مقالات

ما لم يقله ظريف إيران

ما لم يقله ظريف إيران

حيلة حكام طهران، بالاختباء وراء ستار عقائدي انكشفت، وإشعال الحرائق للمشاركة في إطفائها لم يعد مجديا. السياسات التي تنتهجها إيران تجاه جيرانها لن تتغير.
وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، لا يستحي، لذلك يمكن أن يقول ما يشاء، خاصة في حضرة أصدقاء مخلصين للنظام الإيراني.
في زيارته التي بدأها لبغداد يوم الأحد، يقول “ظريف إيران” إن “طهران لديها رغبة في بناء علاقات متوازنة مع كل دول الخليج، بل ويدعو “جيران الخليج” إلى توقيع اتفاق عدم اعتداء.
وبالطبع لم يقل لنا الـ”ظريف”، اعتداء من على من.
هل اعتدت، لا سمح الله، مملكة البحرين على إيران، أم تطاولت الكويت على الجمهورية الإسلامية، أم احتلت الإمارات جزرا إيرانية، أم أطلقت ميليشيات سعودية صواريخ على الأراضي الإيرانية، وسلح اليمن عصابات نشرت الرعب في قلوب الإيرانيين، وهيمن العراق على القرار السياسي والاقتصادي لإيران وبث في ربوعها الفتنة والطائفية؟
ظريف، لم يقل شيئا من هذا، ببساطة لأن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، ما حدث كان عكس ذلك تماما.
الجار الإيراني يحمل مشروعا للمنطقة العربية؛ مشروعا توسعيا قديما، أعيدت كتابته، بعد انتصار الثورة الإيرانية وقيام الجمهورية الإسلامية. محتوى هذا المشروع ليس سرا تتكتم عليه طهران، بل مشروع تتفاخر به، منصوص عليه في الدستور، في المادة (154) من الفصل العاشر، الخاص بالسياسة الإيرانية الخارجية.
المادة تنص على سعي إيران إلى تأسيس حكومة عالمية، ولتحقيق ذلك تمنح إيران نفسها حق التدخل في شؤون الآخرين، دفاعا عن “المستضعفين ضد المستكبرين، ونصرة للحركات التحررية حيثما كانت”.
سعى نظام الملالي، منذ اليوم الأول لتأسيسه، إلى تجسيد هذا الحلم، ومن أجل ذلك أسس الحرس الثوري الإيراني، وأسند إليه مهمة تنفيذ “أوامر إلهية مقدسة”.
جندت طهران ترسانة إعلامية، هدفت من خلالها إلى نشر أفكار عقائدية مذهبية في الدول العربية، تضمنت، إلى جانب المطبوعات والمواقع الإلكترونية، أكثر من 40 قناة فضائية تبث عبر القمرين نايل سات وعرب سات، وفيضا من البرامج والأفلام، ومواد ترفيه وأخرى تعليمية.
المطلوب من حكومة “ظريف إيران” أن تعترف بأخطائها أولا، وأن تكف عن سياسة استنساخ نموذجها الثوري في دول المنطقة ثانيا.
هناك الكثير مما يمكن لإيران أن تفعله، إن هي أرادت أن يصدقها الجار الخليجي.
بإمكان طهران اتخاذ قرار شجاع، خلال ساعات، وتعترف بأنها استولت على أراضي جار لها، تريد أن تبني معه علاقات حسن جوار، فتبادر إلى إعادة طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى، الجزر الثلاث التي احتلتها في نوفمبر عام 1971، إلى الإمارات.
وكان هدف إيران السيطرة على مضيق هرمز، إضافة بالطبع إلى نهب النفط وكميات الحديد في جزيرة أبوموسى.
وبإمكانها وقف مشاريع الفتنة الطائفية التي أشعلتها في مناطق مختلفة، من خلال تنظيمات موالية لها، تنشر الخراب والانقسام، وتؤجج حروبا طائفية أهلية، حتى ليصح القول إن الخراب يسبق إيران حيثما يممت وجهها.
لا يحتاج حكام طهران إلى معجزة لبناء علاقات حسنة، ما يحتاجونه هو الكف عن التدخل في شؤون جيرانهم، وحل مشاكل بيتهم الداخلي قبل التفكير في حل مشاكل الآخرين.
حيلة حكام طهران، بالاختباء وراء ستار عقائدي انكشفت، وإشعال الحرائق للمشاركة في إطفائها لم يعد مجديا. السياسات التي تنتهجها إيران تجاه جيرانها لن تتغير.
إلى أن يتراجع حكام طهران عن غيهم، ويعودون إلى رشدهم، ويقررون إعادة صياغة دستورهم وسياساتهم الخارجية على مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون جيرانهم، فإن مبرِرات القلق العربي مشروعة، وتحتم على العرب العمل سويا لإحباط المخطط الإيراني التوسعي، خاصة أن التدخل الإيراني في المنطقة ضمن لها السيطرة على أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق بيروت وصنعاء.
وكثيرا ما تحدثت طهران عن سعيها إلى استرداد ما تم إنفاقه من أموال، في الساحتين العراقية والسورية، هذا ما كان قد صرح به محسن رضائي، أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، عندما قال إن “بلاده ستستعيد كل دولار أنفقته في سوريا والعراق وفي كل مكان”.
ولأن محسن، هو الآخر مثل ظريف، لا يستحي، فقد أكد “لو أعطينا دولارا واحدا لأحدهم، نقبض ثمنه، ونثبت أقدامنا”.
أصدقاء طهران في بغداد، يتجاهلون ذلك، ويستخدمون لغة دبلوماسية مخففة ليقولوا إن الحصار الاقتصادي لإيران ليس مفيدا، وأن بغداد ترفض التصرفات الأميركية أحادية الجانب.
مع العلم أن رفع العقوبات الاقتصادية سيدخل أكثر من 100 مليار دولار زيادة في الإيرادات إلى الخزينة الإيرانية.
قد يستخدم النظام الإيراني بعضا من هذه الأموال لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، ولكن الجزء الأكبر سيوجه إلى تمويل أنشطة خارجية مسترابة، سيطال بعضها العراقيين حتما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى