اقتصاد

حظر هواوي يعبّد طريق واشنطن لاستهداف خصوم آخرين

حظر هواوي يعبّد طريق واشنطن لاستهداف خصوم آخرين

الحرب التجارية الأميركية – الصينية الشرسة، قد تدفع الشركات العالمية إلى الانفصال عن الموردين، وتكون لها تداعيات ستسمح للإدارة الأميركية باتخاذ نفس الإجراء ضد شركات خصوم تجاريين آخرين.

أشعل وضع الإدارة الأميركية شركة هواوي الصينية و70 كيانا تابعا لها ضمن القائمة السوداء، نيران الحرب التجارية مع الصين، ولئن تبدو القضية الجديدة التي تثيرها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منحصرة في تنافس ثنائي بين واشنطن وبكين، فإن للمسألة تداعيات أخرى، تثير مخاوف عدة شركات ودول مختصة في صناعة التكنولوجيا، فمن جهة، تتوجس من أن يكون القرار الأميركي خطوة أولى قد تشرع لواشنطن مستقبلا، حظر معاملات أخرى مع خصوم آخرين، ومن جهة ثانية، فإن عدة دول تُصنّف على أنها حليفة الولايات المتحدة كدول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية قد تجد نفسها مشمولة بطريقة أو بأخرى بقرار الحظر على الشركة الصينية.

واشنطن- يصنّف إدراج الإدارة الأميركية شركة هواوي الصينية ضمن قائمة سوداء تمنعها من الحصول على التكنولوجيا من الشركات الأميركية دون موافقة الحكومة، ضمن إجراءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على تطبيق شعار “أميركا أولا”.
لكن، هذه الحرب التجارية الأميركية – الصينية الشرسة، قد تدفع الشركات العالمية إلى الانفصال عن الموردين، وقد تكون لها تداعيات قد تسمح للإدارة الأميركية باتخاذ نفس الإجراء ضد شركات خصوم تجاريين آخرين.

تداعيات دولية

بعد أن تم وضع شركة هواوي الصينية و70 كيانا تابعا لها على القائمة السوداء، يتعيّن على الدول والشركات في جميع أنحاء العالم التفكير مليّا فيما إذا كانت ترغب في التعامل مع شركة تعتبرها الحكومة الأميركية تهديدا لأمنها القومي.
وينطبق هذا خاصة في أماكن محددة مثل أوروبا، حيث عطّلت الأسواق الكبيرة مثل ألمانيا والمملكة المتحدة هجوم الولايات المتحدة المعادي للشركة الصينية، رغم تكلفة معدّاتها وصلابتها.
تعقّد الإجراء الأميركي الجديد ومدى تأثيراته على التجارة العالمية مستقبلا، تطرّق إليه موقع “فورين بوليسي” الأميركي الذي عاد إلى تفاصيل الحظر على شركة هواوي وما يمكن أن تتبعها من تداعيات متشابكة.
ومنعت واشنطن الأربعاء استخدام منتجات شركة هواوي في شبكات الاتصالات بالولايات المتحدة.  ويهدف القرار، حسب بيان أصدره البيت الأبيض، إلى “حماية الولايات المتحدة من المنافسين الأجانب الذين يخلقون ثغرات في البنية التحتية والخدمات في مجال المعلومات والاتصالات التكنولوجية ويستغلونها”. ووصف الرئيس التنفيذي لشركة “هاي سيليكون” التابعة لهواوي القرار بـ”المجنون” في كلمة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية.
وأشارت هواوي إلى أنها شركة مستقلة عن الحكومة الصينية. وأضافت أن تقييد مشاركتها في مجال الأعمال في الولايات المتحدة لن يجعل أميركا أكثر أمنا وقوة، بل سيجعل فرصها محدودة ببدائل أغلى وأدنى جودة، مما سيضرّ بمصالح شركاتها ومستهلكيها. وقالت الشركة إن “القيود غير المعقولة تثير قضايا قانونية أخرى أكثر خطورة”.
الإدارة الأميركية صنفت شركة هواوي الصينية ضمن قائمة سوداء تمنعها من الحصول على التكنولوجيا من الشركات الأميركية دون موافقة الحكومةالإدارة الأميركية صنفت شركة هواوي الصينية ضمن قائمة سوداء تمنعها من الحصول على التكنولوجيا من الشركات الأميركية دون موافقة الحكومة
وبعدما وجدت الشركة نفسها الآن مصنّفة في لائحة تجار الأسلحة الدوليين والمخترقين الروس، اتهمت بكين دونالد ترامب ببدء عملية تخريب تمس مجال الصين الصناعي، باستخدام أمن البلاد “ذريعة لقمع الأعمال والشركات الأجنبية”.
وأكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية، لو كانغ، معارضة بكين للبلدان التي تفرض عقوبات من جانب واحد على الشركات الصينية، وطالب بوقف تلك الممارسات. ويؤكد تقرير “فورين بوليسي” أنه بجرّة قلم، أغلق وزير التجارة الأميركي ويلبر روس منفذا كان يمكن الشركات الأميركية من بيع معدّات مهمة لهواوي. وأصبحت المبادلات تتطلب الحصول على تراخيص حكومية بموجب سياسة “افتراض الرفض”، مما يعني أن التراخيص سترفض تلقائيا دون تقديم سبب مقنع لذلك.
وقبل اتخاذ القرار بساعات، وقّع ترامب أمرا يمنح الولايات المتحدة الحق في حظر مجموعة واسعة من صفقات التكنولوجيا مع “خصومها الأجانب” لأسباب تتعلق بالأمن القومي. ولم يسمّ القرار أي شركة محددة، لكن تحركات الولايات المتحدة أبرزت هجوما غير مسبوق على طموحات الشركة الصينية العالمية، في الوقت الذي تخوض فيه سباقات لتكون منشأ أساسيا لشبكات الجيل الخامس التي ستعزز الاتصالات العالمية في السنوات قادمة.
ويفقد التركيز على هواوي وحدها نقطة مهمة، إذ يمسّ تصعيد الولايات المتحدة النظام العالمي الأوسع. حيث تُعتبر هواوي أكبر شركة مصنّعة للاتصالات في العالم وثاني أكبر شركة لتصنيع الهواتف الذكية. وهي واحدة من بين الآلاف من الشركات الصينية المرتبطة بالتصنيع الأميركي. وإذا كان الأمر كذلك، سيدخل قرار إدارة ترامب بإعلان ما اعتبره أحد المحللين “خطوة حربية” العالم في حقبة من الانفصال التكنولوجي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث.
وسيتعيّن على هواوي اتّباع قائمة تغييرات طويلة، من المحتمل أن تؤخر طرح الجيل الخامس في الصين. إن علاقات الشركة الصينية مع مورديها وثيقة. ففي عام 2018، أصدرت هواوي قائمة تضم 92 موردا أساسيا، واحتلت الولايات المتحدة  المرتبة الـ33.
توفر كلّ من “إنتل” و”زيلينكس″ و”تكساس إنسترومنتس″ مكوّنات المواقع الخلوية التي توضع فيها الهوائيات ومعدّات الاتصال الإلكترونية المستخدمة في الشبكة عالية السرعة. وتعتمد هواوي على نظام تشغيل أندرويد، المطور من قبل “التحالف المفتوح للهواتف النقالة” الذي تديره شركة غوغل، في هواتفها الذكية ذات الشعبية الكبيرة. كما تتعامل مع شركتيْ “كوالكوم” و”برودكوم”.

عقوبات أشد

قد لا تسبب العقوبات الموت الفوري الذي واجهته شركة الاتصالات الصينية المنافسة “زد.تي.إي” عندما أضيفت (لفترة وجيزة) إلى القائمة السوداء سنة 2017. خزّنت شركة هواوي الموارد الأميركية لمدة عام تقريبا. كما تبقى شركة أكبر من “زد.تي.إي”، وتمتلك شركة فرعية لصناعة الرقائق التي تحتاجها (هاي سيليكون).
وجاءت صيحة أطلقتها “هاي سيليكون”، حيث كتبت “لقد حان الوقت لجميع أبناء وبنات هاي سيليكون ليصبحوا أبطالا وبطلات في هذه الفترة”. وتمتد تأثيرات القرار إلى ما أبعد من الولايات المتحدة، حيث يصنّف معظم الموردين غير الأميركيين الذين تحتاجهم هواوي، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ضمن حلفاء الولايات المتحدة. وسيحتاج هؤلاء الأطراف كذلك إلى التقدّم للحصول على تراخيص إذا كانت صادراتهم تتضمن نسبة معينة من المكوّنات القادمة من الولايات المتحدة، تتجاوز الحدّ المسموح به.
وتصف وزارة التجارة الأميركية أي معاملات مع شركات مصنّفة في قائمتها السوداء بأنها علامة خطر، والأمر الذي وقّعه ترامب بأنه أرضية نحو فرض عقوبات أشد. نشرت وسائل الإعلام الأمر على نطاق واسع أنه يستهدف هواوي وطموحاتها في مجال الاتصالات. لكنه، يرسم نطاقا أوسع يمنح الولايات المتحدة الحق في حظر جميع المعاملات بين الأميركيين وأي شركة تكنولوجيا أو خدمات معلومات أو اتصالات يديرها “خصم خارجي”.

حظر هواوي يشرع لواشنطن الحق في حظر المعاملات بين الأميركيين وأي شركة تكنولوجيا يديرها خصم خارجي

إن تعريف هذه التكنولوجيا المحظورة واسع (أي جهاز أو برنامج أو أي منتج أو خدمة أخرى تهدف إلى تحقيق غاية تتعلق بجمع المعلومات أو معالجة البيانات أو التخزين أو الاسترجاع أو الاتصالات بالوسائل الإلكترونية). ويمكن أن يشمل هذا التعريف جل التكنولوجيا المنتجة اليوم. ويمنح الأمر الولايات المتحدة سلطات واسعة على سلاسل الإمداد بالتكنولوجيا العالمية، بالإضافة إلى قدرتها على توجيه التدفقات المالية العالمية والتي استخدمتها ضد أعدائها مثل إيران.
ويؤثر كل هذا على طريقة عمل هواوي، وعلى إجماع عالمي واسع أين لا يولي المصنّعون اهتماما للمشاكل الجيوسياسية أو الأمن السيبراني عند تعاملهم مع دول مثل الصين. وتستيقظ هذه الشركات اليوم على حقيقة قاسية. حيث يمنح سعي الصين إلى القيادة في مجال التكنولوجيا، وجمعها بين الدولة الحزبية والقطاع الخاص،الساسة الأميركيين سببا لتقييدها.
بعد يوم واحد فقط من صدور قرار حظر هواوي، أعلنت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الأميركي استعدادها للغوص  في قطاع الصناعات التكنولوجية والمراقبة في الصين. ووجّه كلّ من النائب الديمقراطي آدم شيف، ومعارضه الجمهوري ديفين نونيس ملاحظات متشددة مماثلة عن الصين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى