اقتصاد

قلق سوداني من ثمن إصلاح الخراب الاقتصادي

الخرطوم – لا تخفي أجواء التفاؤل بتشكيل الحكومة الجديدة، قلق الكثير من السودانيين من تكلفة الإصلاحات الاقتصادية التي ستكون الحكومة مُجبرة على تنفيذها لمعالجة الخراب الاقتصادي الذي خلّفه عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير.

وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أعلن الخميس تشكيلة الحكومة بعد مخاض دام أكثر من أسبوعين، بعد الاتفاق مع المجلس العسكري على أن تدير دواليب الدولة سلطة مدنية.

ويستشعر المواطنون خطر الأزمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها المحتملة مستقبلا بعد أن بعث اقتصاديون بإشارات سلبية تحذر من آثار كارثية ما لم يحدث تغيير جذري في الوضع وبالسرعة المطلوبة لاسيما مع إبقاء العقوبات الأميركية.

وعلى مدى 30 عاما، أورثت حكومة الرئيس السابق عمر البشير، نظيرتها الجديدة اقتصاداً مثقلا بالأزمات المعيشية تتجلّى في شحّ مستمر في السلع الاستراتيجية، وهبوط متواصل في العملة الوطنية، فضلا عن شح السيولة في الأسواق.

وللحصول على اقتصاد مستقر، يبدو رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية وفي مقدمتها المحروقات والقمح، أولى الخطوات نحو الإصلاح.

وتشمل السلع المدعومة مواد أساسية كثيرة على رأسها المحروقات التي تضم البنزين والغازولين وغاز الطبخ، إضافة إلى القمح والأدوية.

وبحسب إحصائيات سابقة، فإن قيمة الدعم على المحروقات بجميع مشتقاتها يصل إلى 2.250 مليار دولار سنويا، فيما يصل الدعم للقمح 365 مليون دولار.

ويؤكد وزراء المالية الذي تعاقبوا في حكومات البشير السابقة، أن الدعم يستفيد منه شريحة الأغنياء من خلال شراء المواد المدعومة بأسعار زهيدة.

ووفقا لآخر دراسة حكومية أجريت عام 2017، كشفت عن تراجع نسبة الفقر بالبلاد إلى 28 بالمئة، بينما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في 2016 أن نسبة الفقر بلغت 36.1 بالمئة.

عبدالله حمدوك: لن نرفع الدعم عن السلع ولن نخصخص الأصول الحكومية
عبدالله حمدوك: لن نرفع الدعم عن السلع ولن نخصخص الأصول الحكومية

وشهدت السنوات الماضية، خفضا في دعم عديد السلع الأساسية، أثار موجة من الاستياء والغضب في الشارع، كما تفجّرت احتجاجات شعبية، فضلا عن ارتفاع كبير في مستوى الأسعار.

وبدأت الخرطوم، تطبيق إصلاحات اقتصادية إبان انفصال جنوب السودان في يوليو 2011 وفقدان 75 بالمئة من الموارد النفطية، ودخول البلاد في أزمة اقتصادية.

وكان آخر خفض في الدعم عن الوقود والكهرباء والأدوية في 2016، شمل كذلك حظر استيراد عدد من السلع، وتعويم سعر الصرف وخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 10 بالمئة.

والشهر الماضي، لفت حمدوك في حوار تلفزيوني، إلى وجود مخاوف لدى المواطنين بشأن رفع الدعم عن السلع.

وقال “لا مخاوف من روشتة صندوق النقد الدولي المتعلقة بتنفيذ إصلاحات اقتصادية”، مشيرا إلى مخاوف البعض من رفع الدعم واتباع المزيد من الخصخصة.

وفي 2017، دعا صندوق النقد، السودان إلى تحرير أسعار صرف الجنيه بالكامل في 2018 وهو ما حصل فعلا، وإلغاء دعم الكهرباء والقمح بين 2019 و2021، كخطوات أولية نحو تحقيق إصلاحات اقتصادية.

لكن حمدوك أشار إلى أنه “لا يوجد خبير يعرف مشاكلنا أكثر منا، وسنعمل على وصفة تُناسب أوضاعنا ليتماشى صندوق النقد الدولي مع رؤيتنا”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي نادر الهلالي، أن العجز في ميزان المدفوعات يصل إلى 4 مليارات دولار، حيث تصل واردات السودان إلى 9 مليارات دولار.

ونسبت وكالة الأناضول للهلالي قوله إن “هناك إمكانية تخفيض العجز إلى مليار دولار في حال قيام حكومة حمدوك برفع الدعم عن المحروقات، الذي يصل ملياري دولار بجانب الدعم على القمح”.

وأشار إلى أن رفع الدعم عن هذه السلع، سيعمل على الحد من تهريبها إلى دول الجوار عقب ارتفاع أسعارها، كما سيعمل على تقليل استهلاكها في الداخل.

إلا أنه أكد أن اتخاذ قرار رفع الدعم، “يحتاج إلى جرأة وشجاعة في ظل الظروف الحالية التي يشهدها السودان”.

في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي، عادل عبدالعزيز، أن هناك حاجة ملحة إلى هيكلة الدعم أو إعادة توجيهه عبر تحديد الفقراء مستحقي الدعم، وتخصيص دعم مالي مباشر لهم بعده رفع الدعم عن السلع.

وأشار إلى أن إحصائيات حكومية، تشير إلى أن الدعم المالي المباشر للفقراء لن تتجاوز كلفته 100 مليون دولار شهريا.

ويرفض الخبير الاقتصادي محمد الناير، الإقبال على رفع الدعم عن السلع في المرحلة المقبلة، مبيّنا أن السياسة تحتاج إلى عدة عوامل لكي تنجح.

وحذّر من مغبّة استمرار ارتفاع أسعار السلع، حال قيام حكومة حمدوك بتنفيذ سياسة الدعم خلال المرحلة المقبلة، وسط تدني أجور العاملين بالدولة، واستمرار نسبة البطالة التي تقدّر بنحو 19 بالمئة.

وأرجع الناير في حديثه مع الأناضول ارتفاع أسعار السلع إلى التطبيق الخاطئ لسياسة التحرير الاقتصادي منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.

وتطرق إلى وجود عدد من العوامل الأخرى المتسببة في رفع الأسعار، تشمل الهبوط المستمر لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية ولا سيما الدولار، وعدم الاهتمام بالمخزون الاستراتيجي للسلع الاستراتيجية.

ويسجل الجنيه هبوطا مستمرا أمام الدولار منذ أشهر، حيث بلغ سعر شرائه في تداولات الأسواق الموازية 69 جنيها عبر النقد، فيما سجل سعر البيع 70 جنيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى