أخباررياضية

ردود فعل النجوم تضعهم على محك النقد

فجّرت حادثة تغيير المهاجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، التي تخللت لقاء يوفنتوس وإنتر ميلان بالدوري الإيطالي الأسبوع الماضي، جدلا واسعا وطرحت أسئلة متباينة لا يزال صداها يتردد إلى الآن، أولا لجهة ردة الفعل المتشنجة التي قام بها لاعب كبير في مستوى رونالدو تجاه مدربه ماوريسيو ساري، وثانيا لوقع هذه الحادثة على نفسية الجمهور العريض ودفعت إلى التساؤل عن حقيقة المرحلة الحرجة التي يمر بها “الدون” في الفترة الأخيرة خصوصا بعد انقطاع شهيته التهديفية.

لندن – يبرز جانب خفي في عالم كرة القدم يتعلق أساسا برد الفعل الغاضب لبعض النجوم كثيرا ما يتم التعامل معه بمنطق المداراة والاستخفاف حينا أو بنوع من “العلوية” قد يكتسبها هذا اللاعب أو ذاك داخل ناديه، فيما يتفاعل بعض الملاحظين مع هذا النوع من الأحداث باستنكار وشجب كبيرين، مؤكدين أن صرامة المدربين مطلوبة في هكذا مواقف ولا يمكن أن تُفاضل بين هذا وذاك مهما علا شأن اللاعب.

ويتساءل محللون رياضيون ومدربون قدامى في كرة القدم حول بعض الأفعال التي قد يأتيها لاعبون كبار من الحاصلين على جوائز عالمية والمتوجين بعدة ألقاب عالمية أحيانا تضعهم في موقف محرج مهما كانت قيمة الرهان. ورغم أن هذه الأحداث تبرز بصفة نادرة في ميادين كرة القدم، لكنها تأخذ المعلقين عليها إلى عالم آخر مسكوت عنه ولا يتم التركيز على حيثياته بصورة مفضوحة تراعي أنّ كرة القدم مثلها مثل بقية الرياضات الأخرى في رهانها الأول والأخير “أخلاق أو لا تكون”.

الأمر يتعلق أساسا بردة فعل غير متوقعة أتاها نجم فريق يوفنتوس الإيطالي والمنتخب البرتغالي كريستيانو رونالدو الأسبوع الماضي والأسلوب الذي تعامل به مع مدربه ماوريسيو ساري عندما دعاه إلى التغيير عقب المستوى المتراجع الذي بان عليه أمام فريق إنتر ميلان، لكن قرار رونالدو أثار الكثير من الجدل واستفز بعض جماهيره العريضة قبل خصومه.

وتركزت الأضواء على لياقة رونالدو وتصرفاته بعد أن استشاط غضبا لاستبداله خلال انتصار يوفنتوس على ميلان. ورغم أن الحادث لا يعتبر جانبيا ومسّ بدرجة كبيرة شخصية المدرب ساري الذي حاول إيجاد مخرج للأزمة التي أوقعه فيها رونالدو بالتأكيد على أن الدولي البرتغالي يعاني من إصابة في الركبة منذ فترة.

ردة فعل غير متوقعة

خرج رونالدو من الملعب، وهي أسرع مرة يغادر فيها المهاجم البرتغالي منذ انضمامه إلى يوفنتوس في الموسم الماضي، كما أنها أول مرة يتم استبداله في مباراتين متتاليتين. وأشار رونالدو إلى مدربه ساري بنظرة غاضبة قبل أن يتوجه مباشرة إلى غرف الملابس.

وتركت هذه الحادثة انطباعا سيئا تراوح في حيثياته والتعليق عليه بين السخط الموجه ضد اللاعب من قبل خصومه الذين اعتبروا أن هذا الفعل لا يليق بنجم في حجم رونالدو وبين من وجدوا أعذارا للبرتغالي وصنفوه في خانة المستوى المتراجع للاعب نتيجة الإصابات ويتحامل على نفسه ولا يريد إخراجها للعلن.

ومهما يكن من أمر، فإن هذا النوع من الأحداث لا يحرج فقط رونالدو بصفته لاعبا كبيرا في مستوى عال من الاحترافية لا يسمح له بارتكاب مثل هذا النوع من التصرفات التي تبقى عالقة بسيرته الذاتية وتدوّنها خزائنه مثلها مثل الألقاب التي حصدها طوال مسيرته.

هذا النوع من الأحداث لا يحرج فقط رونالدو بصفته لاعبا كبيرا في مستوى عال من الاحترافية لا يسمح له بارتكاب مثل هذا النوع من التصرفات، التي تبقى عالقة بسيرته الذاتية وتدوّنها خزائنه مثلها مثل الألقاب

ودفعت هذه الحادثة بعض المحللين إلى القيام بمقارنات بين التعنّت الذي أتاه رونالدو تجاه مدربه وبعض ردات الفعل المتشنجة لبعض نجوم كرة القدم في الملاعب. وتوقف المحللون عند بعض الأحداث، ولعل أبرزها تلك التي قام بها مدرب رونالدو السابق وريال مدريد الحالي الفرنسي زين الدين زيدان وعرفت بـ“نطحة زيدان” للاعب المنتخب الإيطالي ماركو ماتيراتزي في نهائي كأس العالم 2006.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 13 سنة على تلك الحادثة الشهيرة، إلا أن الجدل حولها لا يزال مستمرا. وتركت هذه الحادثة انطباعا سيئا لدى زيدان وارتبطت بذكرى أليمة في مسيرته يتردد صداها مع كل فعل عنيف قد يأتيه بعض اللاعبين فوق الميدان.

وعلق زيدان على هذه الحادثة في وقت سابق بالقول، إنه غير فخور بحادثة نطح ماتيراتزي في نهائي كأس العالم 2006، مضيفا أنه “جزء من مسيرتي ولزاما عليّ أن أتقبله”. ومن جهته تحدث ماتيراتزي عن ذلك في وقت سابق، وقال إن “ردة فعل زيدان في المباراة النهائية لكأس العالم عام 2006 كان مبالغا فيها”.

الأكيد أن الحادثين يختلفان في ردة فعلهما المتشنجة لنجمين أحدهما طوى مسيرته كلاعب ويخوض غمار رحلة تدريب تعتبر إيجابية في عموميتها، أما الثاني فلا يزال يخوض تجربة اللعب باقتدار ويتمتع بشهرة جارفة في عالم كرة القدم، لكنهما يجتمعان في الصدى الذي تركاه على نفوس محبيهما وسيسجلان في خانة الأحداث المتروكة للزمن، فهو الوحيد الكفيل بمحو مثل هذه الأحداث من مخيلة عشاقهما.

انتقادات واعتذارات

حاول ماوريسيو ساري، مدرب يوفنتوس، إيجاد الأعذار لنجمه رونالدو لتبرير التصرف اللارياضي عند تغييره في مباراة ميلان واستخدم كلمات رقيقة. لكن وعلى عكس ساري، لم يتحلَّ فابيو كابيلو المدرب الأسبق لكل من منتخبي إنكلترا وروسيا، بنفس الأناقة، وهنأ ساري على التغيير الشجاع الذي قاد فريق “السيدة العجوز” للفوز في المباراة.

وقال كابيلو إن “ساري كان محقا في قرار استبدال رونالدو. دخوله مباشرة لغرف الملابس بعد خروجه من أرضية الملعب، وعدم جلوسه على مقعد البدلاء كان مشهدا سيئا”.

وتابع كابيلو، الذي يعمل الآن محللا رياضيا في شبكة “سكاي سبورتس” التلفزيونية، “رونالدو لم يراوغ منافسا في آخر ثلاث سنوات. ليس بلياقة جيدة”، مشيرا إلى أن النجم البرتغالي في حاجة إلى العمل بشكل أكبر للارتقاء بلياقته.

ومن جانبه علق مدرب المنتخب الإيطالي روبيرتو مانشيني على واقعة احتجاج رونالدو على تغييره بالقول، “احتجاج رونالدو؟ لقد قرأت عن ذلك، لا أعرف ما إذا كان يتوافق هذا مع الواقع أم لا؟”.

وقال المدير الفني لمنتخب الآتزوري، “أعتقد أن اللاعب يجب عليه أن يحترم المدرب وزملاءه في الفريق أيضا، ومن الواضح أن هذا الغضب يأتي أحيانا من حرارة المباراة وقوتها، لكن بإمكانك أن تتحكم في تصرفاتك أحيانا”.

وأضاف، “هذا الأمر يمكن أن يحدث، لكنني أعتقد أن أولئك الذين لديهم ردة فعل كهذه يعرفون أنهم ارتكبوا خطأ وسيعتذرون عن ذلك”.

ورغم أن الحادثة أخذت صدى كبيرا وكان وقعها أشد مرارة على المدير الفني للفريق ماوريسيو ساري باعتبارها تكررت في مناسبتين، إلا أن الأخير جاهد في التماس الأعذار لنجمه الدولي محاولا التقليل من وقعها على نفسه قبل غيره من المتابعين.

رغم أن الحادثة أخذت صدى وكان وقعها كبيرا على ساري باعتبارها تكررت في مناسبتين، إلا أن الأخير جاهد في التماس الأعذار لنجمه محاولا التقليل من وقعها على نفسه قبل غيره
رغم أن الحادثة أخذت صدى وكان وقعها كبيرا على ساري باعتبارها تكررت في مناسبتين، إلا أن الأخير جاهد في التماس الأعذار لنجمه محاولا التقليل من وقعها على نفسه قبل غيره

وكشف ساري عن شكواه وامتعاضه مثلما فعل دائما في الأسابيع القليلة الماضية، من فقد فريقه للكرة ومن الأخطاء الفنية التي يرتكبها اللاعبون في المباريات رغم أن الفريق حافظ على سجله خاليا من الهزائم في الدوري ودوري الأبطال الأوروبي بالموسم الحالي حتى الآن.

ولكن ساري اضطر إلى تجنب الرد على أي أسئلة أو استفسارات بشأن رد فعل رونالدو وكيفية تعامله كمدرب مع حالة الإحباط التي تسيطر على النجم البرتغالي. وقال ساري، “يجب توجيه الشكر إلى رونالدو لأنه وضع نفسه تحت تصرف الفريق والمشاركة في المباريات رغم أنه ليس في أفضل حالاته.. في الشهر الماضي عانى من مشاكل في الركبة وهي مشكلة ضئيلة بالنسبة إليه”.

وحاول ساري إيجاد أعذار لمهاجمه بالتأكيد على أن نجم يوفنتوس يعاني من مشكلة في الركبة حاول علاجها دون اللجوء إلى الغياب عن مباريات. وقال المدير الفني ليوفنتوس، “رونالدو تعرض لكدمة في الركبة خلال التدريب قبل شهر تؤثر عليه باستمرار. عندما يتدرب بقوة ويخوض مباريات يشعر ببعض الألم. لا يستطيع التدرب بقوة كبيرة ويواجه صعوبات في ركل الكرة”.

ولم تشهد مسيرة رونالدو أي إصابات خطيرة وكانت أطول فترة غاب فيها عن الملاعب في 2008 حين أجبرته إصابة بكسر في عظمة رأس الركبة على الابتعاد 94 يوما غاب خلالها عن 11 مباراة. وتسببت إصابة في الكاحل في غيابه عن تسع مباريات في 2009، كما تعرض إلى إصابة أخرى في الركبة في نهائي بطولة أوروبا 2016 مع البرتغال أمام فرنسا ليغيب عن المنافسات لمدة 60 يوما. كما اشتكى النجم السابق لريال مدريد من إصابة حول ركبته اليسرى أثناء الاستعداد لكأس العالم 2014 رغم أنه شارك في كل مباريات البرتغال الثلاث، لكنه اعترف في وقت لاحق بأنه خاطر باللعب وهو مصاب.

تراجع المستوى

إذا كان رونالدو في حاجة إلى العمل على تطوير لياقته سواء بمفهومها الرياضي أو الاجتماعي، فإن مسألة “عدم مراوغته للخصوم في آخر ثلاث سنوات” تبقى عبارة بصيغة المبالغة للدلالة، ربما، على تراجع مستوى رونالدو.

وهو ما تظهره إحصائيات قام بها موقع “سبوكس” الرياضي، وضعت من خلالها قائمة لأفضل 25 مراوغا في أقوى 5 دوريات أوروبية خلال الثلاث سنوات الماضية.

ولم ينجح رونالدو الذي تمكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة من القيام بـ190 مراوغة ناجحة، من دخول هذه القائمة.

وتصدر القائمة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بـ703 مراوغات ناجحة، ثم نجم ريال مدريد إدين هازارد بـ633 مراوغة ناجحة، فيما احتل نيمار نجم باريس سان جرمان، المركز الثالث بـ620 مراوغة ناجحة.

ودارت الكثير من التكهنات حول جاهزية رونالدو للمشاركة في مواجهة الفريق ضد ميلان في الدوري الإيطالي، ليظهر “صاروخ ماديرا” بالفعل في التشكيلة الأساسية للبيانكونيري.

أمَّا بالنسبة إلى إدارة يوفنتوس، فهي في طريقها، حسب تقارير صحافية إيطالية، إلى توقيع عقوبة على النجم البرتغالي بسبب احتجاجه على التبديل ومغادرة الملعب.

وتلك الحالة، التي يعيشها رونالدو في يوفنتوس مؤخرا ودخوله في صدام محتمل مع ساري، ستجعله يفكر من جديد في القرار الذي اتخذه قبل عام بالرحيل عن نادي ريال مدريد الإسباني لارتداء القميص الأبيض والأسود مقابل 112 مليون يورو.

وعلى الرغم من دخول رونالدو في خلاف مع فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد في الفترة الأخيرة له بالنادي، إلا أن ذلك لا يمنع من أنه كان يحظى بمنزلة الرجل الأوحد في فريق العاصمة الإسبانية مدريد ويدور كل شيء حوله هو فقط.

وتشير التقارير إلى أن رونالدو كان يعيش أفضل أحواله تحت قيادة المدرب الفرنسي زين الدين زيدان، والذي رحل معه في صيف عام 2018 بعد ثلاثة أعوام سويا قادا فيها الميرينغي للتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات على التوالي، وكان زيدان أول من أقنع “الدون” بفكرة إراحة جسده من أجل الحفاظ على لياقته البدنية محققين سويا نجاحات خارقة.

وحصل رونالدو على كل شيء تقريبا مع ريال مدريد ما بين ألقاب فردية وجماعية، وكان يعامل وكأنه ملك مُتوَّج على عرش العاصمة الإسبانية، لكنه اتخذ قراره بالرحيل فجأة بعد خلاف مع بيريز حول الراتب السنوي.

والغريب في الأمر أن رونالدو حصل في يوفنتوس على مبلغ مساو للمبلغ الذي عرضه عليه رئيس الميرينغي حال توقيعه على عقد جديد، فهل كان قرار صاحب الـ34 عاما بالرحيل عن مدريد متهورا؟ وهل يندم عليه حال دخوله في مشاكل مع يوفنتوس ومدربه ساري؟ وحدها الأيام القليلة القادمة قادرة على كشف المستور في القلعة الأخرى للأليانز ستاديوم، خصوصا بعد بروز أخبار تؤكد أن العلاقة بين رونالدو وساري ليست على وفاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى