محليات

متلازمة الحزن والحرب في الذات اليمنية

عبد العزيز البدوي
إعلامي

خمس سنوات بالتمام والكمال ،قضيتها كعضو نشط في وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية، خلال تلك السنوات العجاف، لم ألمس من الناشطين اليمنيين أي  توظيف مثالي لتلك المواقع، التي وجدت أصلاً لتسهيل سبل التواصل، والتعليم، والترفيه بقدر ما حولوها إلى مخيمات عزاء يتبادلون فيها الندبة، والرثاء لضحايا النزاع المحتدم منذ عدة سنوات في عموم البلاد.

كثير من أصدقائي الناشطين في فيسبوك، يوميا تعج صفحاتهم بأخبار الموت، وعبارات النأي والتعازي لأقاربهم الذين طحنتهم جبهات الصراع، ونادراً ما تجد في حوائطهم منشورات بعيدة عن فلك الموت المزدهر في البلاد، وآخرين منهم التحقوا بركب القتلى، وتركوا صفحاتهم في مواقع التواصل تشكو ألم الفراق، ووجع الفقدان المرير.

لقد أنجر اليمنيون فعلا إلى مربع الصراع، بما في ذلك المثقفين، وأصحاب الرأي والكلمة، وجروا معهم مواقع التواصل إلى بركة من الدموع والدماء، على حساب حياتهم، وآدميتهم التي ميزها الله عن سائر مخلوقاته في الأرض، لتغدو الحياة نموذجا مصغرا لجحيم القيامة المرتقب، وهذا نتاج طبيعي للنزاع السياسي والطائفي، اللذين يديران المشهد العام السياسي في البلد، نحو مزيداً من التشظي، والاقتتال.

 
أعتقد أنه حان الوقت لمراجعة حساباتنا بخصوص هذا الصراع الأرعن، يمكننا الآن أن ننتصر لآدميتنا بزرع الحب في أفئدة أطفالنا، وإعلامهم بأنهم مشاريع حياة.

المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي في اليمن، سيدرك حجم السوداوية التي أمست تنهش يوميات اليمنيين، وتبني أفكارهم وتوجهاتهم المنشورة في تلك المواقع، وسيكتشف مدى تغلغل الكراهية في الذات اليمنية المنتمية لفصائل الصراع، ذلك أن الساسة وسماسرة الحروب، الذين يقتاتون من الحرب، ويستفيدون من ديمومتها، قد أسسوا منظومة تأجيج كافية لاستمرار النزاع، والدمار في البلد، إذ إن النخبة السياسية قد وجدت في مواقع التواصل وسيلة سهلة لبث سموم التأجيج، والدفع بالأبرياء إلى محارق الموت، مستخدمين أساليب فضفاضة، كالدفاع عن الوطن، ومحاربة الخونة، والعملاء، ونصرة الدين، وغيرها من الخدع القذرة، فيما يكتفوا هم بمشاهدة المآسي من خلف الشاشات الفخمة.

أنا كإعلامي يمني وجدتني كغيري من اليمنيين متقوقع في عمق المأساة، سخرت حساباتي في مواقع التواصل للحديث عن مآسي وطني، ونأي المعارف الذين يسقطون ضحايا لهذه الحرب الأليمة، تركت الكتابة عن الأحلام، والمستقبل، تخليت عن أعمالي الأدبية التي كنت بصدد جمعها في كتاب، قبل أن تطل علينا الحرب، وانحزت لمواجع وطني المغدور، فكمية الدماء التي خضبت الأرض اليمنية، قبل مواقع التواصل، كانت كافية لدفعي لإعلان شيخوخة قلمي مبكراً.

إن توصيفي أعلاه للشكل الذي بدت عليه مواقع التواصل الإجتماعي في اليمن، ليس للسخرية من أوجاع أبناء جلدتي، الذين ينأون موتاهم، ويرثونهم، فليس لي الحق أن أغمط الناس حقهم في الحزن على أحبتهم، بل كان توصيفاً غرضه الإشارة إلى حجم مصيبتنا، تلك التي تسبب فيها الساسة، وتجار الدين، وجرونا خلف عربتها مكرهين، واكتفوا بلعب دور المتفرج المستمتع بمشاهد أناتنا العميقة وجعاً وكبداً.

اليوم وقد تكشفت لنا كيمنيين خيوط اللعبة السياسية، وحجم مقامرة الساسة بحياة فلذات أكبادنا، في سبيل مصالحهم الشخصية، ألم يأن الآوان أن نستجيب لنداء الحب، والحياة، ونترك الساسة والمقامرون يواجهون مصائرهم بأنفسهم؟!

أعتقد أنه حان الوقت لمراجعة حساباتنا بخصوص هذا الصراع الأرعن، يمكننا الآن أن ننتصر لآدميتنا بزرع الحب في أفئدة أطفالنا، وإعلامهم بأنهم مشاريع حياة، وحمل الآخر الذي نختلف معه محمل احترام وإجلال، ونترك تجار الحروب في غيابة القبح يعمهون. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى