محطات

حزن الأب لزواج ابنته يعكس خصوصية العلاقة بينهما

بعض الآباء يصل بهم الأمر عند زواج بناتهم حد الإصابة بتوعك صحي أو الموت كمدا نتيجة الحزن على فراقهن، رغم أن المناسبة تستدعي الفرح وليس الحزن. ويفسر خبراء علم الاجتماع بأن هذا الموقف يرجع إلى طبيعة العلاقة التي تجمع الأب بابنته والتي تكون دائما ذات خصوصية.

القاهرة – تتوارى خلف أصوات الأغاني والزغاريد ومظاهر الرقص والبهجة في حفلات الزفاف دموع الكثير من الآباء حزنا على فراق الابنة بانتقالها من بيت أسرتها إلى مقر سكنها الجديد مع شريك حياتها، ما يعرض البعض لوعكات صحية واضطرابات نفسية لشعورهم بأن الفتاة التي كانت تملأ منزل العائلة فرحا وبهجة وتمنح والدها الحنان والاهتمام قد تزوجت.

وليس أدل على مشاعر الأب المختلطة بين الفرحة والحزن ليلة زفاف ابنته من وفاة البرلماني المصري محمد دسوقي داخل قاعة الزفاف بالقاهرة مؤخرا، حيث لم يتمالك أعصابه وتعرض إلى أزمة قلبية أودت بحياته وقت أن كان الحاضرون بالقاعة يتراقصون ويتمايلون فرحا، لكن الأب كان يحبس دموعه حتى ودّع ابنته إلى الأبد ليلة زواجها.

ولم تعد مشاهد بكاء الأب ليلة زواج ابنته وقائع فردية بقدر ما صارت ظاهرة تلتقطها عدسات الكاميرات، لا فرق بين رجل كان غليظ القلب وشديد القسوة على أولاده وآخر هادئ الطباع، فكلاهما تدمع عيناه وتتملكه مشاعر الفراق واستعادة الذكريات والخوف على الابنة من مستقبل مجهول، والإحساس بأن الفراشة التي كانت تملأ المنزل مرحا سوف تتركه كئيبا.

لا ينسى محمد رزق، وهو أب مصري رُزق بطفلة بعد زواجه بعام واحد، أنها كانت بالنسبة إليه كل شيء في حياته، وعندما يتشاجر مع زوجته بعدما كبرت تقوم بتقريب وجهات النظر بينهما وكأنها قاضي البيت، وإذا وجدته عائدا من عمله حزينا أو مرهقا، تظل إلى جواره حتى يضحك وينسى همومه، فصارت بالنسبة إليه طبيبا نفسيا يشتكي لها ويستريح معها كأن بينهما قصة غرام.

وقال محمد لـ”العرب” إن ابنته بعدما تقدم لها بعض الشباب لخطبتها كان يرفض دون إبلاغها، فهو يريد أن تعيش معه أطول فترة ممكنة دون زواج، لأنه يعلم كم هي جميلة ورشيقة وأي شاب يتمنى الزواج بها، لكن ولعه بحب ابنته جعله يعطّل زواجها لفترة حتى فوجئ بها تبلغ والدتها بأن زميلا لها بالجامعة يرغب في الزواج منها وهي موافقة.

يبتسم الأب أثناء كلامه، والدموع تظهر في عينيه قائلا “وقتها تذكرت فيلم (عريس من جهة أمنية) عندما كان الفنان عادل إمام لديه ابنة وحيدة (الفنانة حلا شيحة) يرفض مطلقا أن تتزوج كي لا تتركه حتى أبلغته بأنها تحب شابا (الفنان شريف منير)، وبعد تقدمه لخطبتها كان والدها يضع أمامه كل العراقيل لتأخير موعد الزواج ويظل الأب مع ابنته أطول وقت ممكن، فهو لم يتخيل لحظة فراقها إلى بيت زوجها”.

محمد هاني: علاقة الأب بابنته لها خصوصية، حيث مهما كبرت تظل صغيرة
محمد هاني: علاقة الأب بابنته لها خصوصية، حيث مهما كبرت تظل صغيرة

وأضاف “اللحظة التي يُسلم فيها الأب ابنته لزوجها ليلة العُرس قاسية ولا يمكن وصف مشاعرها، حيث تتوارى الدموع ويعيش الرجل بين مشاعر شديدة التناقض، فهو حزين لفراقها وسعيد بزواجها وخائف على مستقبلها وفخور بما قدمه معها طوال حياته حتى أصبحت فتاة يختارها أحد الشباب من بين الملايين من النساء وغيور من أنها سوف تبيت لأول مرة في حضن رجل ليس والدها”.

كل هذه المشاعر لا تظهر بسهولة على الرجل الذي اعتاد كتمان الألم والوجع وإخفاء الدموع حتى لا يظهر ضعيفا منكسرا، لكن أغلب الآباء ليلة العُرس مهما بلغت قوة شخصياتهم، يكونون أكثر ضعفا وقلة حيلة ويظل الخوف الأكبر لكل منهم أن يكون اختيار ابنته لزوجها غير موفق أو تعيش حياة بائسة مع رجل غير أمين يجرحها ويطفئ جمالها.

ويعتقد محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية والمتخصص في الصحة النفسية أن مشاعر الأب ليلة زفاف ابنته طبيعية للغاية وحزنه ينبع من فراقها خاصة لو كانت فتاة اعتادت أن تكون قريبة من والدها وتحتضنه باستمرار، وتلهو معه وتوفر كل احتياجاته وتُدخل عليه البهجة باستمرار، وتكون له صديقة وحبيبة تحتكر قلبه، ثم يفاجأ بأنها تنتقل إلى منزل رجل آخر لتنشئ معه عائلة مستقلة بعيدا عن الأب.

وأوضح أن علاقة الأب بابنته لها خصوصية، فمهما كبرت تظل بالنسبة إليه طفلة مدللة تضفي على حياته السعادة والبهجة ولا يتخيل أن تفارقه مهما عجز عن التعبير عن ذلك بمشاعر متبادلة أو كان بطبيعته قاسيا، لكنه يميل إلى إرضائها وإسعادها، وهي كذلك، فالأب بالنسبة إليها أول رجل في حياتها تعرفت عليه وارتمت بين أحضانه وكان أمينا عليها.

وأكد أن دموع الأب عند زواج ابنته نابعة من الفرح وليس الغيرة واستقرارها مع رجل آخر ليس بالأمر السهل، ولو علم كل شاب ما يعيشه والد العروس ليلة زفافها لما تعرض لها بأي إهانة طوال حياته، فهو كالذي أخذ قطعة من جسده لتكون ملكا له، وهو ما يجب أن يفهمه ويدركه كل زوج منذ لحظة التقدم لخطبة الفتاة من والدها.

بالطبع يدرك كل أب أن هذا اليوم آت لا محالة، لكن هذه المشاعر المختلطة تؤدي أحيانا إلى أزمة نفسية للأب عند العودة إلى المنزل ليلة زفاف ابنته دونها، وخلو البيت منها ومن مرحها وشقاوتها، فهي حبه الحقيقي والأنثى التي تحتمي به عند التعرض لأي مشكلة، صارت اليوم في كنف رجل آخر ربما لا يستطيع حمايتها.

ومهما بلغت ثقة الأب في زوج ابنته ، فقد تراوده ليلة الزفاف العديد من الأفكار التي تدفعه للبكاء عليها، خاصة إذا شعر بأنه لن يظل الرجل الأول في حياتها وستذهب للعيش مع زوجها.

ويقول الأب محمد فكري لـ”العرب” “إحساس بالغ الصعوبة على أي أب أن يشعر بأن ابنته خرجت من بيته إلى أحضان رجل قد يكون سببا في ابتعادها عن والدها”.

ويتذكر ليلة زفاف ابنته الكبرى أنه كان يتجول في القاعة ليستقبل المهنئين وعيناه لم تفارقا محبوبته الأولى وهي تجلس إلى جوار عريسها، وحاول ألا تشاهده ينظر إليها دائما كي لا تبكي، لكن نظراته لها كانت بغرض الشبع منها قبل توديعها، ولا ينسى عندما عاد إلى المنزل ودخل غرفتها فوجد نفسه يبكي بحرارة وقرر المبيت على فراشها.

وأضاف أن وجود ابنة داخل الأسرة كفيل بأن تعيش العائلة حياة سعيدة تكاد تكون خالية من المشكلات العنيفة بين الزوجين، فهي الحنونة القريبة من قلب أبيها وأمها وبإمكانها التقريب بينهما بطبيعتها العاطفية، وهذا ما يعجز عنه الابن، لذلك تكون دموع الآباء عند زواج الفتيان شبه منعدمة، لأنهم أقوياء وبإمكانهم مواجهة صعوبات الحياة بعكس الخوف على مصير الابنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى