الأخبار

طهران تخسر “المهندس” لولاء الحشد الشعبي

طهران تخسر “المهندس” لولاء الحشد الشعبي

بغداد – نجحت الإدارة الأميركية مطلع العام الجديد في ضرب عصفورين بحجر واحد حين تمكنت عبر غارة جوية من قتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وكذلك معاون قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس.

لقد كانت الخسارة الإيرانية عقب هذه التطورات الأخيرة مضاعفة؛ فقد خسرت في آن واحد، أوّلا، سليماني مهندس مختلف أنشطتها المزعزعة لاستقرار دول الشرق الأوسط، وثانيا خسرت إلى الأبد أحد أهمها رجالها في العراق المهندس الذي يشرف على إحدى أهم ميليشياتها، الحشد الشعبي.

لقد كان معاون قائد قوات الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس الذي قتل فجر الجمعة بهجوم صاروخي أميركي، رجل طهران في العراق والعدو الشرس للولايات المتحدة.

ويوصف المهندس في الساحة العراقية بأنه من الأوفياء للثورة الإسلامية الإيرانية وبكونه بات اليوم والعراق يشهد احتجاجات متمرّدة على النفوذ الإيراني، من أهم ورقاتها المراهنة على إخماد الاحتجاجات عبر التسويق المتكرر بأن واشنطن هي العدوّ رقم واحد للعراقيين وليست إيران.

ويعد المهندس من أكثر الأطراف الموالية لإيران تورّطا بإصدار أوامر لعناصر كتائب حزب الله بالاعتداء على المتظاهرين، والتصدي لهم في موجة الاحتجاجات الأخيرة في العراق.

وقتل المهندس واسمه الحقيقي جمال جعفر آل إبراهيم، في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد، أسفرت كذلك عن مقتل صديقه الحميم الجنرال الإيراني واسع النفوذ قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

أبومهدي المهندس متهم بإدارة شبكات تهريب أسلحة وبالمشاركة في تفجير سفارات أجنبية ومحاولات اغتيال

ويؤكد المراقبون أن واشنطن كانت تدرك مدى خطورة أبومهدي المهندس ولذلك كانت غارتها الجوية دقيقة وباحثة عن تخليص العراق من إحدى الشخصيات التي لعبت أدوارا هامة في نسج شبكة من الميليشيات تنطق باسم إيران وتأتمر بأوامرها في العراق.

ولطالما وصفت الإدارة الأميركية رجل إيران بأنه بـ”الإرهابي”، وهو أحد المطلوبين للسلطات القضائية الكويتية والأميركية والشرطة الدولية بعد اتهامه بتفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت في ثمانينات القرن الماضي.

كما كان المهندس أحد أهم المطلوبين لمحكمة الثورة بعد أحداث عام 1979 في العراق، الذي غادره بعد تسلم الرئيس العراقي السابق صدام حسين السلطة، لكنه لفت انتباه الجميع في السنوات الأخيرة بعد أن أصبح من أهم المقربين من قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

وجاءت الضربة بعد أيام قليلة من قيام أنصار وعناصر من الحشد الشعبي كان المهندس معهم، بمهاجمة مقر السفارة الأميركية في بغداد، الأمر الذي أثار غضب واشنطن.

عرف المهندس المناهض بشدة للوجود الأميركي في العراق، بعلاقاته الوثيقة القديمة مع إيران وتتهمه واشنطن بأنه أبرز وكلائها من الفصائل الشيعية العراقية الذين خططوا لهجمات صاروخية ضد قواعد عسكرية تستضيف جنودا ودبلوماسيين أميركيين في العراق.

إيديولوجيا تخدم مصالح إيران
إيديولوجيا تخدم مصالح إيران
وتتزايد التخوّفات بعد هذه الخطوة الأميركية، من تصاعد التوتّر بين واشنطن وطهران، وهما حليفتان لبغداد، وسط مخاوف من تحول العراق إلى ساحة صراع بين الدولتين.

وقال الباحث المختص بشؤون الجماعات الشيعية المسلحة فيليب سميث، إن “المهندس كان الدليل على كيفية قيام إيران ببناء شبكتها من الوكلاء في العراق”.

وأضاف أنه “مرتبط بكل الشبكات الرئيسية لإيران في العراق. لا نظير له. إنه تجسيد مثالي لنفوذ

إيران في العراق”. ولد المهندس عام 1953 في البصرة بجنوب العراق، وكان يحمل الجنسيتين العراقية والإيرانية ويتقن اللغة الفارسية.

وقد كان في ثمانينات القرن الماضي أحد القادة البارزين لفيلق بدر، القوة التي شُكلت في إيران من مقاتلين عراقيين لدعم إيران في الحرب ضد نظام صدام حسين (1988-1980).

وصدر حكم بالإعدام على المهندس في 1983 في الكويت لتورطه في هجمات استهدفت سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، لكنه فر من هناك.

بعد الغزو الأميركي للعراق الذي أطاح بنظام صدام حسين، أصبح المهندس لفترة قصيرة عضوا في البرلمان العراقي عقب انتخابات عام 2005.

ساعد المهندس في تأسيس كتائب حزب الله، الفصيل المتشدد المدعوم من إيران الذي اتهمته الولايات المتحدة باستهدافها، ونفذت سلسلة ضربات ضد مواقع له قبل أيام تسببت بمقتل 25 مقاتلا.

وفرضت الولايات المتحدة في 2009 عقوبات على المهندس وكتائب حزب الله واعتبرتهما “إرهابيين”.

وتتهم واشنطن الرجل بأنه يدير “شبكات تهريب للأسلحة وشارك في تفجير سفارات أجنبية ومحاولات اغتيال في المنطقة”.

ووصف الخبير في معهد واشنطن للأبحاث مايكل نايتس، المهندس بأنه “العدو اللدود الأول للولايات المتحدة”، حتى أنه أكثر عداء من كل الفصائل المؤيدة لإيران في العراق.

وعلى الرغم من أن فالح الفياض، مستشار الأمن الوطني العراقي، هو قائد الحشد الشعبي، كان المهندس إلى حد كبير، حسب مراقبين، القائد “الحقيقي” لهذه الهيئة التي شكلت بفتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، بصورة أساسية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

وقال نايتس إن “المهندس عمل بجد على تطوير الحشد لجعله منظمة لا تخضع لقيادة كاملة من رئيس الوزراء ولا تتبع لقوات الأمن التقليدية”.

ودمجت هذه القوة في وقت لاحق مع القوات الأمنية العراقية الرسمية، لكن ما زالت بعض فصائلها المتشددة، وبينها كتائب حزب الله، تمارس نشاطات مستقلة عن بغداد.

وكان المهندس يتمتع بولاء قواته على الأرض والسيطرة على الموارد المالية للحشد الشعبي، ما جعله “الجهاز العصبي المركزي” لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في العراق، بحسب ما وصفه نايتس العام الماضي.

كما كان المهندس مستشاراً شخصياً للجنرال سليماني، وكانا يظهران سوية في العديد من المناسبات والمناطق الساخنة. كان المهندس يطلق لحية بيضاء بينما شعره الأبيض مرتب دائما، ويضع نظارات.

على الرغم من موقعه المهم في الحشد الشعبي، نادراً ما كان يظهر في العلن أو يتدخل في السياسة. وقد خرج عن صمته العام الماضي باتهامه الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء سلسلة انفجارات غامضة استهدفت قواعد للحشد الشعبي.

ورأى نايتس أنه من غير الواضح من سيعيّن في مكان المهندس، موضحا أنه سيكون من الصعب العثور على شخص يؤمن بالأيديولوجيا نفسها ويقيم العلاقة نفسها مع إيران.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى