اقتصاد

قبول المصريين بالأمر الواقع يشجع الحكومة على زيادة الأسعار دون حرج

القاهرة- زادت الحكومة المصرية أكثر من مرة في أسعار بعض السلع والخدمات مؤخرا ولم تجد ممانعة من المواطنين في استيعاب وتفهم دواعيها الاقتصادية عكس مرات سابقة كان فيها رفع سلعة واحدة يمثل منغصا لها خوفا من ردود الأفعال السلبية ما اضطرها إلى التمهيد إعلاميا كي تتجنب معارضته.

ومر إعلان وزارة البترول عن زيادة أسعار المحروقات الجمعة بهدوء وكأنه مسألة عادية، حيث قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية رفع سعر لتر البنزين بنسبة تتراوح بين 3 و4 في المئة، وهو ما يؤدي تلقائيا إلى رفع أسعار سلع وخدمات مختلفة مرتبطة بالمحروقات.

ودرجت الحكومة على اختيار يوم الراحة الجمعة لتمرير قراراتها التي جاءت هذه المرة وسط إجازة عيد الأضحى، وامتدت نحو عشرة أيام، وهي فلسفة تتبناها منذ فترة وعرفها المصريون لدرجة صنعت لدى فئة منهم مخاوف تسمى “ليلة الخميس” حيث يتخذ القرار فيها.

واتخذت لجنة التسعير قرارها الخميس بعد أن استعرضت متوسط أسعار خام برنت في السوق العالمية وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه للفترة من أبريل إلى يونيو العام الجاري باعتبارهما “أهم مؤثرين ومحددين لتكلفة إتاحة وبيع المنتجات البترولية في السوق المحلية بخلاف الأعباء والتكاليف الأخرى”.

سعيد صادق: الاستقرار دافع لتقبل الزيادة قياسا بأزمات المحيط الإقليمي

وتعمل اللجنة على إيجاد آلية تُوفّر رؤية مستقبلية حول اتجاه أسعار المحروقات بالسوق المحلية، وتوفر قدرا من المرونة لتمكين الحكومة من تقديم خدمة جيدة للمواطنين.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق إن وزارة البترول روّجت لوجود لجنة لمراجعة الأسعار بصفة دورية وفقاً لتطورات الأسعار العالمية لتسهل عملية تقبل قراراتها خاصة أنها جاءت هذه المرة محدودة نسبيا.

وأضاف صادق في تصريح لـ”العرب” أن المواطنين يدركون صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي فرضها انتشار فايروس كورونا وتوابعه، بجانب أن غالبية الدول المحيطة تعاني أزمات أمنية واجتماعية وقد يكون الاستقرار الراهن في مصر دافعا لتقبل الزيادة البسيطة.

وكانت آخر مرّة رُفعت فيها أسعار المحروقات في أبريل الماضي ضمن عملية الإنهاء التدريجي لدعم منتجات الوقود في إطار برنامج إصلاح مدعوم من صندوق النقد الدولي.

وحقق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة المصرية تقدما ملموسا على الرغم مما صاحبه من زيادة كبيرة في الأسعار.

وتخوّفت دوائر مصرية من خطوات رفع أسعار المحروقات في البداية وما يمكن أن تحدثه في الشارع من تأثيرات سلبية تقود إلى غضب المواطنين، استنادا إلى حوادث سابقة اضطرت معها الحكومة للتراجع عن إجراءات فرض غرامات باهظة على البنايات السكنية المخالفة، وقبلها رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق في القاهرة بصورة مبالغ فيها.

وتعلمت الحكومة من دروس ونتائج رفع أسعار السلع والخدمات والضرائب ولجأت إلى تحريكها بشكل محدود وعلى فترات متقاربة من دون صخب على منصات التواصل الاجتماعي.

ويقول مراقبون إن الحكومة لم تترك خيارات للرفض أو الاحتجاج في الشارع على الأزمات الاقتصادية بعد أن قوضت إجراءاتها الصارمة الفضاء العام وقلصت مساحات الحركة فيه بداعي تحاشي تكرار ما حدث في أوقات سابقة من قفز قوى إسلامية لاستثمار الحراك السياسي في الشارع ومفاقمة الأوضاع وليس حلها.

اللجنة قررت رفع سعر لتر البنزين بنسبة تتراوح بين 3 و4 في المئة، وهو ما يؤدي تلقائيا إلى رفع أسعار سلع وخدمات مختلفة مرتبطة بالمحروقات

ويضيف هؤلاء أن العزف على وتر استفادة الإخوان من الأزمات جرى توظيفه اقتصاديا بالإشارة إلى دول عربية أصابها طوفان الغليان وكادت تتفتت وحدتها بسبب ارتفاع منسوب الاحتجاجات والتظاهرات ما يسّر عملية تقبل الارتفاعات المتتالية في أسعار الكثير من السلع والخدمات.

وفرضت التوجهات الرسمية على المواطنين إعداد خطط تقشفية للتعامل مع ارتفاعات الأسعار المتتالية، ما أسهم في امتصاص بعض الأزمات التي يجري التعامل معها من خلال تكييف أرباب الأسر لأوضاعهم أولا بأول وليس عبر الاحتجاج والرفض والتظاهر.

وقالت ربة منزل مصرية، رفضت ذكر اسمها، إنها تتقبل الزيادة المحدودة في أسعار المحروقات طالما أن المسألة مرتبطة بالعرض والطلب ولا علاقة لها بمزاج الحكومة التي تحرص حاليا على الإعلان عن تفسيرات منطقية لقراراتها بشأن المحروقات.

وأشارت إلى أن الخوف يأتي من الزيادات الجانبية، فأجرة التاكسي الذي تستقله من منزلها لأيّ مكان تذهب إليه لن ترتفع بالنسبة ذاتها بل بأكثر من ذلك، ما يجعل أيّ ترفيع في سعر المحروقات يصطحب زيادة أكبر في سلع أخرى.

وأكد وزير التنمية المحلية المصري محمود شعراوي الجمعة عدم زيادة تعريفة ركوب سيارات النقل الجماعي والسرفيس والتاكسي بجميع المحافظات بعد تعديل أسعار البنزين من لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى