أخبارعالمية

روسيا تمضي بثقة في سباق التسلح الجديد

موسكو- يتباهى الكرملين بتفوق روسيا على الولايات المتحدة في سباق تطوير أسلحة نووية حديثة، برغم حادث غامض يتعلق بتجربة صاروخية وقع في شمال روسيا الأسبوع الماضي أسفر عن ارتفاع مؤقت في مستويات الإشعاع.

وكان انفجار قد وقع يوم 8 أغسطس الجاري في إقليم أرخانجيلسك بشمال غربي روسيا قد أسفر عن مقتل خمسة من علماء الذرة الروس، خلال اختبار محرك صاروخي باستخدام “مصادر طاقة نظائرية” على منصة بحرية في البحر الأبيض.

وعلى الرغم من أن حادث الانفجار أبان عن ثغرة في برنامج التسلح الروسي، إلا أنه لا يعني فشل روسيا أو أنه سيثني موسكو عن التراجع عن طموحها في هذا المجال. وقد تعهدت موسكو بمواصلة الاختبارات على الأسلحة الجديدة التي كان يطورها العلماء قبل الانفجار “حتى النهاية”.

ووعد أكبر مسؤول نووي في روسيا، بالنجاح في تطوير أسلحة جديدة في الوقت الذي أشاد فيه بخمسة علماء قتلوا، فيما يشتبه خبراء أميركيون في أنه كان اختبارا فاشلا لصاروخ جديد سبق وأن تفاخر به الرئيس فلاديمير بوتين.

وبحسب خبراء الأسلحة لأميركيين فإن الانفجار الذي وقع الخميس الماضي مرتبط على الأرجح باختبارات لصاروخ مجنّح يعمل بالطاقة النووية وتطلق عليه روسيا اسم 9 أم 730 “بوريفيستينك”، وهو أحد الأسلحة الاستراتجية الجديدة التي وصفها بوتين في بداية العام بأنّها “لا تقهر”. ويطلق حلف شمال الأطلسي على هذا الصاروخ اسم “أس.أس.سي.اكس-9 سكاي فال”.

وتعليقا على الحادثة أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، أنّه يعلم “الكثير” عن الانفجار الغامض الذي وقع في قاعدة عسكرية روسية، مؤكّدا أنّ الولايات المتحدة تمتلك سلاحا مشابها لذلك الذي يرجّح أنّه سبب الانفجار، في معلومة سارع خبير أسلحة أميركي مرموق إلى نفيها.

ويأتي التحذير الأميركي في وقت يتصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن بشأن الحد من التسلح منذ انتهاء معاهدة نووية بارزة بداية أغسطس الجاري، وفي فترة تشهد فيها العلاقات الأميركية – الروسية أدنى مستوى منذ الحرب الباردة وتوترت بسبب كل شيء بدءا من سوريا ومرورا بالحد من التسلح ووصولا إلى مزاعم تنفيها موسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية 2016 لمساعدة ترامب على الفوز.

سباق التسلح

انتهاء العمل بمعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى يهدد بإطلاق سباق تسلح جديد بين القوتينانتهاء العمل بمعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى يهدد بإطلاق سباق تسلح جديد بين القوتين

تعكس حادثة انفجار الصاروخ الروسي حجم مخاطر سباق التسلح النووي الذي أطلقه إنهاء روسيا والولايات المتحدة التزاميهما بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى. وانسحبت الولايات المتحدة رسميا في الثاني من أغسطس الجاري من معاهدة مهمة للصواريخ النووية كانت قد أبرمتها مع روسيا. لكن موسكو قالت إنها ذريعة للانسحاب من معاهدة تعتقد أن الولايات المتحدة تريد أن تتخلى عنها على أي حال بغية تطوير صواريخ جديدة.

وتفاوض على المعاهدة المبرمة عام 1987 رونالد ريغان الرئيس الأميركي حينها مع الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف. وتحظر المعاهدة على الجانبين وضع صواريخ قصيرة أو متوسطة المدى تطلق من البر في أوروبا مما يقلل من قدرتهما على توجيه ضربات نووية مباغتة.

 لكن انتهاء العمل بمعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى يهدد بإطلاق سباق تسلح جديد بين القوتين. وقد حذر وزير الدفاع الأميركي الجديد مارك إسبر مؤخرا من أن واشنطن “ستفعل ما يصبّ في مصلحتها”، بينما توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفعل بنشر صواريخ جديدة.

وفي الواقع، يتطلع البنتاغون إلى إمكانية تحديث ترسانته لمواجهة صعود الصين التي تريد إثبات تفوقها العسكري في آسيا. وبحسب أرقام نشرها “اتحاد العلماء المهتمين” الأميركي المناهض للسلاح النووي، فإن حجم الترسانة النووية الأميركية ارتفع إلى 4600 سلاح نووي، منها 1740 منشورة وجاهزة للاستخدام في أي لحظة، و2922 مخزّنة.

وتملك روسيا عددا مساويا من الرؤوس النووية، غير أن غواصاتها النووية في حالة سيئة، كما ظهر من خلال عدة حوادث أصابتها في السنوات الماضية. كذلك، فإن الصين التي تبحث عن تأكيد تفوقها العسكري في آسيا، مجهّزة بصواريخ متوسطة المدى. وبحسب الخبراء، فإن 95 بالمئة من الصواريخ الصينية تخرق معاهدة الصواريخ النووية، فيما لو كانت الصين طرفا فيها.

وباتت واشنطن اليوم طليقة اليدين وقادرة على منافسة الصين التي تتكون ترسانتها من أسلحة تحظرها معاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى، والتي لم توقع عليها بكين.

ويرى جيفري برايس من جامعة جون هوبكينز أن معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى تصبّ في صالح الولايات المتحدة، فهي إذ تمنع كل صواريخ أرض-جو ذات المدى المتراوح بين 500 و5500 كلم، سواء كانت باليستية تقليدية أو متوسطة المدى، لكنها لا تشير إلى تلك التي تطلق من طائرات حربية أو غواصات.

لدى الروس هاجس استحواذ الأميركيين يوما ما على أنظمة مضادة للصواريخ تكون قادرة على جعل ترسانتهم بلا جدوى

ومن الجانب الروسي، لا يأسف الكرملين على التخلص من أداة يعتبر أنها تصبّ في مصلحة واشنطن. ولا تأبه موسكو للاستفزازات الأميركية، بل تؤكد أنها تتقدم كثيرا على الولايات المتحدة في تطوير صواريخ تعمل بالطاقة النووية.

كما يستبعد خبراء أن يشكل الانفجار الأخير انتكاسة كبرى للبرنامج الروسي خاصة أنه لم يتضح بعد ما إذا كان قد وقع بسبب فشل في عملية الإطلاق. وعلى العكس من ذلك سيكون نظام الدفع النووي في صاروخ بوريفيستينك، بحسب الرئيس الروسي بوتين، “غير محدود” المدى.

ويرى مدير مركز الدراسات حول الأمن في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الدولية كورنتان بروستلان أن الهدف الروسي هو التمكن من تزويد صاروخ بدفع قادر على جعل مداه غير محدود. وهذا يتيح نظريا التحرر من القيد المتمثل بكمية الوقود التي يستطيع الصاروخ حملها.

وعليه، وعندما يصبح المدى غير محدود يكون بإمكان الصاروخ القيام بالتفافات لضرب العدو في مناطق مكشوفة، واستخدام مجالات غير خاضعة للرقابة لمفاجأة الرادارات والأنظمة المضادة للصواريخ الأميركية.

ويضيف الخبير شارحا دوافع الروس لإنتاج هذا النوع من الصواريخ، “لدى الروس هاجس استحواذ الأميركيين يوما ما على أنظمة مضادة للصواريخ تكون قادرة على جعل ترسانتهم بلا جدوى”، مضيفا “الأمر يعود إلى الحرب الباردة وإلى حرب النجوم في عهد رونالد ريغان. الروس يدرسون كل الخيارات للتأكد من قدرتهم على اختراق الدفاعات المضادة للصواريخ الأميركية”.

تحديات تقنية

مما لا شك فيه تحمل الرغبة الروسية في التزود بصواريخ تعمل بالدفع النووي بعدا سياسيا مهما وبالنسبة لفلاديمير بوتين فهو يريد أن يثبت أن روسيا تبقى قوة عظمى عسكريا، وأن الروس مزجوا على الدوام بين القوة السياسية والقوة العسكرية. كما يريد لأسباب قومية أيضا التأكيد أن روسيا تطور أنظمة لا تملك الولايات المتحدة مثيلا لها.

وفي مطلع العام الحالي أعلن فلاديمير بوتين بفخر أن بلاده تزودت بصواريخ جديدة “لا يمكن قهرها” ولا اعتراضها ومداها غير محدود. ويعتقد الخبراء أن هذه الصواريخ ذات الدفع النووي هي جزء من هذه الترسانة مع التأكيد أنها لم تنجز بعد ويمكن ألا يحصل هذا الأمر على الإطلاق.

فلاديمير بوتين يريد أن يثبت أن روسيا تبقى قوة عظمى عسكريافلاديمير بوتين يريد أن يثبت أن روسيا تبقى قوة عظمى عسكريا

ومن المؤكد أن “السلاح الجديد” الذي انفجر الخميس في قاعدة تجارب إطلاق صواريخ في الشمال الروسي الكبير، هو نوع جديد من الصواريخ التي تعمل بالدفع النووي، ومع ذلك فإن العديد من الخبراء يشككون في القدرة على صنعها وفي الفائدة المرجوة منها. وتبدو التحديات هائلة أمام برنامج التسلح الروسي، إذ لا بد في البداية من النجاح في صنع مفاعل نووي مصغر يكون بالإمكان تحميله على صاروخ، ثم ضمان سلامة العلماء خلال إجراء التجارب على الصاروخ، وبعدها ضمان سلامة العاملين على إطلاق الصاروخ.

وأعلنت وكالة روساتوم الروسية النووية أن حادث الخميس وقع داخل منصة بحرية بينما كان خبراء يعملون على الوقود الخاص بمحرك الصاروخ. ويقول مسؤول سابق في أجهزة الاستخبارات الفرنسية لوكالة فرانس برس طلب عدم الكشف عن اسمه “عند العمل بكل ما يتعلق بالنووي لا بد من ضمان بيئة آمنة تكون عادة شديدة التعقيد”. وتابع “يميل الروس إلى استخدام النووي في كل مكان. وهم لا يحترمون كل إجراءات السلامة لأنهم يعتبرونها شديدة التعقيد”.

ويضيف كورنتان بروستلان في الإطار نفسه “إن التحديات التقنية المطروحة للتمكن من تصنيع مفاعل نووي صغير إلى هذا الحد هائلة، وكذلك هي المخاطر التي ترافق التجارب. (…) الأمر شديد التعقيد مقابل نتيجة مشكوك فيها” مشيرا إلى التداعيات السياسية والبيئية لهذا النوع من السلاح.

من جهته يرى الخبير العسكري الروسي ألكسندر غولتز أن نظام الصواريخ الروسية العابرة “بوريفيستينك” (الذي يعتقد خبراء أميركيون أنه الذي انفجر الخميس) “لا فائدة ترجى منه”. وأضاف مشككا “لو أن العلماء الروس تمكنوا بالفعل من صنع طراز جديد من الصواريخ بمحرك لا ينضب الوقود فيه، فسيحقق ذلك بالتأكيد تفوقا لروسيا على الولايات المتحدة”.

ووقع الحادث في منشأة عسكرية في منطقة القطب الشمالي على سواحل البحر الأبيض، إلا أن السلطات الروسية انتظرت حتى السبت لكي تقرّ بأنه نووي. وأدّى الانفجار إلى ارتفاع وجيز في مستوى النشاط الإشعاعي.

ويلفت الخبراء إلى أن هذه الأنظمة الصاروخية الجديدة لها أصولها من المرحلة السوفيتية. وإبان الحرب الباردة كانت مدينة ساروف مركزا للأبحاث السرية وكانت تعرف باسم “أرزاماس- 16” وقد صُنعت فيها أولى الأسلحة النووية السوفيتية. واليوم لا تزال ساروف مدينة مغلقة لا يُسمح بدخولها إلا لمن يحملون تراخيص خاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى