بات الاستهداف الإسرائيلي لوجودها في سوريا أمرا معتادا.

وقال نصرالله في بيان إن “القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم”.

ويقول محللون إن أي هجوم صاروخي من حزب الله أو حماس أو الجهاد ردّا على مقتل سليماني سيعطي مبررا لرد إسرائيلي أقوى خاصة أن هذا الهجوم سيظهر الحقيقة التي تحاول هذه الفصائل أن تتهرب منها، وهي أنها تشتغل بالوكالة لفائدة إيران تحت غطاء الدفاع عن غزة أو بيروت.

ولا شك أن أي هجوم من حزب الله على مواقع إسرائيلية سيثير غضبا في الداخل اللبناني حتى من الحزام المسيحي الداعم للحزب، في وقت يكافح فيه لبنان لإيجاد حكومة تكون قادرة على القيام بإصلاحات عاجلة، ولو محدودة، لاسترضاء الشارع الذي باتت السيطرة عليه صعبة، خاصة أن الانتفاضة الأخيرة هدفت إلى الإطاحة بالنظام السياسي الذي يقوم على الطائفية، وهو المناخ الذي ساعد الحزب الشيعي الموالي لإيران على تقوية نفوذه وترسانته العسكرية.

ومن شأن الهجوم على أهداف إسرائيلية أن يغذي الغضب الشعبي ويقوي عزيمته على إسقاط النظام الطائفي الذي يورط لبنان في صراعات خارجية سواء ضد إسرائيل أو في سوريا، وهو ما قد يجد مبررا قويا إذا كان الرد الإسرائيلي مدمرا على شاكلة ما جرى في 2006.

وتمتلك إيران، أيضا، فرصة التنفيس عن غضبها وإظهار قدرتها على الانتقام من خلال إعطاء إشارة إلى الحوثيين، الذين باتوا يهددون أمن الملاحة في البحر الأحمر بتواطؤ صامت من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى ذات نفوذ تقليدي في المنطقة.

ويمكن أن يطال الاستهداف الحوثي أهدافا أميركية، خاصة سفن النفط، أو أهدافا لحلفاء واشنطن، كما أن الغرور الحوثي الذي قوبل في السنوات الأخيرة بصمت دولي يرتقي إلى درجة التواطؤ، قد يذهب إلى تهديد كامل الملاحة في البحر الأحمر وخلق فوضى في المنطقة.

ودعا المتمردون المدعومون من إيران إلى “رد سريع ومباشر” ضد القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة، بعد مقتل سليماني.

وكتب القيادي في الجناح السياسي للمتمردين محمد علي الحوثي على “تويتر”، “هذا الاغتيال مدان والرد السريع والمباشر في القواعد المنتشرة هو الخيار والحل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى