اقتصاد

طرح مطار للبيع يعكس فشل شراكة تركيا مع القطاع الخاص

يتابع المحللون تحركات داخل تركيا لطرح مطار إقليمي في غرب البلاد للبيع عبر الشركة المشغلة، في خطوة اعتبروها تمثل إدانة نادرة لنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتي تعوق موارد الدولة المالية. وقالوا إنه يروي قصة فشل تجربة الحكومة في إمكانية الحفاظ على استدامة مشاريع البنية التحتية مستقبلا.

إسطنبول- يختزل طرح شركة آي.سي إجتاش التركية والتي دخلت في شراكة مع الحكومة قبل تسع سنوات، مطار ظافر الواقع غرب البلاد للبيع، تبديد أنقرة للمال العام في مشروعات بلا جدوى ورسخ انطباعا بين الكثير من المحللين بأن السياسات المتبعة جعلت البلد في ورطة مالية حقيقية ستفاقم الديون.

وكشف مدير المطار عبدالله كيليس في مقابلة مع وكالة بلومبرغ أن الشركة التي قامت بأعمال بناء المطار وتشغيله تنتظر عروض الاستحواذ بعد تراجع المسافرين بسبب الأزمة الصحية. وقال “نحن مستعدون لنقل المطار إلى أي طرف يدفع لنا ما استثمرناه ويتحمل الدين”.

وبُني مطار ظافر بتكلفة تزيد على 59 مليون دولار، ويقع على بُعد نحو 374 كيلومتراً جنوب إسطنبول، وكادت الحركة أن تتوقف فيه إبان تفشي الوباء.

أوغور إيميك: الصعوبات التي تمثلها المشاريع ستظل تؤرق تركيا لسنوات

وقبل تفشي الجائحة سجّل المطار نحو 6 في المئة من المستوى المستهدف البالغ 1.3 مليون مسافر، وهو أقل ما يسمح لآي.سي إجتاش بالحصول على مدفوعات مضمونة من الحكومة. وبالكاد ارتفع عدد المسافرين فوق سبعة آلاف منذ بداية 2021.

ويقول المنتقدون إن أوجه القصور لدى مطار ظافر بمثابة دليل على كيفية تبديد حكومة رجب طيب أردوغان أموال دافعي الضرائب عبر تخصيص 140 مليار دولار لمشاريع تشمل الطرق ومحطات الطاقة والمستشفيات ضمن الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وهذا الاتجاه يخلق في الكثير من الأحيان ما يسمى بـ”الأفيال البيضاء”، وهو مصطلح للتدليل على الاستثمار الحكومي أو الخاص في مشاريع ضخمة التكلفة غير مجدية اقتصاديا، بعدما تدفع الشركات المشغلة أموالا طائلة.

وتترقب السوق التركية الأسوأ من ذلك، إذ إنه في حال عدم تحقيق نقطة التعادل المستهدفة فإن ذلك يشكل عبئاً على أنقرة لا تستطيع تحمله.

ويقول أوغور إيميك، المسؤول السابق بمجلس تخطيط الدولة المنحل حاليا إن حساب الالتزامات الطارئة، وهي طريقة يستخدمها صندوق النقد الدولي للنظر في أسوأ السيناريوهات، يُظهِر أن تركيا ستواجه سداد فاتورة ما يعادل خُمس قيمة اقتصادها البالغ 729 مليار دولار، إذا لم تحقق المشروعات عوائد خلال ربع القرن القادم.

ورغم أن هذه نتيجة نظرية، لكن إيميك، أستاذ الاقتصاد في جامعة باشكنت في أنقرة، يعتقد أن الصعوبات التي تمثلها المشاريع ستظل تؤرق تركيا لسنوات قادمة.

وقال “إنهم يضرون بالقدرة التشغيلية والميزانية للحكومات القادمة. وحتى الآن، تشكل المدفوعات المتعلقة بمستشفيات مدينة أنقرة ثلث ميزانية وزارة الصحة”.

وثمة أمثلة على المشاريع الأخرى لاستنزاف الأموال، فحسب صحيفة “خبر ترك”، اضطرت الحكومة إلى تقديم ضمانات بنحو 2.2 مليار ليرة (250 مليون دولار) العام الماضي لمشغلي طريق شمال مرمرة السريع البالغ طوله 400 كيلومتر ويمتد من إسطنبول إلى ولاية صقاريا.

كما اضطرت إلى دفع 190 مليون دولار في النصف الثاني من 2020 لطريق جبزي – إزمير السريع الذي يربط إسطنبول بميناء إزمير على بحر إيجة.

عدم تحقيق مطار “ظافر” للعوائد دليل على تبديد الحكومة أموال دافعي الضرائب في مشاريع خاسرة

وبينما يؤكد حزب الشعب الجمهوري المعارض أن تركيا ستدفع ثلاث مرات ثمن الطاقة من محطة أكويو النووية الروسية عند اكتمالها خلال السنوات القليلة المقبلة، يتمسك حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، بصواب سياساته الاقتصادية.

ويقول ياسر كيركبينار، عضو لجنة الميزانية في البرلمان عن الحزب الحاكم، إن الحكومة ستواصل الدفاع عن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. واعتبر أن “مطار ظافر يمثل جزءاً صغيراً من نظام نجح فيه 70 في المئة من المشاريع”.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أنه منذ أن تولى أردوغان رئاسة الوزراء في 2003، أطلقت تركيا 181 مشروع حكوميا مع القطاع الخاص، جرى تصميم أكثر من نصفها وفق نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية.

ويستلزم الكثير منها ضمانات دفع حكومية تستند إلى توقعات متفائلة حول الاستخدام المستقبلي على مدى فترات تقاس عادة بعشرات السنوات.

وخصصت الحكومة ميزانية قدرها 3.5 مليار دولار من هذه المدفوعات هذا العام، وهو مبلغ يقول إيميك إنه من المرجح أن يكون أعلى بسبب انخفاض قيمة الليرة التي تراجعت بنحو 11 في المئة مقابل الدولار منذ بداية 2021.

ويتفق محللون على أن الافتقار إلى الشفافية بشأن الالتزامات الطارئة يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى حكومة ظلت موازنتها العامة تتسم بالمرونة حتى مع انتقال البلاد من أزمة إلى أخرى.

ودعا صندوق النقد الدولي مرارا أنقرة إلى تقديم المزيد من المعلومات حول عملياتها شبه المالية، كما حثها على زيادة الرقابة على الشراكات، لكن يبدو أن حكومة أردوغان لا تكترث بذلك ولا تعي مدى انعكاسات صمتها على المدى البعيد.

وتقدر قيمة الشراكة بنحو 600 مليون دولار لكل مشروع، وقد وصلت إلى أعلى متوسط حجم استثمار بين جميع الدول الناشئة. ويمكن للالتزامات الأخرى، بما في ذلك الواردة من صندوق ضمان الائتمان الحكومي، أن تضع المزيد من الضغط على المالية العامة.

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في يناير الماضي إنه رغم أن نسبة الدَّين العام الرسمية منخفضة نسبيا، فإن التكلفة المحتملة للالتزامات الطارئة التي تنتج عن الإجراءات شبه المالية تشكل مخاطر تصاعدية بالنسبة إلى القدرة على تحمل الديون.

بُني مطار ظافر بتكلفة تزيد على 59 مليون دولار، ويقع على بُعد نحو 374 كيلومتراً جنوب إسطنبول، وكادت الحركة أن تتوقف فيه إبان تفشي الوباء

وفي ما يتعلق بمطار ظافر، فإن المزاج العام ليس كذلك، إذ يتجاهله السكان المحليون لصالح المطارات الأخرى الأقرب إلى مراكز زيارة المعالم السياحية مثل إسكي شهير، على بُعد 113 كيلومترا.

ويؤكد كيليس “شركتنا لم تتلق أي عائد من مطار ظافر حتى يومنا هذا، بل بالعكس، نضطر إلى ضخ رأسمال جديد فيه كل عام”، رغم ضمانات الدولة.

وفي الواقع هذه المشكلة تختزل وضع المطارات التركية عموما، بما فيها مطار إسطنبول، الذي شيد حديثا بتكلفة بلغت 9 مليارات دولار، حيث تم ممارسة ضغوط مكثفة في فبراير الماضي على هيئة المطارات الحكومية دي.تش.أم.آي لتأجيل الإيجارات والحصول على خصومات للعقود الحالية بسبب تضرر الطلب على السفر جراء الوباء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى