مقالات

حرب الحوثي/ صالح بين السياسة والايديولوجية والتاريخ (3-3)

حرب الحوثي/ صالح بين السياسة والايديولوجية والتاريخ (3-3)

 

د. علي عبدالرحمن الخليدي

لقد عرف التاريخ الحديث، والمعاصر، العنصرية الإستعمارية (مع تحول الرأسمالية إلى ظاهرة إمبريالية) في المناطق التي احتلها، كإستعمار اجنبي، على أن الأخطر منها اليوم محاولة البعض كما هو حالنا في اليمن،  إسترداد، أو إستعادة حكم دولة عنصرية إستعمارية، سلالية (إستعمار داخلي) (بحق الهي) هي الابشع  في تقديرنا من زاوية أن الاولى وحدت الجبهة الداخلية، وعمقت أواصر صلة المتحد الاجتماعي الوطني، ببعضه البعض، في مقاومة ومواجهة العنصرية الاستعمارية وصاغت بنية خطاب وطني جامع (حركة التحرر الوطني والقومي العربية) خرجت فيه ومنه الجبهة الداخلية الوطنية،  متماسكة وموحدة على قاعدة بناء دولة وطنية ديمقراطية، أما الثانية: العنصرية السلالية، والجملكية، في شروط حرب (الإسترداد) الجارية، فهي الاكثر سوءاً، وبؤساً، لأنها تقوم على تمزيق وتفكيك وتشظي المتحد الاجتماعي الوطني،وهي بهذا المعنى، في سلوكها ونتائجها، على السياسة والاجتماع، والتاريخ، هي الابشع من العنصرية الاستعمارية، وهو ما تعلنه نتائج الحرب الجارية، على الصعيد  السيكولوجي، والثقافي، والاجتماعي والوجداني، والسلوكي الذي تتأسس فيه اليوم ثقافة ارتدادية، يتراجع فيه ومعه مشروع الدولة الوطنية المدنية الحديثة لصالح المشاريع الصغيرة (المذهبية والطائفية والسلالية والجهوية، والقبلية) ومع ذلك يأتي من يتحدث لنا عن الاطراف المتصارعة، والمتقاتلة، وطرفا الحرب، متجاهلاً الآثار السلبية الكارثية، والتراجيدية، على كل المستويات، لنتائج، تحالف الانقلاب والحرب، الحوثية/الصالحية.

 

اليوم لا تستطيع أن تمر وتسير في الطرقات، والشوارع، ومن أمام المدارس، وفي داخلها، وفي اسوار الجامعات وداخلها، وجميع وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، حتى على زجاج السيارات المارة من امامك على الطرقات، إلا وترى صور القادة الحوثيين، (ومجاهديهم)، (وشهدائهم) ومقابرهم المميزة تملأ الساحات، و شعارات وخطابات الحرب تصفعك حيثما توجهت، والاحاديث المذهبية، ، في تمجيد آل بيت الحركة الحوثية-وما يزعمون- بلغة، مذهبية، عنصرية، تعبوية، وتحريضية ضد الآخر (الطابور الخامس) في استعادة لفترات صراعية من صفحات التاريخ الكالحة وإعادة إنتاجها وإخراجها وكتابتها والترويج لها بعقلية ثأرية إنتقامية بائسة  (بكائيات) وفي تعد على رؤى، وقيم الآخرين، وعلى قيم ثقافية تاريخية اساسية للمجتمع، وفي تصوير قادة الإنقلاب بأنهم(رسل الله المقدسين) إلى المجتمع والشعب رسل انقاذ، حتى تصوير حسين بدر الدين الحوثي (نصف المتعلم) الأخ الاكبر لزعيم الانقلاب بأنه، (قرآن ناطق)ويتحدثون اليوم علناً انهم (لن يفرطوا في دم الحسين القديم والجديد (…)ولن يفرطوا-كما يقول يحيى بدر الدين الحوثي- في دم القران الذي يمشي على الارض صاحب اول صرخة في وجه قوى الاستكبار الداخلي والخارجي ومؤسس بذور المسيرة القرآنية وصانع رجال الرجال السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي) وغيرها من الاوصاف المقدسة، ترفعه فوق الشعب، والناس، لأنه رسول إنقاذهم من الفساد ومن الانحراف عن صحيح الدين الجديد، وتحويل يوم موته أو قتله، في حرب تمرده على الدولة إلى مناسبةطقوسية دينية، ووطنية، وتحويل قبره الى مزار، يوازي إستشهاد الحسين ابن علي، وهي احد اوجه  تجليات الحرب الايديولوجية، والسياسية  الجارية، وإستمرار  مكمل لها على صعيد الخطاب، تبريرا  وتفسيراً  وشرعنة سياسية، وعملية لإستمرار الانقلاب والحرب ، هي عملياً رخصة وفتوى فقهية ، لشرعنة الحرب دينيا، وطائفياً، والسؤال هو هل من يصر على إنتاج مثل هذا الخطاب وتعميمه لديه إستعداد للتنازل عن الإنقلاب، ووقف الحرب، سؤال مفتوح للجميع للتفكير فيه؟!!

 

إن جميع المعطيات المادية والسياسية ومفردات الخطاب السائد العنصري السلالي الاستعماري تقول حقيقة واحدة أن الإنقلاب لم يأت من فراغ بل جاء ليفرغ الفضاء الاجتماعي  والسلطوي- بعد احتلالهما- من السياسة المدنية،ومن السلم الاهلي، ويملؤهما بالعنف، وقوة الغلبة، وليست الحرب الجارية التي من اولى مهامها ، ضرب فكرة وقضية المواطنة المتساوية، والحرية، وبدرجة اساسية مصادرة الدستور كعقد اجتماعي جديد تنتظم حوله علاقات اليمنيين ببعضهم البعض، وفي علاقاتهم بمؤسسات الدولة والسلطة، في اطار دولة وطنية مدنية إتحادية.

 

دولة حديثة تقطع جذرياً مع تاريخ دولة العصبية، والفردية والمركزية (التي شملت اليمن كله من بعد حرب إجتياح الجنوب في العام 1994م)  والذي تشكل الحراك الجنوبي السلمي في 2007م كرد فعل سياسي وطني ضد هذه الحرب الكارثية التي دمرت اسس ومقومات فكرة الوحدة في واقع الممارسة وفي العقل السياسي الشعبي الجنوبي، و جاءت ثورة فبراير 2011م لتقطع معها/ ومع بنية كل النظام وتعلن بداية سقوطه وافوله (دولة المركز المقدس) ومن هنا كانت الخطوات الاولى لبداية الحرب، على الثورة، وفي الاساس منها الحرب على نتائج مخرجات الحوار الوطني الشامل، التي اكدت على مسألة الدستور الاتحادي، والدولة الوطنية الديمقراطية الاتحادية، ولذلك كانت الحرب الراهنة.

 

إن مقدمة اختطاف الدولة كان في اختطاف الدستور مع حامله في ظاهرة تراجيوكوميدية، كانت ملفتة للنظر  وهي أن الانقلاب كان البروفة العسكرية لتمرير الانقلاب السياسي على كل العملية السياسية وعلى كل التوافقات الوطنية والدستورية، اما التسمية الحرفية له (الانقلاب) أنه ثورة مضادة شاملة على السياسة والواقع والتاريخ.

 

خاصة بعد ان شعرت الجماعة السلالية، والعائلة الجملكية، أن آوان غياب شمس دولة العصبية والمركزية، قد استكمل حلقات غسقه، ولم يتبق سوى إسدال الستار  على مغيبها التاريخي، ومن هنا كان الانقلاب، والحرب الممتدة على كل البلاد.

 

تقول فلسفة الفكر التقدمي، أن الثورة تندلع حين لم يعد بوسع الناس (المحكومون) العيش بالطريقة القديمة، ولم يعد بإمكان الحكام الطغاة الإستمرار في حكم الشعوب بالطريقة القديمة التي الفوا عليها في حكم المقهورين، تكون معه الثورة ضرورة تاريخية واسباب ودوافع الثورة المضادة الراهنة تتمظهر في صورة معاندة للواقع وانكار له  ولإرادة التغيير  الصادحة موسيقاها في كل الارجاء في شكل فرض الانقلاب وتعميم استمرار منطق الحرب على كل البلاد واطالة امد عمرها لتقضي على ما تبقى من فكرة الدولة في عقول الناس وليس حتى مطلب إستعادة الدولة، لان الدولة على اي مستوى وبأي معنى ديمقراطي أو شمولي، هي ضد  ونقيض لفكرة وجود الميليشيات، ومن هنا حربهم على الدولة ،ناهيك عن الدولة الديمقراطية الاتحادية.

 

ان الدولة المدنية (الوطنية) الاتحادية في ابسط تعريفاتها، هي دولة مواطنة، ومساواة وحرية، وعدالة، وحقوق، وكرامة، انسانية، وجميعها مفردات، ومعطيات نقيض لمشروع ايديولوجية دولة الحوثي/ صالح، اللذين يقاتلان في سبيل استمرارها وديمومتها ولو على قاعدة حكمهم لبعض الشمال، أو الانفصال، وهنا يلتقي الحوثي/ صالح مع بعض اقسام الحراك الجنوبي القائلة بفك الارتباط والانفصال بدون رؤية، وكذا دون إدراك سياسي عميق لطبيعة الحالة الوطنية المعقدة اليوم والآن ( شمالاً، وجنوباً) وتناحرها وتنابذها على صعيد كل شطر، ناهيك عن فهم واقع موازين القوى الإقليمية والدولية الراهن اليوم،في موقفها من حيث المبدأ من دعوات فك الارتباط ، وإستعادة الدولة  وتقرير المصير، والسؤال الواقعي هو هل يملك شعار استعادة الدولة أو فك الارتباط او تقرير المصير في واقع ما هو جار اليوم إمكانية تحول مثل هذه الشعارات إلى واقع؟ وهل سياسياً وعمليا، تتلاقى مثل هذه الدعوات مع اهداف عاصفة الحزم وإستعادة الأمل، ومع احلام الناس بالتغيير على قاعدة اسقاط الانقلاب ودحره؟ التي من اولى اهدافها الاستراتيجية (سياسياً، وعسكرياً) إستعادة الدولة، و تسليم  سلاحها المنهوب، ودحر الإنقلاب وعودة الشرعية، تنفيذا لقرارات مجلس الامن الدولي،2216، والجميع يعلم ان الشرعية هي من استقدمت التحالف العربي لمساندة إستعادة دولة اليمن الشرعية، وان التحالف العربي يعمل ويتحرك تحت غطاء الشرعية- على الاقل أمام القانون الدولي- وتدخله العسكري والسياسي، هو من ساهم عسكرياً، وسياسياً، في اسقاط ودحر الإجتياح الثاني للجنوب اليمني، من إحتلال الحوثي/صالح، وما يزال دوره ومهمته لم تستكمل بعد، وفي مثل هذه الاوضاع الصعبة والتحديات القائمة  في صورة الحرب التي فرضها تحالف الانقلابيين على كل البلاد والذي ماتزال اخطارها قائمة وبقوة مع استمرار الحرب ، وتدفق السلاح من ايران، في تصوري أنه من غير الممكن أن نفهم سياسيا وبصورة إيجابيةً دعوة البعض من اقسام الحراك إلى تشكيل مجلس سياسي إنتقالي يضع نفسه سلطة موازية لسلطة الشرعية القائمة التي ماتزال حربها -حربنا- مستمرة ضد تحالف الانقلاب والحرب، وما يزال خطر الانقلاب محدقاً بالجميع ،وخاصة المناطق المحررة في وضعها القلق والمرتبك الراهن، ولذلك لا نرى في إعلان مثل هذا التشكيل سوى خدمة سياسية مجانية معززة للمركز السياسي للثورة المضادة على كل المشروع الوطني الديمقراطي، مهما كانت الاسباب والنوايا الطيبة أو الدواعي الذاتية او السياسية لتشكيل مثل ذلك المجلس السياسي، تحت اي مسمى كان، وهو التشكيل الذي ووجه بمعارضة سياسية-حتى لا نقول كبيرة -من اقسام جنوبية، لا يعني سوى تمزيق وتفتيت للجبهة السياسية المعارضة لتحالف الانقلاب والحرب ،لأنه لا يعكس الإرادة الشعبية الجنوبية الجامعة، وليس من حقه إدعاء تمثيل جميع مكونات السياسة، واطياف الحراك، وكافة فئات وشرائح وطبقات، وقوى المجتمع في كل الجنوب، كما أن التحشيدات الجماهيرية ليست هي المقياس لاختبار الاعلان على تمثيل الإرادة الشعبية، ولا تعدو ان تكون عمل سياسي نخبوي يرتدي غطاء الشعبوية، في إستثمار سياسي انفعالي للمزاج العام الساخط والمقهور، لا اقل ولا اكثر.

 

لا احد يمكنه ان يعارض سياسيا ونظرياً، حق تقرير المصير لأبناء الجنوب اليمني إن هم إختاروا ذلك، او حتى الناس في الشمال، ولكن ضمن شروط سياسية ووطنية  توافقية، وفي سياق سياسي وطني عام، وفي مناخ سياسي مناسب يساعد على إنجاز هدف تقرير المصير، ولا يعوقه ويكبحه، وكل ذلك لن يكون قبل دحر الانقلاب، وإستعادة الدولة، وعودة الشرعية، الامر الذي سيجعل من انجاز ذلك الامر او غيره من التوافقات ممكنا ومتاحاً، بعيداً عن الانفعالات السياسية الحادة، ومزاج ردود الفعل العصبية الذي قد يتحكم به مزاج سياسي شعبوي عابر وعنيف تعبير عن ردات فعل، وليس عقل سياسي رشيد وحكيم له صلة بخيارات مستقبلية منشودة. الخطوة الاولى السياسية والعملية الصحيحة وحدة وتماسك اطياف الحراك الجنوبي، على قاعدة التصالح والتسامح، وذلك لن يكون في واقع الانقسام الحاد الحاصل بين بعض اقسامه وقواه، وفي غياب رؤية فكرية وسياسية وطنية جنوبية جامعة وموحدة، على قواسم مشتركة، توافقية، تنبثق عنها قيادة سياسية جنوبية، تعكس إرادة شعبية جامعة، إرادة جميع الوان واطياف السياسة، والاجتماع الجنوبي، وهي القاطرة المتحدثة بلغة وخطاب تقرير المصير في مناخات سياسية عامة سوية.

 

تقديري الشخصي ولا ادعي انه القول الفصل، او فصل الخطاب، إن رفع  شعار (استعادة الدولة)، أو تشكيل مجلس سياسي إنتقالي بمهام سياسية تتقاطع مع دور ووظيفة الشرعية القائمة، و تتجاوزها قبل إزاحة تحالف الانقلاب والحرب، وقبل إستعادة الدولة الوطنية اليمنية المنهوبة (شمالاً، وجنوباً) هو عمل سياسي غير واقعي ويضر بكل العملية السياسية والعسكرية الجارية،  ويضعف المشروع السياسي للحق في تقرير المصير ولا يسرع فيه، ومن جهة اخرى هو يقوي سياسياً، وواقعياً جبهة الانقلاب والحرب، فمن طلب الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه منه. فالسياسة هي فن تقدير الموقف  وموازنات القوة والقوى فيه، حتى لا اقول فن الممكن فيغضب البعض مني، ممن يذهبون لأقصى النهايات.

 

الحقائق الواضحة أمامنا اليوم، ومن بعد حرب إجتياح الجنوب الاولى لنهبه وتفيده واقصاء شراكته في السلطة والثروة العام 1994م وفي حرب الاجتياح الثانية، للجنوب ولكل اليمن، في مارس 2015م تؤكد بصورة قاطعة سقوط وانهيار ليس دولة الوحدة الاندماجية ( الوحدة أو الموت) بل وكل دولة المركز السياسي العصبوي التاريخي، إن كل حرب الحوثي وصالح الجارية المدمرة اليوم، ليست اكثر من محاولة عبثية ومتوحشة، للحفاظ على بقايا جثة دولة تحتضر متوهمين أنهم في تحالف حربهم الحاصلة ضد كل اليمنيين، في الشمال، والجنوب، قادرين على ابقائها فترة اطول في غرفة الانعاش، للعودة للفعل والحياة بصورة إصطناعية..، إنهم مثل الميت الذي يتشبث بتلابيب الحي، لينقذه، او يجره معه لحتفه، أو للقبر.. فلا نساهم في تروية غرفة انعاش الإنقلاب بالأكسجين، الذي يساهم في إطالة امد الحرب، والجثة، لان المطلوب إنجاز ترتيب امور دفنها، فكرامة الميت دفنه.

 

اعلم ان ايران اخترقت بعض اقسام الحراك الجنوبي، ولكني اعلم كذلك أنها الاقسام الاضعف، التي لا وزن نوعي لها في قلب الفعل السياسي للحراك الجنوبي.

 

يتوهم (الحوثي/صالح/ او بعض اقسام الحراك)  انه بفك الارتباط او الانفصال، يمكن ان يعود لحكم الجنوب أو الشمال، او ان الجنوب والشمال ممكن ان يعودا كما كانا قبل 22 مايو 1990م بعد كل الذي حصل من تداعيات انفجارية في قمة السياسة والسلطة، وفي قلب المجتمع، ومن هنا تأكيدنا لخيار الدولة الاتحادية الديمقراطية، التي يمكن التوافق على عدد الاقاليم فيها ، ولو بإعطاء فتره انتقالية من4-6 سنوات اقل او اكثر، يهيئ فيها المجتمع، والسياسة، والبلاد لعملية سياسية جديدة، نعود بعدها لعملية استفتاء شعبي وطني حول مستقبل البلاد  بعيداً عن ردود الفعل والمزاج الانفعالي العاطفي الذي قد يتحكم اليوم بقرارات الجميع..، فمصائر الشعوب والمجتمعات والدول، لا تحسب ولا تقاس، ولا تحكم وتدار بمنطق القوه والغلبة، والإجتياحات ولا كذلك، بقانون رد الفعل، والمزاج الجماهيري الانفعالي (الشعبوي).

 

ففي هذا الواقع من فراغ السلطة، والدولة، ومن فراغ السياسة المدنية، وغياب اي دور للمكونات السياسية المدنية الحديثة، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، وإهمال الشرعية وتجاهلها لدور المكونات السياسية كشريك مع الشرعية في العملية السياسية الانتقالية، هو ما يفسر صعود دور المكونات ما قبل الوطنية وما قبل الدولة (القبلية، والعشائرية، والمذهبية، والجهوية، والطائفية وحتى ظاهرة الإستمزاجات الشخصية)

 

وليس لقاء ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل شهر (ابريل 2017م) بمشايخ القبائل والقوى السياسية والاجتماعية التقليدية، والمتساقطين من الأحزاب وعودتهم لحضن الولاءات، والإنتماءات ما قبل الوطنية، وما قبل الدولة، سوى مؤشر معين وخطير في هذا الاتجاه، إذا ما إستمرت التراكمات السياسية تسير في هذا الاتجاه الذي لن يخدم و لن يصب موضوعياً، وسياسيا لصالح بناء مشروع الدولة المدنية الحديثة، بل العكس، وفي مثل هذه المناخات القلقة، والملتبسة والمضطربة، تشتغل الجماعة الانقلابية، وتدير امورها في الاجزاء الواقعة تحت سيطرتها، كأحسن ما يكون الشغل، والإدارة، لان ما يهمهم ليس هو حضور الدولة، ومؤسساتها، لانهم المستفيد الاول والاخير، من غياب الدولة، وإلا ما كانوا انقلبوا عليها، إن ما يهمهم هو حجم وقدر الإيرادات التي يتحصلون عليها مما تبقى من مسمى الدولة ولذلك فإن كل همهم وتوجههم اليوم، هو نحو تعويض انواع الجباية من الايرادات التي تتناقص عنهم بفعل تضييق القاعدة الجغرافيا، التي كانوا يتمددون عليها، وتقليص عائداتهم الاقتصادية/ المالية والنقدية  التي كانوا يستولون عليها بالقوة منها، وفقدوها بعد استيلاء الشرعية على معظم المنافذ والمداخل الاساسية للثروة وللمال، والاقتصاد (نفط وغاز  في شبوة، وحضرموت، وموانيئهما، ومطاراتهما، مأرب، المخا، ذوباب، ميدي ،الجزر) وقريباً وصولاً للحديدة، وجميعها ، امور تضيق الخناق عليهم (سياسياً ومالياً واقتصادياً) ولكن كل ذلك لا يعنيهم (مانبالي) فهم اليوم يعوضون ذلك، بحرمان الشعب من الخدمات الاساسية الضرورية، بعد اغلاق بعض المستشفيات للعديد من الاقسام فيها، وبعضها تعمل بنصف طاقتها الخدمية، والطبية والصحية، والدوائية، والعملياتية، وبعضها توقفت نهائياً، بسبب ما طالها من تدمير كلي وبعد ان صارت الامراض (الكوليرا وغيرها) والمجاعة تفتك بأرواح المئات يومياً، والقمامة تغطي مساحات واسعة من المدن الاساسية، والكهرباء متوقفة من سنتين كاملتين بل واكثر على صنعاء، تعز، إب، والحديدة ومعظم المدن وحتى عدن، ومعظم محافظات الجنوب (وهي نقيصة في حق الشرعية والمناطق المحررة التي يفترض ان تقدم النموذج والمثال على ان ما يحصل هو العكس) كما ان الانقلابيين يعوضون خساراتهم من الإيرادات، برفع جنوني لأسعار المشتقات النفطية والغاز بأكثر من 230% ومعه ارتفاع اسعار المواد الغذائية بفعل الضرائب المضاعفة والمتكررة التي تفرضها الميليشيات على تجار الجملة والاستيراد، فضلاً عن القطاع الخاص، واخضاعه للفيد والنهب شبه اليومي.

 

ولذلك نجدهم اليوم يتوجهون (لغسيل اموالهم) بشراء الاراضي، من اراضي الدولة، الى اراضي التجار، والمواطنين، بأسعار خيالية، وشراء الفلل، والقصور والمساكن عموماً، بصورة ملفته للنظر، الى جانب تهريب العملة الاجنبية للخارج (المناطق الأمنة لهم)، ان معظم اعمال البناء العمراني الجديدة في المدينة صنعاء؛ وبعض المحافظات الواقعة تحت سلطتهم، تقف خلفها الجماعة الانقلابية، وتحديداً قياداتهم السياسية، والعسكرية والدينية والاسماء التجارية الطفيلية  المحسوبين عليهم، حيث الثروة المالية والنقدية تتركز في ايديهم، انتظاراً كما يبدو لجولة قادمة من الحرب واستمرارها، التي يجب ان يدخلوها، كقوة اقتصادية، ومركز مالي قوي، ومع ذلك يقفز البعض على كل ذلك (الانقلاب والحرب والنهب) ويتحفنا بخطابه عن (فضيلة السلام) وايقاف الحرب، والاطراف المتصارعة أو تشكيل مكونات سياسية انتقالية بمضامين سلطوية،  تثير الفرقة والانقسام ولا تقربنا من عملية إستكمال دحر الانقلاب، واستعادة الدولة، وهيبة الشرعية  ومكانتها في الواقع ، خطابات ومواقف تضعف الجميع الذين لم يدركوا بعد خطورة مراوحة الانقلاب في مكانه، لانهم لا يرون من فضاء المشهد كله سوى ما يريدون هم رؤيته، ولا يقرؤون تشابك وتداخل الاوضاع والمصالح، والعلاقات، بين الداخل في تعقيداته، والخارج في حدة تدخلات مصالحه المتحولة أبداً، ولذلك لا يرى البعض حصار المدن الجاري والذي سينعكس سلباً على الجميع..، مدن عديدة، سكانها بالملايين (…) وهو الحصار الحقيقي الذي تمارسه الجماعة الانقلابية، حصار بالقصف بالصواريخ، والكاتيوشا شبه يومي، على المساكن المدنية، بالترافق مع منع جميع وسائل الحياة عنهم إغاثة إنسانية (اغذية، وادوية، وماء وكهرباء ومشتقات نفطية) وحديث ممجوج عن الحصار البحري، والجوي الذي لا يستهدف في الغالب الاعم سوى حظر تهريب السلاح، والمحظورات وتهريب البشر، والاموال بدليل ان جميع الموانئ والمطارات مفتوحة لوصول جميع اشكال الاغاثة الانسانية، فقط تهريب السلاح وهو ما تشكو منه الجماعة الانقلابيه، وإيران، وحزب الله في الضاحية الجنوبية من لبنان، حظر معزز بقرارات دولية، لا يستفيد منه سوى الميليشيا، وتجار السلاح خاصة مع إنعدام او ضعف الرقابة الدولية عليه.

 

كانت السياسة  (الصحف المختلفة) قبل الانقلاب تملأ الفضاء السياسي والمجال العام شغال بالسياسة، ومساحة حرية الرأي ، والتعبير والاحتجاج والاعتراض قائمة ومكفولة بقوة القانون، وفعاليات المجتمع المدني المختلفة لا تتوقف كل يوم، وفي كل يوم اكثر من فعالية، ونقد السياسة، والسلطة، والحكومة، ورموزهم على أعلى مستوى قائم، بما فيه التهكم السياسي، حتى التحقير من مكانة رئيس الدولة وكانت الدولة، ومؤسساتها، المختطفة اليوم هي الحامية والراعية لكل ذلك، الى ان كان الانقلاب، وتحوله سريعاً الى حرب شاملة طالت كل الجغرافيا الوطنية، فتراجعت معه وبعده السياسة، والصحافة، وحرية الرأي والتعبير، وصارت القوة فوق الحق والقانون، ولعبت الميليشيا الانقلابية، وبسرعة مذهلة دوراً فاجعاً في افراغ المجال العام من السياسة وملئه بالعنف، وبقوة دور وفعل صاحب السلاح وحامله، وخاصة بعد فرض الحرب وسيلة جباية، وفيد، وحكم، بل ووسيلة حياة ونموذج عيش، ومصدر رزق للقطعان المسلحة في كل البلاد، ازاحت فيه الميليشيا الدولة جانبا،  واستولت على الفضاء العام كله ( سياسياً، واعلامياً واجتماعياً، وثقافياً، واقتصادياً) وفي مثل هذا الوضع لا مكان سوى لمن يملك (المعبر) السلاح، صاحب القوة، وفي خضم كل هذا الجنون والعبث، يأتي الينا بعض كتبة التاريخ ليرشدونا الى اقصر الطرق لتعلم لغة تحقيق السلام، وانجع السبل لإيقاف الحرب (على طريقة كيف تتكلم الانجليزية في خمسة ايام) وذلك بنسياننا للانقلاب، وحذفه من جدول اعمال قراءتنا للواقع، ولما يجري، ومعه حذف جميع الاسباب السياسية،   والاجتماعية، والطبقية لقيام الحرب وكفى المؤمنين شر البحث عن سؤال الحرب والسلام في شروطهما الموضوعية والذاتية الحاصلة والجارية. وهنا تكمن مشكلتنا وازمة علاقتنا مع دعاة خطاب السلام، وايقاف الحرب بدون رؤية، ودون خلفيه سياسية تاريخية حول كل ما يجري اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى