الأخبار

غضب السلطة يلاحق الملاهي الليلية

الجزائر – وضع القضاء الجزائري، مطرب الملاهي الليلية المدعو “بيلو” في الحبس المؤقت، تحسبا لمحاكمته على خلفية إساءته لرئيس البلاد عبدالمجيد تبون والترويج لتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية، الأمر الذي أثار لغطا لدى الشارع الجزائري بين مرحب بدعوى ردع الانزلاقات الأخلاقية، وبين مدين للعمل على اعتبار أن قمع السلطة طال كل شيء بما فيها الملاهي الليلية.

وحقق تسجيل تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي أرقاما قياسية من عدد المشاهدات، يقدم أغنية يؤديها الفنان المدعو “بيلو”، في حفل زفاف، يعبر فيها عن خيبته في الرئيس تبون، ويدعو بالترخيص لتجارة المخدرات والمهلوسات وإلى الهجرة السرية.

وحققت أغنية “راني مغبون دارها بي تبون (إني محبط، فعلها بي تبون)”، التي رددها في ملاه ليلية وحفلات خاصة انتشارا واسعا في شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد إحالة صاحبها إلى السجن، بتهم عديدة، لكن أبرزها إهانة رئيس البلاد.

ومن مغني ملاه ليلية وصالات، تحول “بيلو”، إلى رمز سياسي معارض، معيدا بذلك تعاطي السلطة مع الفن والأغنية المنتقدة لها تحديدا إلى الواجهة، لتطرح بذلك مسألة الحريات مجددا، خاصة في ما تعلق بحدود حصانة المؤسسات ورموز الدولة من النقد.

تعاطي السلطة الجزائرية مع الفن والأغنية المنتقدة لها عاد إلى الواجهة، خاصة في ما يتعلق بحدود نقد رموز الدولة

وعلى رغم بساطة الأغنية وجمهورها الشبابي المنغمس في همومه اليومية مع البطالة والسكن والتهميش، فإنها عبرت عن عمق الأزمة المعقدة التي يعانيها المجتمع الجزائري، خاصة في ظل استشراء المخدرات والمهلوسات والرغبة الجامحة في الهجرة بكل الوسائل، هروبا من وطن لم يعودوا يحسون فيه بالأمن والدفء.

“إنني محبط، فعلها بي تبون”، بهذه الكلمات تترجم الأغنية صوتا جزائريا بدأ يتوسع في الآونة الأخيرة للتعبير عن انتكاسة قوية مني بها الجزائريون، بعد الآمال القوية التي بعثها فيهم الحراك الشعبي العام 2019، فقد كان هؤلاء يأملون في تغيير شامل للمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن المخرجات أفرزت عكس ذلك تماما.

كما تحمل شعورا بالندم على زمن مضى، يترجمه مقطع يقول فيه “أعيدوا لي بوتفليقة ينحي علي الضيقة (ينزع عني الضيق)”، وإن ترددت في صالة مغلقة في حفل زفاف، على رقصات شبان الكثير منهم لم يكن في وعيه، بمن فيهم صاحب الأغنية، إلا أن ارتداداتها السياسية كانت قوية وحملت رسالة لكل من يريد توظيف فنه في انتقاد رمز أو مؤسسة رسمية.

Thumbnail

واستغرب المتعاطفون مع الشاب “بيلو”، قرار إحالته إلى السجن، وتساءل العديد منهم في شبكات التواصل الاجتماعي عن سر سماع السلطة بأغنية فيما تضرب الصمت على احتجاجات المدن والمحافظات الجنوبية، وعن المطالب الاجتماعية لسكانها، في إشارة إلى عدم تحرك السلطات المركزية لحد الآن لاحتواء الموقف، واكتفائها بإقالة مسؤولين محليين في دائرة التشغيل.

مسار الأغنية السياسية في الجزائر طويل، منذ زمن الحزب الواحد (1962- 1988)، كان على رأسها الفنان الأمازيغي الراحل معطوب الوناس، لكن القبضة طالت في السنوات الأخيرة، حتى الأغنية الناقدة، حيث سبق للفنان الشعبي عزالدين، من مدينة الشلف، أن تعرض للسجن بسبب أغنية انتقد فيها والي (محافظ) الولاية، وأزمة السكن.

وظل الفنان عزالدين، الذي رحل خلال السنوات الأخيرة، عنوانا لغطرسة كوادر السلطة في التعاطي مع الرأي أو الصوت الناقد لها، ولا زال محفوظا ومربوطا في ذاكرة عشاقه بالسجن وأزمة السكن، ليلتحق به “بيلو”، الذي يكون قد انتخب الرئيس تبون، لكنه انقلب عليه في الأغنية المذكورة.

وتشكل الأغنية بشكل عام في الجزائر، إحدى وسائل الدعاية والتأييد، فكثيرا ما وظفت خلال العقود الماضية في استمالة الشارع لخطاب السلطة ومشاريعها السياسية، فقد سبق لفنانين أن تغنوا بـ”الثورة الاشتراكية” و”الثورة الزراعية” ثم الصمود في وجه الإرهاب والمصالحة الوطنية، غير أن فنانين آخرين تمردوا على الخط فلقوا مصيرا غير سار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى