الأخبار

قمة تاريخية بين الكوريتين.. قوة عظمى جديدة تتشكل؟

قمة تاريخية بين الكوريتين.. قوة عظمى جديدة تتشكل؟

أموال وتكنولوجيا سيول تجتمعان مع عقيدة بيونغ يانغ السياسية وسلاحها النووي.
السبت 2018/04/28
نحو عهد كوري جديد

بيونغ يانغ – أشاد زعماء العالم بالتعهد الجريء لزعيمي الكوريتين، الشمالية والجنوبية، كيم جونغ أون ومون جيه- إن، لوضع نهاية رسمية للحرب الكورية ونزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية في أعقاب قمة استثنائية جمعت رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الجمعة بنظيره الكوري الجنوبي مون جيه- إن، في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، أشهر دولتين متجاورتين متعاديتين في العالم.

وتناقضت مشاهد مون وكيم وهما يمزحان ويسيران معا بشدة مع لقطات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية العام الماضي وأكبر تجربة نووية أجراها الشمال والتي أدت إلى عقوبات دولية واسعة ومخاوف من نشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية.

وبتبادل الابتسام والتصافح بالأيدي، التقى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون ورئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن في المنطقة منزوعة السلاح شديدة التحصين بين البلدين، الجمعة، 27 أبريل 2018. وبعد أن زرعا شجرة وكشفا عن حجر كتب عليه “زرع السلام والازدهار”، تعهدا بالسعي لتحقيق السلام.

لكن الصورة التي انطبعت في الأذهان عن زعيمي الكوريتين وهما يجتازان الحدود، يدا بيد، نحو مستقبل آمن، تخفي بين طياتها تساؤلا جوهريا ضاع وسط صخب الإشادات بهذا اللقاء التاريخي، الذي مر بسلام، ولم يفسده زعيم كوريا الشمالية الشاب بتهديداته النووية واستفزازاته، وهذا التساؤل هو: هل نحن بصدد ولادة قوة عظمى؟

القمة تمثل الجولة الأولى التي يمكن أن تؤثر نتائجها على لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي

كان الكوريون الجنوبيون أعدوا تماما لهذا اللقاء حيث يفترض أن تحتل الترسانة النووية الكورية الشمالية مكانا بارزا. وأوضح متحدث باسم مون “درسنا أدق التفاصيل، بما في ذلك الإنارة وديكورات الزهور”.

والرائحة التي عبقت في الغرفة المخصصة للقاء كانت موضوع اهتمام خاص. “فقد نثر على أرضها بصل وفحم، ومراوح تعمل بأقصى قدرتها لامتصاص روائح الطلاء الجديد”.

وقامت الفرق الأمنية الكورية الشمالية باستعداداتها الخاصة، كما أعلنت سيول، فعقمت الكرسي الذي سيجلس عليه كيم لتوقيع الكتاب الذهبي.

وزخر حفل الاستقبال بالرموز. فقد سار الزعيمان على سجادة حمراء وسط حراسة مؤلفة من جنود كوريين جنوبيين بأزيائهم العسكرية التقليدية المزدانة بالألوان.

وفي فترة بعد الظهر، “زرعا” أيضا بصورة رمزية شجرة قرب خط التماس العسكري. ورواها مون بماء جيء به من نهر كوري شمالي عندما فعل كيم الشيء نفسه، إنما بماء أتى به من نهر هان الكوري الجنوبي. ثم قاما بنزهة طويلة في المنطقة المنزوعة السلاح، حتى منصة خشبية زرقاء مرتفعة حيث تحدثا في الهواء الطلق من دون وجود مستشارين.

Thumbnail

حملت هذه القمة مؤشرات كثيرة على أن شبه الجزيرة الكورية تسير في طريق التقارب والوحدة من جديد. وبعد سبعة عقود من الانقسام، يمكن أن تتواجد على خارطة القوى الكبرى، إقليميا ودوليا.

ويبدو أن بيونغ يانغ وسيول أدركتا أن تواصل الخلافات لن يفيد أي طرف، في وقت تتغير فيه خارطة العالم سياسيا واقتصاديا، وأن كل شطر على حدة لن يتمكن من مسايرة هذه التغيّرات، وسيكون مصير كوريا الجنوبية مثل مصير تايوان وهونغ كونغ اللتين ضاعتا وسط صعود الصين، في حين أن الشطر الشمالي سيزداد عزلة، وستغطي عليه عقوبات المجتمع الدولي وستؤثر فيه بشكل أو بآخر.

لكن أن تتحد كوريا الشمالية مع شطرها الجنوبي، حتى وإن لم يكن هذا الاتحاد وحدة جغرافية، بل سياسية واستراتيجية على المديين القصير والمتوسط، فذلك يعني قوة بين طرفين، الأول يمتلك إرادة سياسية حديدية وسلاحا نوويا وجيشا متماسكا والثاني له قوة اقتصادية وتكنولوجية عالمية، وشركات مثل سامسونغ وهيونداي(اليوم تعتبر من أبرز شركات التكنولوجيا في السوق العالمية)، بالإضافة إلى تكنولوجيتها النووية المتقدمة.

قمة استثنائية

Thumbnail

أخفقت قمتان سابقتان بين زعيم الشمال ورئيس الجنوب -كانتا في بيونغ يانغ في عامي 2000 و2007 في وقف برامج الأسلحة الكورية الشمالية أو تحسين العلاقات بشكل دائم.

وبعد أكثر من 11 عاما، التقى الزعيمان الكوريان في قمة كان من أبرز مخرجاتها الإعلان عن العمل من أجل إرساء اتفاق لتحقيق سلام “دائم” و”راسخ” في شبه الجزيرة.

وشمل “إعلان بانمونجوم” -في إشارة إلى المنطقة التي التقى فيها الزعيمان- تعهدات بالحد من التسلح ووقف “الأعمال العدائية” والسعي من أجل إجراء محادثات متعددة الأطراف مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة.

لكن، إلى جانب هذه العناوين العريضة والبراقة حول السلام ونزع السلاح، التي تصدرت العناوين، تم بحث مواضيع من قبيل تبادل الزيارات على مختلف المستويات، البرلمانية والسياسية والدبلوماسية، وكانت البداية من خلال الزيارات الرياضية، عبر دورة بيونغ تشانغ للألعاب الأولمبية الشتوية (فبراير 2018).

وشرح الرئيس الكوري الجنوبي لنظيره الشمالي المشروعات المفيدة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين في حال تنفيذ النزع النووي بوتيرة سريعة ورفع العقوبات الدولية المفروضة على الشمال. كما تم الحديث عن استئناف برنامج لم شمل الأسر المشتتة في الحرب الكورية، وغيرها من القضايا البينية الخاصة، والتي أغفلها العالم المشغول بقضية البرنامج النووي لكوريا الشمالية وصواريخها.

وأصبح كيم أول زعيم لكوريا الشمالية تطأ قدماه الجنوب منذ الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953 بعد أن صافح مون فوق حاجز خرساني قصير يرسم الحدود بين البلدين في قرية بانمونجوم التي تعرف بقرية الهدنة.

ويرى أحمد قنديل، الباحث في الشؤون الآسيوية، أن قمة 2018 تختلف بشكل كبير عن القمتين السابقتين لأنها لا تقتصر على بيانات الرغبة في تحسين العلاقات بين البلدين، إنما تأتي في إطار تغيرات استراتيجية إقليمية ودولية، وإشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إنهاء خطة “الصبر الاستراتيجي”، واتباع كافة الخيارات الممكنة، بما فيها الخيار العسكري، لإيقاف برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية.

Thumbnail

وتأتي القمة قبل أسابيع من لقاء منتظر بين كيم وترامب لبحث نزع السلاح من شبه الجزيرة الكورية. ونقل عن مسؤول مقرب من الزعيم الكوري الشمالي أن كيم أخبر مون في جلستهما الخاصة بأنه جاء إلى القمة لإنهاء تاريخ من الصراع. وتابع المسؤول قائلا إن كيم قال لمون إنه مستعد لزيارة البيت الأزرق الرئاسي في سيول، داعيا مون لزيارة بيونغ يانغ، كما قال إنه يود لقاءه على فترات أكثر تقاربا في المستقبل.

وقبل أيام من القمة، أعلنت بيونغ يانغ عن تجميد التجارب النووية ووقف إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، في خطوة لقيت ترحيبا كبيرا في العالم، خاصة من جانب الرئيس الأميركي ونظيره الكوري الجنوبي، الذي وصف الإعلان بأنه “قرار مهم نحو تحقيق النزع النووي بصورة كاملة وإشارة خضراء ترفع من إمكانية نجاح القمتين بين الكوريتين وبين كوريا الشمالية والولايات المتحدة”.

وأعلن رئيس كوريا الجنوبية في 19 أبريل، أن بيونغ يانغ لم تعد تطرح على الولايات المتحدة “شروطا لن تقبلها”، منها سحب القوات الأميركية من أراضي بلاده، مشيرا إلى أن كل ما تصر عليه كوريا الشمالية حاليا هو “وقف السياسة العدائية إزاءها من قبل الولايات المتحدة وتقديم ضمانات لأمنها”.

تأتي هذه التطورات الإيجابية في ضوء هواجس ومخاوف قادة الكوريتين من أن يؤدي عدم نجاح القمة إلى تشجيع الرئيس الأميركي على شن هجوم عسكري على كوريا الشمالية، وأية خطوة عسكرية دولية ضد بيونغ يانغ ستكون لها تداعياتها على سيول.

ويدرك صانعو القرار في كوريا الجنوبية أن المطالب الأميركية من الجار الشمالي غير مقبولة إطلاقا بالنسبة لكيم جونغ أون. فالأميركيون يطالبون بـ”حل على نمط ليبيا”، أي نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية أولا قبل تقديم ضمانات أمنية أو مساعدات اقتصادية أو حتى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة من جانب الأمم المتحدة، والتي تعد الأقسى في التاريخ.

بينما تدعو كوريا الشمالية إلى التخلي عن برامجها النووية بصورة تدريجية تضمن “تحقيق كل شـيء” مثل ضمان بقـاء النظام، والاعتراف بالدولـة النوويـة الجديدة، ورفـع العقوبات، وتوحيد الكوريتين تحت زعامة شمالية، وإنهاء التهديــد الأميركي. ويعني اقتراح زعيم كوريا الشمالية على نظيره في الجنوب التحرك معا نحو إقامة كوريا موحدة بسلاح نووي ضمنيا ضرب التحالف الاستراتيجي بين سول وواشنطن.

سلام ولكن..

Thumbnail

بعد محادثات استمرت أكثر من ساعة ونصف الساعة خلف الأبواب المغلقة، عاد كيم في الجانب الكوري الشمالي من الحدود قبيل الظهر في سيارة ليموزين سوداء رافقها الحرس الشخصي.

وكان مون استقبل كيم عند خط ترسيم الحدود العسكرية حيث تبادلا الابتسام وتصافحا بالأيدي. وفي لفتة عفوية، دعا كيم الرئيس الكوري الجنوبي لعبور الخط إلى الشمال لفترة وجيزة قبل أن يعود الاثنان مرة أخرى إلى الجانب الكوري الجنوبي من الحدود.

وقال الزعيم الكوري الشمالي الذي ارتدى بذلته السوداء التقليدية “كنت متحمسا للقاء في هذا المكان التاريخي وإنه لأمر مؤثر بالفعل أن تأتي كل هذه المسافة إلى خط ترسيم الحدود للترحيب بي بنفسك”.

وكتب باللغة الكورية في دفتر الزوار ببيت السلام في كوريا الجنوبية قبل بدء المحادثات “تاريخ جديد يبدأ الآن. عهد من السلام”، لكنه يبقى سلاما مزدوج القراءة، فإذا كان المجتمع الدولي ينظر إليه باعتباره ينقذ العالم من حرب نووية على قاب قوسين أو أدنى منها، فلا شك في أن للنظام في كوريا الشمالية قراءة أخرى لهذا السلام.

Thumbnail

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى