مقالات

لماذا اختار ترمب السعودية؟

لماذا اختار ترمب السعودية؟

أمل عبد العزيز الهزاني

بموضوعية، نحاول أن نفهم الموقف الأميركي الجديد من المنطقة، من الإسلام، من السعودية حكاماً وشعباً. نستطيع أن نتفهم لماذا لم يتوجه الرئيس دونالد ترمب في زيارته الأولى للمكسيك، التي يريد أن يسوِّي معها مشكلة الجدار الحدودي لمنع الهجرة غير المشروعة والضغط عليها لدفع ثمن بنائه من خلال فرض ضريبة على البضائع المستوردة. لكن لماذا لم تكن الزيارة للجارة الأخرى كندا، أو لأصدقائه في بريطانيا، أو حتى صديقه الجديد الذي يعول عليه في الصين؟
الزيارة الأولى من الناحية البروتوكولية لها قيمة معنوية ورسالة سياسية ذات مغزى. ولا بأس أن نتذكر أنه حتى باراك أوباما اختار الرياض في أول محطة له في منطقة الشرق الأوسط، وكانت زيارة اعتيادية لتأكيد علاقة الصداقة التي مرت باختبار الزمن وفشلت في ظل رئاسته.
لم ينضب النفط الصخري الأميركي، لم يطرأ ارتفاع كبير على أسعار النفط، وترمب ليس بالرجل الذي يقدم المجاملات، بل إنه من أولئك الذين عاشوا جل حياتهم يفرضون رغباتهم بقوة النفوذ.
الرئيس الأميركي كان مبتهجاً وبلغته القوية أعلن أن زيارته الأولى ستكون للسعودية، هذا خبر سياسي، ثم أردف مفسراً، إنها البلد الذي يحتضن أقدس مكانين لدى المسلمين؛ أي مكة المكرمة والمدينة المنورة، هذا تغير منهجي في توجهه الفكري. يقول إنها زيارة تاريخية، ووزير الخارجية السعودي كذلك يقول إنها زيارة تاريخية، وبالتأكيد أن القصد هو ما سيتم خلالها وليست الزيارة بحد ذاتها.
كيف تغيرت الظروف لصالح المملكة؟ ما الذي تغير؟ الذي تغير هو أساس العلاقة، التي كانت منذ لقاء المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله والرئيس فرنكلين روزفلت عام 1945 مبنية على المصالح الاقتصادية البحتة وضرورة حمايتها.
من وجهة نظري، هناك عاملان متزامنان أسهما في بناء أسس جديدة للعلاقة السعودية – الأميركية؛ أولهما إدراك الجانب الأميركي، وهنا لعب فريق ترمب الأمني والعسكري دوراً كبيراً في إقناع رئيسهم، بأن الحرب على الإرهاب تبدأ من الدولة التي نجحت في مقاومته أكثر من أي دولة أخرى في العالم بما فيها الأوروبية. ويذكر العالم أن الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي تعرض لمحاولة اغتيال في عام 2009، حينما كان مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية في مقر إقامته، من خلال انتحاري من عناصر تنظيم القاعدة ادّعى تسليم نفسه، ونجا منها الأمير محمد بفضل الله بأعجوبة وبإصرار أكبر على محاربة التنظيم. والأمير محمد نفسه يقود جهازاً أمنياً أصبح مثار إعجاب العالم في قوته وتوغله في خلايا التنظيمات المتطرفة، ونال الأمير أخيراً تكريماً بحيازة جائزة جورج تينت للعمل الاستخباراتي المميز، بعد أن سجلت وزارة الداخلية نجاحات متتالية استباقية في وقف تنفيذ هجمات إرهابية وملاحقة العناصر المتطرفة. كما أن فريق ترمب لم ينسَ محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن وقتها عادل الجبير، وافتضح أمر إيران بأنها وراء المحاولة، وأن لها تجارة عبر البحار لتمويل عملياتها من خلال المتاجرة بالمخدرات، ولترمب موقف ثابت ومعلن من الاتفاق النووي الذي اعتبره كارثة على الأمن. وواضح هذا من تصرفات إيران واستمرارها في تجارب صواريخها الباليستية التي عززت فكرة استعدائها وعنادها، وهذا يوفر كثيراً من جلسات الاستماع والإقناع.
ترمب يريد تحالفاً إسلامياً ضد المتطرفين المتشددين من السنة والشيعة، الذين اختطفوا الإسلام الحقيقي كما صرح بذلك، وهذه الزيارة ستحقق له ذلك، لأن بلد الحرمين يحظى بتقدير المسلمين في كل أرجاء العالم وليس المسلمين والعرب فقط، وهذه واحدة من أهم عوامل قوة المملكة.
العامل الآخر المهم هو التغير الحاصل في السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهذه الناحية تم شرحها للرئيس الأميركي من خلال زيارة الأمير محمد الأخيرة للبيت الأبيض. الأموال السعودية اليوم تبحث عن شركاء، لم تعد كما كانت سابقاً ثمناً لبراميل النفط، وهؤلاء الشركاء لا جنسية محددة لهم، مما أعطى ميزة التنافسية بين الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة التي وقع الأمير مع كبريات شركاتها اتفاقيات استثمارية هائلة. الجانب الاجتماعي كذلك يحظى باهتمام كبير من الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، لأن المجتمعات بطبيعتها خلاقة بالأخيار أو الأشرار. واليوم الرياض ليست هي الرياض قبل عامين، لقد أصبحت أكثر انفتاحاً وأقل تحفظاً، باتت تنتعش بالفنون وازدادت مشاركة المرأة في حقول جديدة لم تطأها قدماها من قبل، وأعطيت حرية أكبر في إدارة شؤونها دون ولي أمر أو مرجع ذكوري من أسرتها. والمناخ الفكري في المملكة تغير، أصوات المتشددين التي تنادي بالموت أصبحت تخبو أمام صنّاع الحياة، حتى لغة الوعظ الديني أصبحت أكثر ليناً وتسامحاً، والسعوديون أنفسهم يشهدون ذلك في ساحتهم الحوارية الأشهر «تويتر». وهذه مجرد بداية كما وعد الأمير محمد، والمستقبل يحمل كثيراً من المبادرات والمشروعات التحولية المهمة على المستوى الاجتماعي والثقافي، التي ستنعكس قطعاً على مزاج الرأي العام السعودي، وتعيد بناء ثقافة جديدة مقبلة على الحياة.
وأعيد للتذكير بلقائي مع المستشار السابق للرئيس السابق أوباما لشؤون الإرهاب، حينما سألته عن رؤية 2030، وما الذي قد يؤخر تحقيقها أو يعرقلها، فأجاب أن هناك عاملين؛ الأول الحرب في اليمن، والثاني حاجة السعودية لإدارة أميركية تساعد في الحد من النفوذ الإيراني الذي يستهدف المملكة. الواقع اليوم يقول إن هذين السببين أمسيا في طور التلاشي. حرب اليمن كما ذكر الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع قبل أيام حسمها بات ممكناً في أي وقت، لكنه يتبع استراتيجية تعتمد على الوقت لحماية المدنيين. أما إيران فلا نستطيع القول إلا إنها في أسوأ فتراتها منذ اندلاع ثورة الخميني نهاية سبعينات القرن الماضي، فهي غارقة في الوحل السوري، ومنهزمة في اليمن، وسمعتها الدولية باتت في الحضيض، ولم يقدم لها الاتفاق النووي ما كانت تطمح إليه؛ لم تنتعش اقتصادياً في الداخل، ولم تحقق انتصارات في الخارج، وفقدت حليفها أوباما الذي كان يعول على أن الدبلوماسية مع طهران ستجعلها أكثر تعقلاً.
إيران ومشاكلها لا تحل إلا بطريقة واحدة، تتمثل في مرشد أعلى يمدّ يده لجيرانه وللعالم بالسلام. وهذا أمر يتنافى مع المبادئ التي قامت عليها الثورة، ويجعله ربما في حكم المستحيل.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى