اقتصاد

خطة طموحة لتحويل السعودية إلى أكبر مصدري الغاز الطبيعي

خطة طموحة لتحويل السعودية إلى أكبر مصدري الغاز الطبيعي

سياسة مزدوجة النتائج: عزل إيران والتقدم بثبات في طريق التغييرات الاستراتيجية.

الرياض – كشفت السعودية عن خطة طموحة لتحويل المملكة إلى أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم بحلول سنة 2030، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، في خطوة تتجاوز بعدها الاقتصادي والطاقي لتدخل ضمن تطوير عقيدة دفاعية ذاتية تشمل كل مجالات صناعة القوة والتأثير وتطوير استراتيجيات مواجهة تواكب المتغيرات الإقليمية والدولية، ومنها لملمة الفوضى التي أحدثتها إيران في المنطقة وتهديداتها للأمنين السعودي والإقليمي.

لكن، وبينما تصر جهات إقليمية وغربية على حصر التحركات السعودية ضمن “الجهود المبذولة لعزل إيران وحتى إسقاط نظامها”، تؤكد السعودية أن مواجهة إيران هي تفصيل ضمن استراتيجية أشمل تستهدف العبور إلى مرحلة ما بعد النفط، وهو أمر يتطلب استقرارا إقليميا للتركيز على تطوير البنية التحتية الداخلية، وهنا تظهر إيران كعنصر مثير للفوضى، سواء من خلال محاولة إثارة فتن في الداخل أو تسليط اللوبيات الداعمة لها في الخارج لشن حملات ضد السعودية، وصولا إلى الفوضى التي تثيرها في أكثر من دولة في المنطقة.

وإلى سنوات قليلة ماضية، كانت السياسة السعودية “سلبية” وتصب دون قصد في صالح الأجندة الإيرانية، سواء من خلال سياسة حسن الجوار أو من خلال مقاطعة دول مثل العراق ولبنان، وأيضا من خلال بعض المواقف والسياسات التي لم تستوعب، خصوصا في فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ذلك أن الغرب بدا مصمما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران بأي ثمن، وأن كل التحذيرات التي صدرت لم يكن لها أي صدى وسط إصرار مجموعة خمسة زائد واحد على توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

لكن، بفضل هذا الاتفاق، تغيرت السعودية وتغيرت سياساتها الدفاعية واستراتيجياتها وتعدد حلفائها. وبالتزامن مع هذا التغيير، لم يعد إسقاط النظام الإيراني الذي جاء به الغرب قبل أربعة عقود، يعني الكثير للسعودية التي اتجهت نحو توسيع خارطة حلفائها ورقعة تمددها الاستراتيجي، بما يضمن لها حصانة استراتيجية سواء بقي النظام أو سقط، نتيجة ضغط الداخل.

وباتت السعودية والولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، تطالب بصيغة رسمية لتغيير سياسات طهران الإقليمية والدفاعية بدلا من نظامها ككل.

ويقول جيمس دورسي، الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط والمحلل في مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية، إن إعلان السعودية عن أنها ستستثمر 150 مليار دولار أميركي لتحقيق نسبة تصدير تصل إلى  ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا بحلول سنة 2030، يشير إلى أن تغيير النظام في إيران قد لا يكون من أولويات السعودية اليوم.

خطط الغاز التي تتطلع إليها السعودية تدل على احتمال زيادة استفادة المملكة من إيران إذا كانت معزولة وضعيفة . إذ يمنح ذلك السعوديين الوقت الكافي للتحرك أسرع من إيران

ومن خلال هذه المشاريع تضرب السعودية عدة أهداف بحجر واحد، سياسية واجتماعية واقتصادية واستراتيجية، وحتى الدخول بقوة في الحرب مع إيران التي ينفث الغرب في نيرانها، مرة من أجل توقيع الاتفاق النووي ومرة من أجل الحفاظ على الصفقات التي جاء بها.

ويشير دورسي إلى أن من شأن أي حملة محتملة، ذات حدة منخفضة ومتقطعة لزعزعة الاستقرار دون أن تهدد النظام، أن تساعد السعودية. ويوضح ذلك بقوله إن خطط الغاز السعودية تدل على احتمال زيادة استفادة المملكة من إيران إذا كانت معزولة وضعيفة لسنوات. إذ يمنح ذلك السعوديين الوقت الكافي للتحرك أسرع من إيران التي ستعود إلى المنافسة الدولية إذا ما غيّرت نظامها.

وتعمل العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية والاضطرابات الداخلية على إبقاء إيران ضعيفة وغير قادرة على الاستفادة من مواردها، وهذا يعني فرصة أوسع لتطهير المنطقة من الفوضى التي تسبّبت بها طهران.

وفي دراسة نشرت سنة 2015، اقترح مايكل تانشوم، الباحث بمركز أبحاث سياسة الطاقة التابع لجامعة بيلكنت في أنقرة، أن إمدادات الغاز من إيران وتركمانستان هي التي ستحدد أي اتجاه هندسة الطاقة المستقبلية لأوراسيا: الصين، ثالث أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، أو أوروبا.

ومع توفر 24.6 مليار متر مكعب من الصادرات السنوية، بما يفوق التزامات التوريد الحالية، كان يمكن أن تظهر إيران غير المقيدة بعقوبات والتي لا تخوض منافسة مع السعودية، كمنتج أورو-آسيوي، وهو ما كان سيعزز نفوذها الإقليمي ويوفر لها أموالا سيتم صرفها على تمويل الميليشيات الطائفية.

وكتب الباحث السياسي الإيراني محمد حسن حسين بور، وهو محام دولي من مجلس البلوش في الولايات المتحدة، دراسة حذرت من تهديد تشابهار بتمكين إيران من زيادة حصتها في الهند من خلال صادراتها النفطية على حساب السعودية، وزيادة الاستثمار الأجنبي في الجمهورية الإسلامية، وزيادة الإيرادات الحكومية، والسماح لإيران بإظهار قوتها في الخليج العربي والمحيط الهندي.

ويتوقع المحللون الباكستانيون تدفق حوالي 5 مليارات دولار في التجارة الأفغانية عبر تشابهار، بعد أن بدأت الهند في إدارة عمليات الميناء في ديسمبر. لكن تهديد تشابهار يتضاءل أمام الفرصة التي تتيحها قدرة السعودية لتحويلها إلى مصدر رئيسي للغاز. ويتأكد ذلك من خلال نجاح جولة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان والهند والصين، والتي رسّخت عزلة إيران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى