الأخبار

ماتيو سالفيني وزير يحلم بأن يكون “ترامب إيطاليا”

ماتيو سالفيني وزير يحلم بأن يكون “ترامب إيطاليا”

أحدث تقليعات ماتيو سالفيني “المساواة في المعاداة”، فقد أوجد لهذه المعاداة سلم درجات وهرم أولويات، حتى أنه خفف من حملاته ضد الجنوبيين من بني شعبه الذين يلقبهم بـ”الكسالى” في سبيل تقوية جبهته اليمينية المتطرفة.
يقيم نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني الاحتفالات بالنصر الذي تحقق لحزبه “حزب الرابطة” في انتخابات البرلمان الأوروبي، خلال اليومين الماضيين. وقال سالفيني في مؤتمر صحافي في مقر الحزب في ميلانو إن نتيجة الانتخابات ستشجع دعواته لإجراء إصلاحات جذرية في الاتحاد الأوروبي.
حزب الرابطة المناهض للهجرة بزعامة سالفيني حصل على ما بين 27 و31 بالمئة من الأصوات، ما يجعل اليمين المتطرّف القوّة الأولى في البلاد.
ويبدو أن سالفيني قد أخذته العزة بالنفس في غياب من يردعه، وبدأ يذهب بالأشياء نحو أقصاها، ظانّا نفسه أنه يتمثل مواطنه “كايوس” أي الإمبراطور كاليغولا، عند بداية القرن الأول في روما، حين عيّن حصانه مستشارا في مجلس الشيوخ وأراد أن يمتلك القمر.
شتان طبعا بين شخصية وجودية دخلت التاريخ، وأخرى تحركها نوازع قومية يمينية، تمارس السياسة على خطى موسوليني الذي خرج من التاريخ، أُعدم في الشمال الإيطالي وعُلّقت جثته في ميلانو، موطن سالفيني اليميني المتطرف.

هوس الشعبوية

زعيم حزب “الرابطة” المناهض للهجرة يصف نفسه بـ”دونالد ترامب الإيطالي”، حسبما نقلت عنه خلال الأسابيع الماضية وكالة أنباء بلومبرغ، وذلك تماشيا مع الهبّة الشعبوية التي تجتاح الكثير من بلدان أوروبا. واليوم، وبعد الانتخابات الأوروبية يتوج سالفيني كأقوى زعيم لحركة سياسية يمينية في بلادهزعيم حزب “الرابطة” المناهض للهجرة يصف نفسه بـ”دونالد ترامب الإيطالي”، حسبما نقلت عنه خلال الأسابيع الماضية وكالة أنباء بلومبرغ، وذلك تماشيا مع الهبّة الشعبوية التي تجتاح الكثير من بلدان أوروبا
أي مسّ أصاب سالفيني؟ فبعد أن كان يتسم بشيء من ضبط النفس في الحكومة الائتلافية الشعبوية في روما معظم العام الماضي، اعتبر زعيم حزب الرابطة المناهض للهجرة، نفسه، منذ أيام قليلة  “دونالد ترامب الإيطالي”، حسبما ذكرت وكالة أنباء بلومبرغ، وذلك تماشيا مع الهبّة الشعبوية التي تجتاح الكثير من بلدان أوروبا، وإمعانا في استثمار كل ما تعانيه بلاده من مشكلات اقتصادية لصالح مشروعه القومي المتطرف.
الحقيقة أنّ التشبه بترامب، شيء أصغر من حجم الوزير الإيطالي الذي تخرج بعد 16 عاما من دراسته للعلوم السياسية، ويحلم بالزعامة في القارة العجوز. غير أن الرجلين، ولفرط حبهما للمزايدة على الأصدقاء قبل الخصوم، قد نجحا في جعل حلفائهما معتدلين، مقارنة بما يستمران في طرحه من استفزازات، في نظر الرأي العام. بدليل أن شريك سالفيني في الائتلاف الحاكم، لويجي دي مايو، من حزب حركة خمس نجوم، يبدو الآن معتدلا أكثر من كونه متمردا، كما أن حليفه رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، صار يدعوه لـ”العودة إلى جادة الصواب، والاشتراك في حكومة من اليمين الوسط”.
ومهما يكن من أمر، فإن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد تبادل أدوار مرَّ خلال حملة الانتخابات البرلمانية الأوروبية، ويريد سالفيني أن يحولها إلى استعراض للقوة لصالح القادة القوميين في أوروبا الذين يحاولون قلب سياسة القارة.
الانبهار بأميركا ليس جديدا على المغامرين الإيطاليين الذين سكنوها منذ أواخر القرن الـ19، وحققوا فيها بعض أحلامهم، لكن سالفيني يمدح ترامب، ويتبنى سياسة بشأن التخفيضات الضريبية ناصحا بوجوب “التحلي بشجاعته” دون الالتفات إلى الاعتراضات والقيود و”الشكوك”، بينما يصف الأميركيون أنفسهم الأخير بأنه أسوأ من مرّ على البيت الأبيض.

اتهامات ومهام

اليوم، بعد الانتخابات الأوروبية يتوج سالفيني كأقوى زعيم لحركة سياسية يمينية في بلادهاليوم، بعد الانتخابات الأوروبية يتوج سالفيني كأقوى زعيم لحركة سياسية يمينية في بلاده
يمضي سالفيني ذو اللحية الخفيفة والهيئة المجارية للشارع البسيط، في الترويج لمشروعه الهادف إلى طرد أكثر من نصف مليون مهاجر، عبر شتى الطرق المتاحة، شرعية كانت أم غير شرعية. لم يجلس هذا الرجل الأربعيني النزق إلى كرسيه أكثر من 17 يوما، منذ بداية العام، وذلك بسبب رحلاته المستمرة إلى مختلف مناطق البلاد حيث شارك، حسب صحيفة “لاريبيبليكا”، في 211 مظاهرة وفعالية نُظمت لدعم المرشحين عن “رابطة الشمال” في الانتخابات.
تلك الجولات “الهستيرية”، ذات الغاية التعبوية الدعائية، تطلبت،  بلا شك، أموالا ووسائط مكلفة. لهذا السبب، فتحت مدعية إيطالية تحقيقا مع سالفيني بشأن استخدامه طائرات شرطة في تنقلاته داخل البلاد، ضمن الحملة الانتخابية لحزبه اليميني. وأعلنت المدعية في محكمة مراقبة الحسابات في مدينة لاتسيو، أندريا لوبي، فتح التحقيق للكشف عما إذا كان سالفيني يستغل أموال الدولة بصورة غير شرعية، مشيرة إلى أن هذا الأمر ليس استثنائيا. ومن جانبه، رفض سالفيني الاتهامات الموجهة إليه، مصرا على أنه لم يستخدم طائرات الشرطة والحكومة إلا “لأداء مهامه الرسمية”.
“المهام الرسمية” بالنسبة لهذا السياسي تتمثل في الدعاية لحزبه الذي يجب أن يسود، وبأي ثمن، وفقا لعقيدته القومية المتطرفة، وهو الذي لم يتوان عن إلقاء خطبه النارية من شرفة كان قد ألقى منها الزعيم الفاشستي موسوليني أحد خطاباته إلى الإيطاليين بحسب مصادر إعلامية إيطالية مطلعة.
 يثير سالفيني خلفه الزوابع أينما حل، ولا يكاد ينتهي من تصريح يتعلق بسياسته الخارجية تجاه دولة ما، إلا واستدعت هذه الدولة سفير إيطاليا لديها قصد التعبير عن استيائها واحتجاجها، فما أن ناصب، هو وحلفاؤه في الحكومة، جارته فرنسا العداء، بسبب تضارب المصالح في ليبيا حين “عبر عن أمله في أن يتحرر الشعب الفرنسي قريبا من رئيس جمهورية بالغ السوء”، حتى تم استدعاء السفيرة الإيطالية لدى فرنسا إلى وزارة الخارجية الفرنسية.
لم يسكت سالفيني ولم يعتذر بل زاد على ذلك بتأييده لحركة “السترات الصفراء” التي تزعزع سلطة الرئيس إيمانويل ماكرون. ولم تحط الحرب الكلام أوزارها بين الجارتين إلى الآن.

الآخر عدو

تصريحات سالفيني غير المنضبطة تسببت، قبل فترة، في أزمة حادة مع تونس، أدت إلى استدعاء تونس السفير الإيطالي لديها، مبدية استغرابها الشديد.واللافت أن أسلوبه في مهاجمة بعض الحكومات، يعتمد المراوغة والمداهنة عبر مغازلات خفية ورشاوى معنوية قد تطرب الشعوب وفئة من النخب السياسية والثقافية، ليصيب من خلالها هدفه كما في تهجمه على الحكومة التونسية بشأن ملف المهاجرين “هذا البلد الحر والديمقراطي، لا يرسل إلى إيطاليا أناسا شرفاء، بل في أغلب الأحيان وبصفة إرادية، مساجين سابقين”.

ويعرف سالفيني كيف “يجرح ويداوي”، مؤلبا طرفا على آخر، في شعبوية تزويرية تحاول مغازلة الشعوب الفقيرة، لكنها تبدو متقنة بعض الشيء بالنسبة لواحد انتظر طويلا كي يتخرج في العلوم السياسية من جامعة ميلانو، مثل قوله “فرنسا هي إحدى الدول التي بسبب طبعها عملات 14 دولة أفريقية، تمنع نموها وتساهم في رحيل لاجئين، وإذا أرادت أوروبا التحلي بالشجاعة فإنه عليها أن تواجه مسألة إزالة الاستعمار من أفريقيا”.

معاداة المهاجرين أصبحت أشبه بالموضة في أوساط الباحثين عن الشهرة، والمتوجسين من شبح الإفلاس السياسي في القارة التي غصت بمشكلاتها فحمّلت أوزارها كل القادمين من الضفة الأخرى. وبما أن ميلانو عاصمة الموضة في إيطاليا، فإن سالفيني يريد أن يتفرد بتقليعة اسمها “المساواة في المعاداة”، وأوجد لهذه المعاداة سلّم درجات وهرم أولويات، حتى أنه خفف من حملاته ضد الجنوبيين من بني شعبه الذين يلقبهم بـ”الكسالى” في سبيل تقوية جبهته اليمينية المتطرفة “رابطة الشمال”، حتى أنه تخلى عن كلمة “الشمال” وبدأ يكتفي بـ”الرابطة” وحدها.

ضعف الرادع

مرسوم جديد للحكومة الإيطالية يفرض غرامات على منظمات إغاثية، عن كل مهاجر تنقذه من مياه المتوسط، وليس مفاجئا أن يقف خلف المرسوم سالفيني ذاته.
مرسوم جديد للحكومة الإيطالية يفرض غرامات على منظمات إغاثية، عن كل مهاجر تنقذه من مياه المتوسط، وليس مفاجئا أن يقف خلف المرسوم سالفيني ذاته

معاداة سالفيني للمهاجرين لا تتوقف عند محاولة منعهم من القدوم عبر شريط يبلغ طوله سبعة آلاف كيلومتر بل يمضي “ترامب إيطاليا” في التضييق على “مكسيكيي المتوسط” عبر غلق المساجد وعدم السماح ببنائها، وهم الذين صلوا في وسط أثري وسط روما للتذكير بأن التاريخ ملك مشاع، وأن “ثقافة الغلادياتور” التي يزج بها في مواجهة السباع على مسارح روما، قد ولّت مرة واحدة وإلى الأبد.

هذه المشاعر التي تحن إلى زمن الفاشية، لا تكتفي بالمنطق التطهيري إزاء المهاجرين وطالبي اللجوء، وإنما تتعداه إلى معاقبة كل من يمد لهم يد المساعدة من المنظمات الإنسانية. إذ أعلنت الحكومة الإيطالية في مايو الجاري، أنها ستقوم بإصدار مرسوم يفرض بموجبه غرامات على منظمات إغاثية غير حكومية، عن كل مهاجر، تنقذه تلك المنظمات من مياه المتوسط، ثم تجلبه إلى الأراضي الإيطالية حسب ما أفادت به صحيفة “الغارديان”.

وأضافت الصحيفة أن المرسوم الذي دفع به وزير الداخلية سالفيني، قدّر الغرامة عن كل مهاجر ما بين 3500 و5500 يورو، فيما اعتبرت منظمات إغاثة أن المرسوم بمثابة إعلان حرب عليها.

وهكذا يتوجب على منظمة أطباء بلا حدود، على سبيل المثال، دفع مبلغ 440 مليون يورو لقاء 80 ألف مهاجر أنقذتهم في مياه المتوسط خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو رقم يفوق إمكانياتها بشكل كبير.

استلام سالفيني لنيابة رئاسة الحكومة الإيطالية، عزز من صلاحياته وشجعه على هذه “العربدة السياسية” في ظل تنامي مشاعر العداء ضد المقيمين الأجانب في أوروبا عموما، بالإضافة إلى ضعف الرادع الذي زادت من تراجعه تهديدات التطرف والإرهاب في الضفة الأخرى، ولكن أليس دعم سالفيني لحكومة طرابلس التي تندس فيها وتحيط بها ميليشيات الإرهاب، جزءا من سياسة “النهي عن الأمر والإتيان بمثله”، أم أنه المصالح البترولية والامتيازات الاستثمارية التي من شأنها أن تخلط الأوراق بين الراعي والذئب والخرفان.

وأخيرا كان الإمبراطور الروماني كاليغولا يقول “ما أصعب وما أمر أن تكون إنسانا”، لكنه لم يقل يوما “ما أجمل أن تكون يمينيا، شعبويا، كارها ومتطرفا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى