الأخبار

قطر الحالمة بالمونديال تصحو على عالم غيّره الوباء

تحتاج قطر إلى إثبات أن الأموال الكبيرة التي صرفت لاحتضان أكبر حدث كروي في العالم كانت مجدية اقتصاديا وذات فوائد دائمة، لكنّ تحديا آخر فرض نفسه بقوة على الدولة الخليجية ولا يقل خطرا ألا وهو كيفية مواجهتها خطرَ الانتشار الواسع لفايروس كورونا في لعبة تعتمد أساسا على حضور الجمهور.

الدوحة – تجد قطر، التي تستعد لاستضافة مونديال 2022، نفسها أمام واقع عالمي جديد يتغير بسرعة في ظل الانتشار الهائل لوباء كورونا وتأثيراته الاقتصادية الواسعة على شتى المجالات، وسط تساؤلات وشكوك بشأن نجاح الدولة الخليجية في تحقيق الفوائد الاقتصادية المحددة من وراء تنظيم أكبر حدث رياضي في العالم.

ولا تبدو الدوحة قد تجاوزت موجة واسعة تتجدد في كل مرة حول ملفها الحقوقي الذي واكبها منذ فوزها بحق استضافة المونديال قبل نحو عقد من الزمن. وتفرض التغيّرات العالمية والتطورات الصحية، التي بدأت أواخر عام 2019، تحديات إضافية أمام الدولة الخليجية لتحقيق ما كانت ترجوه من الحدث الرياضي الكبير الذي ينظم لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط.

ودفعت المخاوف الدولية من تداعيات الأزمة الصحية على الحدث الرياضي المنتظر بالدوحة إلى إعلان أنها لن تسمح بدخول المشجعين غير الحاصلين على لقاح كورونا. ووعدت في أواخر يونيو الماضي بتوفير نحو مليون جرعة من اللقاحات لمشجعي المنتخبات المشاركة في البطولة الرياضية.

ويقول ريان بول، محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد ستراتفور الأميركي، إنه يتعين على الدوحة في الوقت الذي تكافح فيه التأثير الواسع لكوفيد – 19 أن تقرر ما إذا كانت على استعداد لإحداث تأثير في جاذبيتها الاقتصادية من وراء استضافة كأس عالم أكثر هدوءا في نوفمبر 2022.

ريان بول: على الدوحة أن تتذكر أن العالم صار يختلف عما كان عليه قبل الوباء

ويوضح بول، في تقرير نشره المعهد الأميركي للدراسات والأبحاث الجيوسياسية والاستراتيجية، أنه “يجب على الدوحة الآن أن تتذكر أن العالم صار يختلف عما كان عليه قبل الوباء”.

وعانى الحدث الرياضي الأكبر على مدى سنوات من تعقيدات واتهامات لقطر بالفساد منذ تقديم الملف، بالإضافة إلى مجموعة انتقادات أخرى تتعلق بسوء معاملة العمال أثناء إنجاز مشاريع البنية التحتية للملاعب الرياضية، ومخاوف من أن السياح قد لا يتمكنون من شرب الكحول في في هذه التظاهرة الرياضية، فضلا عن تأثيرات الأزمة الخليجية التي انتهت بـ”بيان العلا” الذي يتضمن اتفاق المصالحة بين قطر والدول الخليجية الذي تم التوصل إليه أوائل هذا العام.

ويرى المحلل بول أن “بطولة كرة القدم العالمية التي طال انتظارها ستكون لحظة الدوحة الكبرى للتألق من خلال تمكين الدولة الخليجية من إظهار مهاراتها في الحوكمة والبنية التحتية الحديثة والثقافة الوطنية المتسامحة”، ولكن هل تحقق ما تعلنه بشأن المنافع الاقتصادية من الحدث؟

تقدر “بلومبرغ إنتليجنس” أن قطر ستنفق حوالي 300 مليار دولار إجمالا على الملاعب ونظام مترو جديد والبنية التحتية السياحية المرتبطة بها، أي ما يقارب ضعف الناتج الإجمالي لسنة 2019، والبالغ 175.8 مليار دولار.

ومن أجل أن يكون استثمار قطر في البطولة الكروية العالمية ناجحا عليها أن تفعل أكثر من مجرد أن “تكون صانعا للأموال لمرة واحدة وتصبح مركزا رياضيا رئيسيا ووجهة سياحية”، حسب رؤية بول في تحليله للخطط القطرية.

وتعتبر قراءة معهد ستراتفور للخطط القطرية المستقبلية بعد تنظيم الحدث الكروي العالمي أن الخطر الذي سيبقى قائما هو أن البنية التحتية التي أنفقت عليها قطر الكثير من الأموال “لن تستغل بعد انتهاء المباريات”، ولن تعود بالفائدة على الدولة الطامحة إلى تنويع مصادر اقتصادها.

وكانت جنوب أفريقيا التي احتضنت نهائيات كأس العالم في 2010 قد واجهت تحديات اقتصادية مماثلة للحدث القطري المنتظر، من حيث أنها راهنت على البطولة لتحقيق عوائد اقتصادية، لكنها وجدت ملاعب غير مستغلة ولم تتغلب البلاد على نقاط الضعف الاقتصادية التي كانت تريد تجاوزها.

ويرى المعهد الأميركي أن تنظيم كأس العالم يمكن أن يمنح قطر دفعة إيجابية تجذب الزوار، بالإضافة إلى ترسيخ الصفقات الاستثمارية والمعاملات التجارية لسنوات قادمة، لكنها ستواجه منافسة كبيرة من قبل السعودية والإمارات المجاورتين على جذب السياح والمستثمرين والشركات.

اختبار الوباء

ملف متعب منذ البداية
ملف متعب منذ البداية

يفرض انتشار الوباء بشكل كبير على الدولة الخليجية تحديات؛ فهي ملزمة بإيجاد حل لعملية تنظيم مونديال آمن، خاصة أنه من المحتمل أن يبقى الفايروس منتشرا في جميع أنحاء العالم بحلول أواخر سنة 2022. وتعرضت اليابان بالفعل لبعض مشاكل استضافة حدث رياضي كبير في خضم الجائحة، كما نظمت أولمبياد طوكيو دون جمهور في الكثير من الألعاب الأولمبية.

لكن الدوحة تعول كثيرا على الجمهور والمشجعين الذين سيأتون إلى الدوحة، ومشاهدة ما قامت بتشييده منذ عام 2010، فهل استعدت حقا لهذا السيناريو؟

يقول الباحث ريان بول إن “استعداد قطر لاستضافة الألعاب بشكل طبيعي مع خطط لفحص الزوار من خلال الاختبار وحتى الاستعداد لتقديم ما يصل إلى مليون لقاح للوافدين الجدد، سيسمح للدوحة بأن تدّعي أنها تبذل كل ما في وسعها لمنع انتشار الفايروس”.

وعلى الرغم من ميزانية قطر غير المحدودة -على ما يبدو- لتوفير السلامة والتوقي من كوفيد – 19 في المونديال فإنه من المحتمل أن تتسرب بعض الإصابات وقد تكون مرتبطة بتفشي الوباء أثناء كأس العالم أو بعده.

300

مليار دولار ستنفقها قطر على الملاعب ونظام المترو والبنية التحتية السياحية استعدادا للمونديال

ولا يمكن لاختبار كورونا أن يحدد جميع الإصابات، بالإضافة إلى أن اللقاحات ستستغرق أسابيع حتى تصبح فعالة. ويقول ريان بول “لو فرضنا جدلا أن قطر ستشتري اللقاحات الأكثر فاعلية، فإن المتغيرات الجديدة الأكثر مقاومة للقاحات لن تظهر من الآن حتى أواخر سنة 2022”.

ويرى الباحث أن “هذه المخاطر الصحية قد لا تزعج الدوحة”، لكن ستكون في موضع اختبار على عكس تجربة معرض إكسبو في دبي 2020، الذي تم تأجيله لمدة عام بسبب الوباء وسينظم في أكتوبر المقبل.

ويعتبر أن ما جرى في ملف قطر، منذ فوزها بحق الاستضافة والاتهامات التي رافقته، يمكن أن يعززه تفشي الوباء وطريقة التعامل معه.

ولا يستبعد الباحث أن تواجه قطر أيضا قيودا قانونية من الدول التي تتبع استراتيجيات صارمة بشأن فايروس كورونا والمقاطعات غير الرسمية من قبل الزوار الذين لا يريدون المخاطرة بالإصابة بالمرض خلال كأس العالم.

ويرى أن “التظاهر بأنه ليس هناك ما هو خطأ في الداخل لا يزال ينطوي على خطر رد فعل دولي عنيف في الخارج”؛ إذ تثير تقارير حقوقية مخاوف بشأن

حقيقة أوضاع العمال الذين يشيدون المرافق التابعة للمونديال، والتفشي الواسع للوباء في صفوفهم.

وتقول وزارة الصحة إن قطر هي واحدة من أفضل عشر دول في العالم من حيث النسبة المئوية للسكان الذين أكملوا التطعيم، مما يعني أنه يمكن تفعيل السياسات الجديدة وجعلها أكثر سلاسة.

وسجّلت قطر أكثر من 220 ألف إصابة بالفايروس بينها 598 حالة وفاة. وتعمل الدولة الخليجية حاليا على إعادة الحياة إلى طبيعتها مع التراجع عن بعض القيود التي فرضتها في وقت سابق لوقف انتشار الوباء.

ما بعد المونديال

يرى الباحث ريان بول أنه في حال أرادت قطر توسيع نطاق الضوابط والقيود بشأن مكافحة كوفيد – 19 فإن “صور الملاعب نصف الفارغة والفنادق الشاغرة تخاطر بجعلها تبدو كبلد صحراوي قاحل وممل على أجهزة التلفزيون التي تبث الحدث في مختلف دول العالم، بدلا من جعلها مركزا اقتصاديا مستقبليا”.

ويعتبر أنه في ظل تلك القيود “سيكون عدد المشجعين والزوار الذين سيعودون إلى بلدانهم الأصلية بقصص إيجابية عن العلامة التجارية القطرية قليلا”، وسيقوض ذلك مكاسب قطر السياحية في مقابل دعم مكاسب دبي المجاورة.

ويقول إنه “على الرغم من أن المستثمرين والشركات قد يطمئنون إلى بروتوكولات الرعاية الصحية في قطر، إلا أن تظاهرة كأس العالم الأكثر هدوءا قد لا تشجع الاستثمارات خشية أن يعكس الحدث الباهت نقاط ضعف أساسية في الاقتصاد القطري”.

ويوضح أنه “بغض النظر عما تفعله قطر للتخفيف من كوفيد – 19 خلال كأس العالم سيتوجب عليها أن تتعامل مع الآثار المستمرة للوباء بعد ذلك بفترة طويلة”.

ولا تشير التوقعات العالمية إلى إمكانية أن تتمكن اللقاحات من إيقاف انتشار فايروس كورونا إلى نهاية العام المقبل، لكنها من الممكن أن تخفف من حدة الانتشار، خاصة أن هناك مخاوف من أن يطوّر الفايروس نفسه أكثر من مرة مثلما جرى منذ اكتشافه.

ويقول ريان بول إنه من المرجح أن تمر البلدان بمراحل تعود فيها القيود في مواجهة الانتشار الجديد للوباء، مشيرا إلى أن هذا الأمر “سيؤدي إلى تقويض استراتيجية قطر التي تعمل على تحويل بنيتها التحتية لكأس العالم إلى ركيزة أساسية لقطاعي السياحة والرياضة”.

ويعتبر أنّ العديد من الفنادق الجديدة في قطر قد تضطر إلى الانتظار مدة أطول حتى تعود السياحة العالمية إلى سالف عهدها.

ولا تتوقع تقديرات الأمم المتحدة عودة السياحة العالمية إلى مستويات ما قبل الوباء حتى سنة 2024. ويقول المحلل بول إنه “بالنسبة إلى قطر قد تشهد السنوات التي تعقب تظاهرة كأس العالم مجرد استمرار للركود الاقتصادي، بدلا من النعمة المأمولة للنمو والاستثمار في القطاعات غير الهيدروكربونية، مما يجبر الدوحة على إيجاد طريقة أخرى لإعداد اقتصادها المعتمد على النفط للمستقبل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى