أخبارعالمية

طالبان تُسمع واشنطن ما يطربها: نؤيد تسوية سياسية

الدوحة – صعّدت حركة طالبان من حملة العلاقات العامة الموجهة إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والتي تتحدث عن تسويات سياسية في حين تواصل قواتها فرض سيطرتها على الأرض بشكل متزايد، في وقت يقول مراقبون إن الليونة في المواقف التي يبديها زعيم طالبان آتية من تأثير قطر التي تعمل على إقناع الأميركيين بأن طالبان حركة معتدلة يمكن التعامل معها.

وأعلن زعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زاده الأحد أنه “يؤيد بشدة” تسوية سياسية للنزاع في أفغانستان “رغم التقدم والانتصارات العسكرية” التي سجلتها الحركة في الشهرين الأخيرين، في رسالة بمناسبة عيد الأضحى.

وقال أخوند زاده “بدل الاعتماد على الأجانب، دعونا نحل مشكلاتنا في ما بيننا وننقذ وطننا من الأزمة السائدة”.

هبة الله أخوند زاده: نلتزم بحرية التعبير ضمن حدود الشريعة والمصالح الوطنية
هبة الله أخوند زاده: نلتزم بحرية التعبير ضمن حدود الشريعة والمصالح الوطنية

ويعتقد مراقبون أفغان أن زعيم طالبان بات يعرف حاجة الأميركيين للانسحاب، ولذلك أطلق تصريحات مطمئنة ليرفع عن إدارة بايدن الحرج داخل الولايات المتحدة، وحتى لا تبدو وكأنها تنسحب مكرهة، وأن حديثه عن تسوية سياسية سيبدو من خلاله وكأنه باتفاق معها، وأن المرحلة القادمة ستتم إدارتها وفق اتفاق الدوحة.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن طالبان تعرف أنها قادرة على الحسم العسكري، لكن تحتاج إلى اعتراف دولي بها لحكم المرحلة المقبلة، ولهذا ستعمل على صناعة صورة الحركة المعتدلة التي لا ترغب في احتكار السلطة وتسعى للحكم مع خصومها وفق اتفاق السلام، وليس أفضل من ترويج هذا الخطاب للأميركيين.

واجتمع وفدان عن الحكومة الأفغانية وطالبان في قطر السبت لاستئناف المحادثات التي بدأت في سبتمبر ولا تزال متعثرة حتى الآن، في وقت تشن فيه طالبان هجوما كاسحا على القوات الأفغانية وسيطرت خلاله على العديد من المناطق.

ولم يكن التغيير الذي طرأ على طالبان في ذروة انتصاراتها العسكرية أمرا غير مدروس. وتتجه الأنظار إلى قطر التي استضافت قيادة الحركة لفترة طويلة، وساعدت في تقريبها من الأميركيين وانتزاع اعتراف بها كشريك رئيسي في أيّ حل سياسي قادم.

ومن مصلحة قطر أن تبدو طالبان كحركة معتدلة وتحوز على الاعتراف الدولي وخاصة من الولايات المتحدة، ولهذا ليس مستبعدا أن تكون الدوحة وراء الخطاب الجديد لأخوند زاده، ذلك أن تغيير صورة طالبان يخدم قطر كوسيط سلام ناجح، ويسمح لها بلعب أدوار أخرى على المستوى الإقليمي لزيادة ثقة الأميركيين بها وبقدرتها على ترويض حركات إسلامية أخرى مهما كانت درجة تشددها.

وعملت قيادة حركة طالبان في الفترة الأخيرة على إطلاق تصريحات مختلفة لطمأنة الدول المعنية بالملف الإيراني سواء دول الجوار مثل إيران وباكستان، أو الدول الكبرى التي لديها مصالح في المنطقة بدءا بالولايات المتحدة ووصولا إلى روسيا والصين. لكن حجم العنف الذي تقابل به خصومها المحليين يجعل خطابها الخارجي محل شكوك.

وقال أخوند زاده “نريد علاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية جيدة ووثيقة (…) مع جميع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة”. وأضاف “نؤكد لدول الجوار والمنطقة والعالم أن أفغانستان لن تسمح لأيّ كان بتهديد أمن أيّ دولة أخرى انطلاقا من أراضيها”.

Thumbnail

لكن الأهم في كلام قائد طالبان هو إطلاق تعهدات تتناقض كليا مع هوية الحركة كتنظيم متشدد، وخاصة ما تعلق بأوضاع النساء، وهي تعهدات تظل بلا قيمة ما دامت الحركة تستمر في تنفيذ سياسات تعادي النساء وترفض أيّ شكل من أشكال التحديث والانفتاح على الثقافات الأخرى.

وشدد زعيم طالبان على محو الأمّية مؤكدا أن “الإمارة الإسلامية ستحرص خصوصاً على بذل جهود من أجل خلق بيئة مناسبة لتعليم الفتيات في إطار الشريعة الإسلامية العظيمة”، فيما كانت الفتيات تحت حكمهم ممنوعات من الذهاب إلى المدرسة والنساء ممنوعات من العمل.

وبعد أيام قليلة من سيطرة طالبان على إقليم ناء في ولاية تخار شمالي أفغانستان، أبلغت الحركة الإمام المحلي قواعدها القاضية بوجوب إطالة اللحى وفرض الوصاية على المرأة.

وقال المقيم في إقليم كلافغان صفة الله (25 عاما) إنّ الرسالة “أوردت منع توجه النساء إلى السوق ما لم يرافقهن رجل، وكذلك حظر حلق اللحى على الرجال”. وتابع أنّ التدخين صار محرّما فيما أكدت طالبان “التصدي بشدّة” لكلّ من ينتهك قواعدها.

 

وفي مايو الماضي ذكر تقرير استخبارات أميركي أن المكاسب التي تم تحقيقها في مجال حقوق المرأة ستتراجع إذا عاد المتمردون إلى السلطة.

ويقول متابعون للشأن الأفغاني إن طالبان، وبعد سنوات من الراديكالية ومعاداة الغرب التي مكنتها من تحقيق انتصارات ميدانية تستعد الآن، وتحت تأثير قطر ومن خلال لقاءات قد تكون جمعت قياديين منها بحركات إسلامية سنية في الدوحة، لتغيير أدائها نحو خطاب يقوم على الازدواجية كسائر الحركات الإسلامية التي لها علاقة مباشرة مع القطريين.

ولتجنب الإحراج لها ولحليفتها قطر يمكن أن تتغير طالبان في العلن على أن تحافظ على هويتها المتشددة في السر، سواء ما تعلق بالموقف السياسي أو النظرة الاجتماعية، ومن ذلك تأكيد زعيم الحركة على “التزامه حيال حرية التعبير ضمن حدود الشريعة والمصالح الوطنية” معرباً عن رغبته في العمل مع منظمات غير حكومية دولية في مجال الصحة.

وكرر أيضاً وعده بضمان سلامة الدبلوماسيين والسفارات والقنصليات والمنظمات الإنسانية والمستثمرين الأجانب.

وشنت حركة طالبان هجوما شاملا على القوات الأفغانية في أوائل مايو مستغلة بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المقرر أن يكتمل بحلول نهاية أغسطس القادم.

وسيطرت الحركة على مناطق ريفية شاسعة ومعابر حدودية مهمة مع إيران وتركمانستان وطاجيكستان وباكستان. ولم تعد القوات الأفغانية التي باتت محرومة من الدعم الجوي الأميركي الحيوي تسيطر سوى على المحاور الكبرى وعواصم الولايات.

ويطوّق مقاتلو طالبان عواصم بعض الولايات لكنهم لم يشنّوا مؤخراً أيّ هجوم كبير ضد هذه المدن، باستثناء عملية قصيرة في يوليو في قلعة نو عاصمة ولاية بدغيس التي كانوا قد طردوا منها بعد معارك دامت أياماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى