صحة

محال العطارة في الأردن صيدليات لا تعرف وصفة الطبيب

إربد (الأردن) – تعدّ العطارة من أقدم المهن التي توارثتها الأجيال عبر العصور، إذ يرجع تاريخها لآلاف السنين، وقد استخدم ممتهونها الأعشاب لعلاج الكثير من الأمراض.

لكن مع مرور الزمن باتت العطارة في عداد المهن النادرة، رغم أنها هي الأساس في إنتاج معظم العقاقير الطبية التي توصل إليها العلم الحديث.

في مدينة إربد شمالي الأردن، تتواجد العديد من محال العطارة، يعود تاريخها إلى بدايات القرن الماضي، ورثها أصحابها أبا عن جد، متخذين من الأطباء القدامى؛ ابن سينا وأبقراط وجالينوس، مرجعا لهم، إضافة إلى ما ورثوه عن الآباء والأجداد والتجارب التي احتفظت بها الذاكرة الشعبية.

وبحسب منظمة الصحة العالمية لم يعد بالإمكان غض الطرف عن التقدم العلمي والطبي الذي حققه طب الأعشاب في معالجة العديد من الأمراض المزمنة والمستعصية.

محال لا تخلو من روادها، ممن يروق لهم التداوي بالأعشاب الطبية، التي باتت تعرف بـ”الطب البديل”، بعيدا عن استخدام العقاقير المصنعة في المختبرات شعارهم في إقبالهم عليها، “إذا لم تنفع فإنها لن تضرّ”.

يقول أصحاب محال العطارة، إن مهنتهم لن تندثر ما دام هناك من يشتغل بها من المتعلمين والمثقفين، يدركون أهمية العلاجات الطبيعية التي يبيعونها، لكن هناك دخلاء على المهنة أفسدوا سمعتها بخلطاتهم الفاسدة وبيعهم للأدوية

المهربة، ما جعل العطارين محل مراقبة دائمة من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء التي تؤكد أن البعض من العطارين يمارسون الدجل ويضللون الناس حين يصفون لهم علاجات مضرة، نظرا لقلة خبرتهم وجهلهم بالتفاعلات الخطرة على سلامة المريض، والتي من الممكن أن تحدث جراء استخدامها بشكل خاطئ.

بعض العطارين اعتبر أن المقابل المالي وأسعار الأعشاب والمواد التي يبيعونها لا تقارن بأسعار العقاقير التي أصبحت تفوق قدرة المواطن الأردني، بالإضافة إلى تأثيراتها الجانبية، فيما أكد آخرون أن قناعة الناس بما تحققه تلك الأعشاب من مفعول علاجي أفضل بكثير من غيرها.

الموروث الشعبي له دور كبير في الاعتماد على النباتات الطبية، وهي عبارة عن ممارسة لا تنقرض ولا تنتهي

يقول أحد باعة الأعشاب الطبية، إن معظم زبائنه من كبار السن الذين لا يطيقون التداوي بالدواء االكيمياوي ويفضلون الطب الشعبي وتناول مستحضرات الأعشاب الطبيعية لرخص ثمنها وفعاليتها وتوفرها على مدار أيام السنة.

يقول سميح الصرايرة، أستاذ في كلية الطب، إن الأعشاب الطبية تلاقي إقبالا واسعا من كبار السن لقناعاتهم بتجاربهم السابقة في مسيرة حياتهم بشأن هذه النباتات التي لا تعتمد على الأبحاث العلمية الطبية الدقيقة في خصائص الزيوت المستخلصة من الأعشاب التي تفيد في معالجة بعض الحالات المرضية وتضر في حالات أخرى، محذرا من التداوي بها بشكل عشوائي لتجنب مخاطرها وآثارها الجانبية السلبية على صحتهم.

ولا تقتصر محال العطارة على الزبائن الفقراء من محدودي الدخل، بل أصبحت مكتسبة لشعبية واسعة لدى الأغنياء والمثقفين أيضا.

حسن بيبرس، ورث مهنة العطارة عن أبيه وجدّه، ويعود تاريخ تأسيس محلهم إلى العام 1820، يقول إن متجرهم “من أقدم محلات العطارة في الأردن والشرق الأوسط”.

ويشير، إلى أن المحل “يرتاده المثقفون والمتعلمون، ممن يهتمون بالأعشاب الطبية التي تستخدم في علاج الأمراض المستعصية”.

ويضيف، أنه يعتمد في وصفاته على الخبرة التي اكتسبها من والده إضافة إلى العلم والرجوع إلى بطون كتب الخوارزمي وابن سيناء.

ويتابع، “النباتات أثبتت فعاليتها في علاج الكثير من الأمراض، وأسعارها في متناول الجميع، والأردن مليء بالأعشاب الطبية”.

ويقول بيبرس، إن “هناك الكثير من الأبحاث المتعلقة بالأعشاب في الكثير من الدول التي أصبحت تحتوي على صيدليات متخصصة في هذا المجال”.

ومن أمام أحد المحال، الذي سجل عليه صاحبه تاريخ تأسيسه عام 1926، قال أحد المواطنين (ستيني، رفض ذكر اسمه)، إن “استخدام الأعشاب الطبية يعتمد على قناعة مستخدميها، وهي أفضل من العلاجات الكيمياوية، وقد استخدمت الكثير منها، وغالبيتها مفيدة”.

بعض الصيدلانيين والأطباء، يرون أنّها لا تشكل بديلا للأدوية المصنعة، فالأعشاب ليس لها القدرة على علاج الأمراض المزمنة، وحتى مراكز ومعامل إنتاج الأدوية المستخلصة من الأعشاب والمواد الطبيعية، لا يمكنها إنتاج الهرمونات والمضادات الحيوية على سبيل المثال، وبالتالي اعتماد الطب الشعبي لن يكون بديلا عن الطب الحديث وإنما يبقى مكملا له.

ويبيّن زياد أحمد، صاحب المحل، أن الدكان من أقدم محال العطارة في إربد، وإقبال الناس على أعشاب العطارة كبير جدا، لأنهم يفضلونها على المواد الكيمياوية.

بدوره، يقول خالد الدهون (أربعيني)، الزبون الدائم لمحال العطارة، إنه جاء لشراء عشبة تدعى “حشيشة الدينار”، وتستخدم لعلاج الربو والسعال وحساسية القصبات الهوائية.

ويشير، إلى أنه يؤمن بالأعشاب في العلاج، وليس لها أي آثار جانبية، فضلا عن أنها رخيصة الثمن وفي متناول ذوي الدخل المحدود.

أما ياسين دركل، وهو صاحب أحد محال العطارة في إربد، فيقول إنه يعمل في المحل منذ 27 عاما، وأسلافه امتهنوا العطارة منذ 200 عام، وقد تعلم المهنة من والده الذي ورثها عن جده.

ويضيف، “الموروث الشعبي له دور كبير في الاعتماد على النباتات الطبية، وهي عبارة عن ممارسة لا تنقرض ولا تنتهي، ومعظم الناس يؤمنون بالطب التقليدي والأعشاب”.

ويستدرك، “الناس يعودون إلى طب الأعشاب، لأن بعضهم لا يؤمن بالطب الحديث، وإذا أحسن الشخص اختيار العشبة المناسبة، فالنتيجة حتما ستكون إيجابية”. وبيّن، أن “هناك الآلاف من النباتات الطبية المتداولة، وهي أساس للطب الحديث”.

وتعتبر الأدوية العشبية مصدرا رئيسيا للرعاية الصحية، بالنسبة للكثير من البشر، فهي رعاية قريبة من البيوت ويمكن الحصول عليها بسهولة، كما أنّ لها مكانة في الثقافة والتراث المحليين، ولا تكلف الكثير من المال.

يقوم الشيخ أحمد رابعة بشراء النباتات الطبية من الباعة الذين يجمعونها من مختلف المناطق الأردنية، كالزعتر البري والجعدة والقيصوم والشيح والبابونج والميرمية وإكليل الجبل وبعض الأعشاب الطبية الأخرى في مواسم تكاثرها.

ويقوم بتجفيفها وتخزينها لبقية فصول السنة لندرتها وارتفاع أسعارها لدى العطارين وذلك لاستخدامها في معالجة الأمراض الشتوية وبعض الأمراض الأخرى كحصى الكلى والزكام والرشح وآثار البرد، وليتداوى بها عند الحاجة بدلا من العلاجات الكيمياوية المصنعة، كما يقول.

أما الحاجة حمدة الطراونة فهي تفضل التداوي بالأعشاب الطبية الطبيعية التي تجمعها من السهول وسفوح الجبال لتعدّها على شكل خلطات بعد تجفيفها ليقينها بنجاعتها في التداوي من بعض الأمراض.

ورغم التطور المتسارع في الطب الحديث إلا أنّ الطب الشعبي لا يزال حاضرا في حياة العديد من الأردنيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى