محطات

مغربية تركب أمواج المحيط وتعلم النساء التزحلق

كانت رياضة ركوب الأمواج في المحيط الأطلسي رياضة مقتصرة على الشباب المغربي والسياح إلى أن اقتحمت الشابة مريم الجردوم هذا المجال من صخرة الشياطين في بلدة تمراغت متحدية المجتمع، فأثبتت جدارتها في الرياضة الصعبة وحصلت على ميداليات في البطولات المغربية والأوروبية، واليوم تفتخر بأنها تستقطب فتيات المغرب لركوب الأمواج.

تمراغت (المغرب) – تقف مريم الجردوم على الشاطئ، حيث تلعق مياه المحيط الأطلسي الرمال الناعمة، وترفع ذراعيها في الهواء عاليا وتبعث برسالة لتلميذتها مفادها “الحقي بالموجة”.

وبهذا تشرح مريم للتلميذة أثناء فترة التسخين استعدادا لممارسة الرياضة، مدى أهمية التواصل بوضوح باستخدام إشارات اليد، ويبدو أن الشرح أثمر نتائج طيبة، فقد استطاعت التلميذة أن تدرك الموجة.

تقوم مريم التي تبلغ من العمر 23 عاما بتعليم الراغبين كيفية التزحلق على الماء وركوب الأمواج في بلدة تمراغت المغربية منذ عدة أعوام، وقد صارت هي نفسها مولعة بهذه الرياضة منذ كانت تبلغ من العمر 11 عاما، وتؤكد الألقاب العديدة التي حصلت عليها والبطولات التي حصدتها طوال مسيرتها الرياضية على الساحتين المغربية والأوروبية أنها ماهرة في أدائها وفي قدرتها على تعليم تلميذاتها.
وعادت مريم اليوم إلى المكان الذي بدأت فيه تعلم هذه الرياضة وهو “صخرة الشياطين” الشهيرة، التي تلقى إقبالا من هواة التزحلق على الأمواج.

وقد تعلمت التزحلق على يد ابن عمها زياد الذي يعمل في متجر صغير لأدوات التزحلق، ويعود زياد بذاكرته إلى الوراء، ويقول “كانت مريم تراقبني على الدوام وأنا أتزلج”.

ويضيف “في النهاية أعرتها لوح التزحلق الخاص بي، وشرحت لها أساسيات اللعبة، وتابعت أداءها، وكانت أول فتاة في بلدتنا تقوم بالتزحلق على الأمواج”، ومن هنا تشجعت مريم لتصبح أول امرأة تقدم على ركوب الأمواج في تمراغت، جنبا إلى جنب مع الرجال والسياح.

وفي البداية لم يشعر والداها بالرضا عن قيامها بهذه الخطوة، وأحس الأب بالقلق على نحو خاص إزاء سمعة ابنته ومستقبلها.

وتقول مريم “شرحت له أنني ببساطة لست مهتمة بما يقوم به الفتيان من تناول الكحوليات والسهر والاستمتاع بالحفلات، وأن كل ما أريده هو التزحلق على الأمواج فقط”.

توسيع دائرة راكبات الأمواج
توسيع دائرة راكبات الأمواج

وفي نهاية المطاف، وثق والدها في تصرفاتها وسمح لها بالتدريب مع أشقائها وأولاد عمها وغيرهم من شباب البلدة، ولا يزال اختيارها هذا حتى اليوم هو الاستثناء، حيث أن رياضة مثل التزحلق على الأمواج تبدو شاقة وعنيفة، بشكل يتعارض مع دور المرأة التقليدي في المجتمع.

غير أن زياد يشعر بالتفاؤل، ويقول إن “الذهنية هنا تتغير ببطء، وصارت فتيات كثيرات يرغبن في تعلم كيفية التزحلق على الأمواج، ومن بين الدوافع وراء هذه الرغبة ما حققته مريم في هذا المجال”، وتؤكد مريم هذا التطور من خلال بيانات متابعيها على موقع إنستغرام الذين يصل عددهم إلى 12500، وكذلك الرسائل التي تتلقاها من المعجبين والهواة.

وتعلق مريم على الرسائل التي تصلها بقولها “عندما تقول الفتيات إنني نموذج ملهم لهن، أشعر بالفخر، خاصة عندما أتمكن من إقناع المزيد من الآباء بالانفتاح على فكرة السماح لبناتهم بركوب الأمواج”.
ورغم الشهرة العريضة التي حققتها مريم، فإنها لا تحصل على دخل معقول من الأموال التي تجنيها من ممارستها رياضة التزحلق على الأمواج كلاعبة محترفة، وحتى الآن لا تجد شركة راعية لنشاطها الرياضي، حيث تقول العلامات التجارية الكبرى التي ترعى هذه الرياضة إنها لا تخصص ميزانية “للاعبات”.

ولكي تستطيع أن تحقق دخلا كافيا تعيش منه، تعمل مريم مدربة للتزلج على الأمواج، وتتكسب من هذه المهنة 25 دولارا في اليوم، وعلى حد علمها لا توجد مدربات لهذه اللعبة في المغرب يقدمن دروسا خصوصية سواها وامرأة تقيم بمنتجع الصويرة، وزبائنها الرئيسيون السائحات القادمات من الخارج.

ويتمثل حلم مريم الكبير هذه الأيام في افتتاح مخيم خاص بها لتدريب هواة التزحلق على الأمواج.

بدايات من صخرة الشياطين تتوج ببطولات مغربية وأوروبية
بدايات من صخرة الشياطين تتوج ببطولات مغربية وأوروبية

وتقول مريم “أحب أن أقوم بالتدريب ونقل خبرتي للراغبين في ذلك، وأريد أن أحقق كل أهدافي خطوة بخطوة، فأنا أريد أولا أن أفتتح مدرسة خاصة بي لتعليم التزحلق على الأمواج، ثم في مرحلة تالية أدخل في شراكة مع فندق يمكن أن يلتحق نزلاؤه بمدرسة التزحلق”، غير أن جائحة كورونا عطلت خططها حتى الآن، ولكنها لا تزال تشعر بالتفاؤل.

وتأمل مريم في أن يعود موسم السياحة القادم بنفس القوة التي كان عليها قبل ظهور الجائحة، وأن يحتل المغرب مكانة عالية في رياضة التزحلق على الأمواج الآخذة في الرواج.

وشهدت مريم بشكل مباشر كيف ازدهر نشاط رياضة التزحلق على الأمواج في بلادها خلال بضع سنوات فقط، حيث تم افتتاح المئات من مخيمات التزحلق والنزل ومدارس التدريب بطول الساحل بين منتجع إمسوان ومدينة أغادير، وعلى العكس من ذلك في عام 2003 كان هناك مخيم واحد فقط لهذه الرياضة في بلدة تغازوت.

والناظر من بلدة تمراغت صوب بلدة تغازوت التي تبعد مسافة خمسة كيلومترات باتجاه الشمال، سيرى صفوفا من الفنادق تحت الإنشاء.

ولا تتحمس مريم لفكرة أن تصبح المنطقة مقصدا يعج بالزوار الأثرياء القادمين من المدن المغربية ومن الخارج، ولكنها لا تشعر بالقلق في حالة زيادة أعداد السائحين الراغبين في التزحلق على الأمواج، وتقول “إن نموذج العمل الذي أمارسه يقوم على هذه الزيادة”.

ومع ذلك، تضيف الفتاة أن معظم الراغبين في التزحلق يفضلون المواقع الصغيرة والإقامة مع الأسر من السكان، كما أنهم مهتمون بالثقافة المحلية.

وعلى أي حال ستكون مريم في استقبالهم لتعلمهم كيف يركبون الأمواج.

حلم مريم الكبير يتمثل في افتتاح مخيم خاص بها لتدريب هواة التزحلق على الأمواج
حلم مريم الكبير يتمثل في افتتاح مخيم خاص بها لتدريب هواة التزحلق على الأمواج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى