مقالات

حرب الحوثي .صالح بين السياسة، والايديولوجية، والتاريخ 1-3

حرب الحوثي/صالح بين السياسة، والايديولوجية، والتاريخ 1-3

د. علي عبدالرحمن الخليدي

درج اليمنيون – الكتابات اليمنية المعاصرة- على تسمية حكم الامامة، منذ الهادي الى الحق يحيى بن الحسين القاسم الرسي، إلى ( الحمزات) عبدالله بن الحمزة، الى أئمة بيت شرف الدين، والى حكم ،  الدولة القاسميه ، في صورة المتوكل على الله إسماعيل، والى بيت حميد الدين، وصولا للنسخة الحوثية، على تسميتها ب (التاريخ الآثم) لما اتسمت به من استبداد، وتخلف، وثيوقراطيه مقيته ،اتسمت بالتحجر، والجمود، والركود، في كل شيء (تدهور في الانتاج الزراعي، وفي التجارة، وفي الصناعات الأولية، وفي احتكار للتجارة، بقوة النهب والمصادرة للمال العام والخاص ، وفرض اتاوات واشكال جبايه على المجتمع (الخطاط ، التنافيذ، البقايا، الصبرة) متزامنة مع حاله من الجمود الفكري، والثقافي، والتحجر المذهبي، بصوره غير مشهوده في التاريخ العالمي، والانساني، جرى فيها فصل وعزل اليمن(شمال البلاد)  عن الحياه، والعصر، والتاريخ الحديث والمعاصر- باستثناء فترات حكم الدولة الصليحيه والرسولية والزيدية ودولة بني عامر – بعد ان تحول مسمى “الاستقلال” الى حاله عداء لكل ما هو (اجنبي )وخارجي، (عزله مطبقه) والى اداة، وعصا أيديولوجية / وسياسيه، لتكريس  عزلة اليمن (الامامي) عن العالم – بل وعن الداخل في اتصاله وتواصله مع بعضه البعض- بما فيه العالم العربي والاسلامي، وتحديدا من بعد خروج العثمانيين من اليمن، بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الاولى 1918م  والتي اكدت-قبلها- اتفاقيه دعان (1911)ان كل آمال الإمامة المتوكليه من حربها مع العثمانيين هو الانفراد بحكم المناطق الزيدية(إمام/وحاكم للمناطق الز يدية ) وهو منتهى الفقه السياسي الايديولوجي لمعنى اليمن، ولمعنى الحرب ضد العثمانيين، وهو ما يعكس حقيقة مضمون ايديولوجي لمفهوم  الاستقلال الزائف، الذي ارتضته الإمامة، مقدمة، وعنوانا لاستقلالها.

فما ان خرج العثمانيون، حتى انتقل معظم ما تركوه من مبان، ومستشفيات (مراكز صحيه) ومؤسسات  تعليميه، وقضائية، وإدارية، وغيرها الى غنيمه حرب “الاستقلال “لبيت حميد الدين ..، بدأت معها حربها الداخلية على  من وقفوا معهم في الحرب ضد العثمانيين، على قاعدة مذهبيه، وليس، وطنيه فما ابعد المعنى السياسي الوطني التوحيدي عن عقل الإمامة، وهو ما تؤكده حقيقة الإمامة، كرؤية أيديولوجية، سياسيه تاريخيه تمددت بعدها حربهم الى جميع جهات اليمن (الحديده، تعز ، إب) مناطق الجباية (الثروة)- وهو ذات سلوك تحالف الحوثي صالح اليوم، ما اشبه الليلة بالبارحة- وفرض ابناء الامام حكاما عليها، بعد استنفاد بيت الوزير لدورهم الحربي الوحدوي، كما يزعمون ضد ابناء هذه المناطق، امتلئت السجون بجميع رجالات، واعيان ووجاهات هذه المحافظات، وفي معاملة مهينه ومذله، للكرامة الإنسانية( استعلائية) مع انهم لم يكونوا معارضين لحكم الإمامة، بالمعنى السياسي.

تحول معها الاستقلال إلى الوجه السياسي، للعزلة، والجمود، والعداء للخارج (العلاقة المفتوحة مع العالم) لأحكام الهيمنة على الداخل، بعزله عن التواصل والتلاقح الابداعي/مع اشكال المدنية الحديثة والمعاصرة، ليستتب، لهم الحكم على قواعد من الجمود والتخلف راسخة، بقي معها اليمن الامامي -مع الاسف-أضعف حلقه في سلسله التطور العالمي كله، حيث نظام الحكم العثماني مثل اضافه نوعيه عصريه (حديثه) بما اوجده من اشكال مدنيه، ولو محدودة -قياسا بالإدارة السياسية والاقتصادية للإمامة- وفي شكل اداره الحكم المحلي(مجالس نيابيه محليه) واشكال حديثه وفي الصحة، والقضاء وفي بعض المباني والمعسكرات(العرضي).

ويمكنكم العودة الى الكتابات التاريخية للمقارنة، بما فيه بعض كتابات رجال الاحرار اليمنيين كتاب(اليمن المنهوبة والمنكوبة) 1947م  دون اسم الكاتب وكتاب (الثعالبي في رحلته اليمنية)1924م ومقارنة موقف سلاطين الجنوب من قضية وحده اليمن ومن المضمون السياسي لقضية بناء الدولة   بما فيه   قضية وحدة اليمن ومن المضمون السياسي لقضية بناء الدولة ،ومؤسساتها، ونظام الحكم المنشود مقارنه وقياسا بموقف الامام يحيى، الذي كان كل همه غنيمة الجنوب(سلطه/وثروه) ولا حضور في عقله السياسي لفكرة وقضية الوحدة والدولة الوطنية الواحدة.

وكذا الى كتابات المؤرخين اليمنيين محمد علي الاكوع ،وإسماعيل الاكوع وكتابات المؤرخين العرب منهم، فاروق أباظة ، وغيره بل والى كتب بعض ابناء الأئمة يحيى بن الحسين بن القاسم 1035ه ويرجح زباره وفاته 1099ه في كتابه (بهجه الزمن) وهو الذي رفض بيعة عمه المتوكل على الله إسماعيل، والعلامة محمد بن ابراهيم الوزير، والحسن بن احمد الجلال في نقده لفتوى المتوكل على الله اسماعيل في تكفيره ابناء الجنوب وفي كتابه القيم(براءة الذمة في نصيحة الائمه) وصالح بن مهدي المقبلي ومحمد بن اسماعيل الامير ومحمد بن علي الشوكاني وغيرهم من العلماء الافاضل المجتهدين.

التي يطول الخوض  فيها، وحولها- نتركها للمختصين- إلى درجة تشعر معها ان توصيف، وتسميه “التاريخ الآثم” لحكم الأئمة، لا يفي بالغرض، ولا يقدم التوصيف السياسي الواقعي التاريخي لما مثلته الإمامة من فضائع، ووحشية وجرائم يندي لها جبين الإنسانية (من اباده الفرقة المطرفية الزيدية العقلانية)حتى مذابح بيت حميد الدين للأحرار اليمنيين، الى تكفير الأئمة لأبناء الجنوب وتحويلهم الى “كفار تأويل” ، وفرض الجباية، وحتى  “الجزية” عليهم وكأنهم ” اهل ذمه”.  ولعل اهم ما جاء بهذا الشأن هو فتوى المتوكل على الله إسماعيل (العلم النافع في جواز اخذ اموال الشوافع) والذي يشير فيها الى انه ﻻ يخشى من  الله على ما اخذه من الأموال الشوافع وانما يخشى  ان الله سبحانه وتعالى سيحاسبه على ما ابقاه في حوزتهم من اموالهم. جاء ذلك ردآ على احد العلماء حول عدم جواز اخذ اموالهم بهذه الصورة باعتبارهم مسلمين.

جرائم ماتزال محفورة في ذاكرة الاجيال السابقة، واللاحقة، والانكى اليوم هو محاولتهم -بعض السلالات الجديدة منهم الحوثية/ ودعاة الهاشمية السياسية-استعادة ذلك التاريخ في شروط عصر مغاير، في معاندة مجنونه للفقه، وللدين الاسلامي، والمذهب الزيدي . في نصوصه الاصل عند الامام زيد بن علي وليس في تحويرات كتب الزيديه الهادويه المكفرة. وفي مناقضة صادمة وصارخة للقانونية الإنسانية التاريخية، وكأنهم يريدون القول ان  التاريخ يجب ان يعيد انتاج نفسه، في صورة حكم مسلوب ، او حكم جرى القطع معه بالقوة و ما يزال يمتلك مشروعية استمراره في الحاضر ، والمستقبل، ومن ثقافة مظلومية صنعوها لأنفسهم، وحول تاريخهم الآثم الذي كان وما يزال بصمه عار تاريخيه، على جريمة ماتزال شواهدها، واثارها مستمرة في الثقافة وفي الفكر السياسي، لدى البعض حتى اللحظة، بل ويريدون استمرارها (كجريمه تاريخيه)في صوره تاريخنا المعاصر، وهي بهذا المعنى مظلومية- كما يرون- جاءت ثوره 26 سبتمبر 1962م لتقطع مع هذه الذاكرة الآثمة، ذاكره مشحونة بالفجائعيه، والمطلوب مدها الى كل التاريخ الآتي.

إن ما يحصل منذ انقلاب 21 سبتمبر2014م ليس اكثر من محاوله عبثيه ، متوحشة لمعاندة التاريخ ولمصادرة حقائق الحياه والعصر في صورة حلمهم الموهوم باستعادة تاريخ آثم وذاكره مؤثمه، وكل ما يعملونه، من خلال انقلابهم، وحربهم، انما هي محاوله لتأكيد ان كل ما حصل من بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 وثورة14 اكتوبر 1963م حتى ثورة 11 فبراير 2011م، وصولا لمخرجات الحوار الوطني الشامل ، والدستور الاتحادي، انما هي جمله اعتراضيه طويله لا لزوم لها لحظه عابره في السياسة ، والواقع، والتاريخ، مطلوب ازالتها ،.يجب حذفها ..، هي خطيئة تاريخيه، يجب طلب الغفران عليها ومنها ، امام باب الولي الفقيه /الامام الجديد، القابع  في كهوف ( مران) والذي يتلقى تعليماته من مركز الوحي الجديد في(قم)وليس حتى من النجف الاشرف بعد ان الحق هذا المركز الديني العربي بمركز الولي الفقيه في ايران . ولذلك فان المطلوب اليوم هو إدانة ثوره 26 سبتمبر 1962م،وثورة 14 اكتوبر 1963م،واعادة صياغة المناهج الدراسية والتعليمية،  لوقف التمادي في استمرار اجترار هذه الخطيئة بحق ابناء اصحاب الحق الالهي، الذين اتتهم الولاية منقاده، بحق فوقي متعال، لايعلى عليه،(ماهي الا لهم ،وماهم إلا لها الولاية/ الحكم)،ومن هنا اهميه وضرورة وقف هذه الخطيئة الاعتراضية، الذي قام بها الشعب اليمني، بكل فئاته، وشرائحه، وطبقاته، بعد اعلانهم قيام ما اسموه ثورة سبتمبر/واكتوبر !! وما يزال الوقت متاحا  وممكنا لهذا الشعب الجاهل ان يدرك مصلحته، ويتراجع عن سياق الثورة/التمرد الذي كان، بإعادة المسار المعوج إلى نصابه والى ينبوعه الاصل (الإمامة في تجلياتها الجديدة /الولي الفقيه).انهم يريدون ان يقولوا لنا من خلال انقلابهم وحربهم الجارية، على اغلبية اليمنيين. إن الشعب اليمني لم يتعلم من التاريخ بعد انقلابه في سبتمبر 1962م عليهم ، ولذلك محكوم عليه/علينا بتكراره(عقابا له/ لنا)في صورة الحرب الجارية ، وفرض استمرارها بالقوة ، لان الحرب الجارية في ابعادها ومضامينها (السلالية، والطائفية، ، والجهوية، والقبلية)الحاصلة هي مصدر عيشهم ، ورزقهم  الوحيد، وهي عامل قوتهم ، ومخزون  ذخيرتهم للاستمرار في الحرب دون منازع فأرزاقهم على أسنة رماحهم ، حسب تعبير ابن خلدون.

وهم اليوم المستفيد الاعظم من الحرب واستمرارها – الى جانب امراء الحرب، وتجار السلاح – لانهم بالسلم والسلام ،والحوار، والسياسة المدنية ، لامعنى لهم، وليسوا اكثر من رقم صفري،(عكفه، انكشاريه “جنجويد”) فالميليشيا، لا تزدهر، ولا تنتعش الا في مناخات العنف والتطرف والحروب وفي حالات ضعف الدولة، كقوة إكراه، ونظام وقانون ومن هنا انقلابهم على العملية السياسية السلمية، الدستورية التوافقية وعلى مخرجات الحوار الوطني الشامل اعظم منجز سياسي وفكري وثقافي ودستوري وطني في كل تاريخ اليمنيين الوسيط، والحديث ، والمعاصر. فالسلام والحوار، والسياسة المدنية ، تتناقض مع معنى  وجودهم، (تحالف الانقلاب والحرب) ومع جوهر ايديولوجيتهم السياسية، باعتبارهم لا يحملون اي مشروع سياسي وطني ديمقراطي، جوهر وجودهم المادي، والاجتماعي، والسياسي بل وحتى(الذهني) كميليشيات ، مناقض، ونابذ لفكرة وجود الدولة، والمؤسسات ، وسلطة النظام والقانون، ولذلك تحددت اول مهامهم بعد الانقلاب مباشرة، بالتحالف مع صالح “زعيم التوريث” في اختطاف الدولة، واحتلال مؤسساتها، ونهبها، وتحويل الملكية العامة للشعب الى حالة فيد، وغنيمة، حلت فيها الميليشيا -كما هو معلن وقائم- الى بديل عن الدولة، ومؤسساتها، باسم “اللجنه الثوريه العليا” – او (المشرفون) –  التي ماتزال تحتكر الهيمنة على الوزارات و مؤسسات الدوله ،مع وجود ما يسمى “المجلس السياسي الاعلى” و”حكومة الانقاذ” كشكل صوري ، وبعد استبعاد مسمى الجمهورية، من الاطار العام للهيئات التي شكلوها بديلآ عن مؤسسات الدولة ،حتى تسميه مفتي الجمهورية ،استبدلوه بمسمى (مفتي الديار) دون الجمهورية، لان مشكلتهم الاساسية هي مع الجمهورية ، والدولة الوطنية الحديثة الديمقراطية ،ومع فكرة المساواة، والمواطنة، والحرية، والعدل، وحقوق الانسان .وحول الموقف السياسي  للأماميين الجدد. ويمكنكم العودة الى كلمه يحيى بدر الدين الحوثي الى المجلس السياسي لحكماء الهاشمية، الذي عرض فيه-قبل ايام قليلة كما وصلنا- بالجمهورية، والثورة، والدولة الوطنية، وفكرة المواطنة المتساوية. وهو مالم يستوعبه دعاة خطاب “الاطراف المتصارعة “،وطرفا الحرب، بدون رؤيه ولا لمسألة ايقاف الحرب، بعد حمله هجومهم الصريحة  على الامم المتحدة في بيان صادر عن بعض كتبة التاريخ وتسفيه مخرجات الحوار الوطني ،او بتعبير  ادق،  تجاهلها في غالب الاحيان والازدراء بالمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية. اننا حقا مع هذا الانقلاب الفاشي الديني واتباعه، نعيش حالتي المأساة، والملهاة معا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى