أخبارعالمية

تقارب روسيا مع إثيوبيا يرخي بظلاله على العلاقة مع مصر

القاهرة- تشهد العلاقات الروسية – الإثيوبية تقاربا هو ليس بالجديد لكن تسارعت وتيرته بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، الأمر الذي من شأنه أن يثير قلق بعض الدول ومنها مصر التي سبق وراهنت على دور روسي في الضغط على أديس أبابا بشأن سد النهضة بيد أن هذا الرهان سقط خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة.

وكانت كلمة المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا خلال جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة أظهرت تحولا مفاجئا هو أقرب إلى تأييد أديس أبابا، وأشبه بعرقلة غير متوقعة لجهود مصر والسودان في النزاع المتصاعد.

وفاجأ المندوب الروسي خلال جلسة الخميس الكثيرين بـ”اعتراف بلاده تماما بأهمية السد لأديس أبابا”، وضرورة وقف منطق التهديدات، تخلل ذلك حديث باهت عن “مشاغل” مصر والسودان، وهو خطاب مختلف تماما عما درج عليه المسؤولون الروس في مناسبات سابقة من تأكيد على أهمية الأخذ بالاعتبار هواجس دولتي المصب.

وتحاشت السلطة المصرية توجيه أي انتقاد إلى روسيا حتى أن وزير الخارجية سامح شكري رد بشكل “مراوغ” على سؤال بشأن ما قصده نيبينزيا عندما أكد خلال الجلسة رفض موسكو خطابات التهديد باستخدام القوة بين أطراف الأزمة، حيث قال شكري “أفسره على أنه موجه إلى إثيوبيا؛ لأنه كثيرا ما يصدر عنها تهديد بالملء بدون اتفاق أو حمايته ضد خطر افتراضي”.

سامح شكري: أحيانا تكون هناك عبارات تؤخذ بشكل مبهم، يسأل فيها من يصدرها

وأضاف “أحيانا تكون هناك عبارات تؤخذ بشكل مبهم، يسأل فيها من يصدرها”. ردّ شكري وإن لم يخل من دبلوماسية بيد أنه يخفي بين طياته حالة من الامتعاض من موقف روسيا.

وعادة ما تتجنب الدبلوماسية المصرية توجيه أي انتقادات لاسيما للدول التي تربطها بها علاقات، لتتولى هذه المسؤولية وسائل الإعلام القريبة من الحكومة والتي انتقدت الموقف الروسي وتقاربه مع أديس أبابا خصوصا بعد إعلان أديس أبابا الاثنين توقيع اتفاق تعاون عسكري مع موسكو.

وقالت صحيفة “المصري اليوم” (خاصة) في تقرير السبت إن موقف روسيا “اعتبره كثير من المصريين تبنيا للرواية الإثيوبية، وانحيازًا فجًا ضد مصالح مصيرية لمصر، وانتقادات بالتلميح لتصريحات (قبل أشهر) للرئيس السيسي”.

وكتب رئيس تحرير صحيفة الشروق البرلماني عمادالدين حسين في مقال بعنوان “الذين خذلونا في مجلس الأمن”، أن “الموقف الروسي كان مفاجئا، حينما رفض التهديد باستخدام القوة مع أنه باليوم ذاته أمرت موسكو باستئناف الطيران المباشر إلى المقاصد السياحية بمصر (متوقف منذ إسقاط الطائرة بسيناء) إلى درجة أنه اعتبر محاولة لترضية مصر بالسياحة وإثيوبيا بالسد”.

ووصف السفير المصري السابق محمد مرسي عبر صفحته بفيسبوك الموقف الروسي بـ“العدائي”. ودعا مرسي إلى تجميد التعاون مع موسكو في إقامة محطة الضبعة النووية (غرب)، والتلويح بإعادة النظر في أوجه تعاون ثنائية وملفات إقليمية أخرى.

ويقول مراقبون إن الموقف الروسي من أزمة سد النهضة يأتي انطلاقا من مصالحها في إثيوبيا، ومحاولتها اقتسام النفوذ في هذه الساحة مع دول أخرى، في ظل تنافس دولي على التواجد في منطقة القرن الأفريقي (شرقي القارة).

ويشير المراقبون إلى أن الأمر لا يتعلق بمصر، لافتين إلى أنه من المرجح على نحو كبير أن يتعاظم الوجود الروسي في إثيوبيا، وهذا الأمر سينعكس بشكل ما على العلاقة مع القاهرة.

وعادة ما تصف القاهرة علاقاتها مع موسكو بأنها “متميزة”، ولم تتأثر بإسقاط طائرة روسية في شبه جزيرة سيناء (شمال شرق) عام 2015، وتشهد تعاونا اقتصاديا وسياحيا مع مصر ليس له نظير مع إثيوبيا.

من المرجح على نحو كبير أن يتعاظم الوجود الروسي في إثيوبيا، وهذا الأمر سينعكس بشكل ما على العلاقة مع القاهرة

وتحركت موسكو الإثنين صوب توثيق الراوبط مع إثيوبيا عبر توقيع اتفاق للتعاون التقني العسكري معها بهدف تحديث قدرة الجيش بالمعرفة والمهارات والتكنولوجيا.

وقالت وزيرة الدفاع الإثيوبية مارتا لويجي إن موسكو تؤيد بلادها في ملفي الانتخابات (أُجريت قبل أيام) والسد، وقدمت دعما لعمليات الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي الذي يشهد صراعا مسلحا منذ أشهر، وسط انتقادات أممية وأميركية لأديس أبابا.

في المقابل وصف نائب مدير التعاون العسكري الروسي بونتشوك أناتولي علاقات موسكو وأديس أبابا بأنها “طويلة الأمد”.

وغداة الإعلان عن توقيع الاتفاق العسكري عاد الكاتب والبرلماني المصري عمادالدين حسين للقول في تصريحات إعلامية الإثنين إن “روسيا رغم أنها صديقة وعلاقتنا بها تاريخية لكن موقفها (بمجلس الأمن) كان غريبا وصادما، وبعد معرفة الاتفاقية التي جرت مع إثيوبيا جعلت الأمور أكثر وضوحا وسوءا”.

ووفق أستاذ الجغرافيا في جامعة القاهرة عاطف معتمد فإن روسيا تبحث في إثيوبيا عن حليف، بخلاف مصر التي من غير المنتظر أن تكون كذلك لموسكو. وقال معتمد عبر صفحته بفيسبوك “موسكو كانت قبلة لمصر تقريبا من 2014 – 2016 وكادت تستثمر هذا الموقف في تقديم مقترحات بوجود روسي استراتيجي فعلي (كقاعدة عسكرية) وليس سياحي، ولم يستمر الأمر مع حدوث انفراجة مع الغرب وعودة الاتصالات المصرية – الأميركية”.

وأضاف “تأكد الروس أن علاقات مصر أوروبيا ومع واشنطن أقوى بكثير من نظيرتها الروسية وأن انتظار تغيرها أمر بالغ الصعوبة (…) أما إثيوبيا فتمثل لروسيا أرضا بكرا يصلح فيها الاستثمار والحضور الجيوسياسي”.

وإلى جانب بحثها عن حليف فإن مصالح موسكو ورغبتها باقتسام النفوذ في أفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية والأسواق الاستهلاكية، هما سببان آخران يطرحهما خيري عمر وهو أكاديمي مصري متخصص في الشؤون الأفريقية والدولية.

عادة ما تتجنب الدبلوماسية المصرية توجيه أي انتقادات لاسيما للدول التي تربطها بها علاقات، لتتولى هذه المسؤولية وسائل الإعلام القريبة من الحكومة والتي انتقدت الموقف الروسي وتقاربه مع أديس أبابا

وقال عمر“هناك تحول واضح لروسيا نحو مصالحها في إثيوبيا تستعيد بها ماضيها الذي امتد من 1975 إلى 1991، عبر دعم الحكم الشيوعي في أديس أبابا، وقد وضح هذا من لهجة مندوبها العدائية في جلسة مجلس الأمن”. وتابع “كان مشهد الجلسة أشبه بمباراة دولية ليست مصر طرفا فيها، لمن يرضي إثيوبيا أكثر باعتبار أنها بوابة للتواجد في أفريقيا التي باتت مسرحا رخوا للتنافس الدولي”.

ورأى أن موسكو وبتوقيعها على اتفاق تعاون عسكري مع أديس أبابا تكشف عن أنها تبحث عن موضع نفوذ يشمل وجود خبراء روس وبناء قاعدة عسكرية في إثيوبيا.

وحول التأثير المحتمل لذلك على مصر قال عمر إن “علاقات مصر وروسيا لا تُصنف تحالفا استراتيجيا، مع إدراك القاهرة مبكرا أهمية تنويع العلاقات الخارجية ومستوى التسليح”. وتوقع أن تتجه العلاقات المصرية الروسية “ربما إلى حالة برود نسبي لا يمس الملفات الأساسية، مع تسارع روسي نحو إثيوبيا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى