أخبارعالمية

تراخي الحكومة يدعم تصعيد أنصار البشير في شرق السودان

الخرطوم – وظفت قوى اجتماعية محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير حالة السيولة الأمنية في شرق السودان لفتح بؤرة توتر جديدة مع الحكومة الانتقالية، تزامناً مع إقدام لجنة إزالة التمكين على كشف مخططات استهدفت بث حالة من الفوضى في أثناء مظاهرات اندلعت الأربعاء الماضي وطالبت بإسقاط الحكومة.

وهدد رئيس مجلس نظارات البجا محمد الأمين ترك بإغلاق الطريق القومي ووضع المتاريس في كافة مناطق شرق السودان في غضون 24 ساعة إذا لم تقم الحكومة بحل لجنة إزالة التمكين ولم تستجب لمطالب الإفراج عن المتظاهرين التابعين للمجلس وشاركوا في مظاهرات مناوئة للحكومة.

ومضت المهلة المحددة بيومي الجمعة والسبت من دون أن تستجيب الحكومة لمطلب ترك، بما يعني أن جبهة شرق السودان يمكن أن تتصاعد فيها التوترات مرة أخرى.

وألقت قوات الشرطة القبض على العشرات من منسوبي مجلس نظارات البجا خلال مشاركتهم في مظاهرات مناوئة للحكومة في الخرطوم، ورفضت لجنة إزالة التمكين الإفراج عنهم انتظاراً للتأكد من معلومات حول تورطهم مع محسوبين على حزب المؤتمر الوطني المنحل لإثارة أعمال شغب خلال المظاهرات.

وحملت تهديدات ترك إشارة بسحب الاعتراف من الحكومة المركزية والتلويح بإعلان حكومة وسلطة خاصة في إقليم شرق السودان، ما يشكل خطراً مباشراً على وحدة السودان، وسط العديد من الانتقادات الموجهة إلى الحكومة بعدم تعاملها بفاعلية مع التحركات السياسية والشعبية التي تغامر أحيانا بالتلويح بورقة الانفصال.

صالح العمار: الخطابات الواردة من شرق السودان تهدد سيادة الدولة

وأثار مجلس نظارات البجا جدلاً واسعاً بعد أن تحدث لأول مرة عن استخدام حق تقرير المصير قبل أيام من توقيع اتفاق جوبا للسلام في الـ3 من أكتوبر الماضي ضمن توصيات مؤتمر “سكنات”، والذي كان سببا في تجميد تنفيذ بنود مسار الشرق حتى الآن، ولم تفلح الاجتماعات التي عقدتها وساطة دولة جنوب السودان بين الأطراف المختلفة في شرق السودان للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.

ويعاني شرق السودان من صراع قبلي محتدم بين الهندودة والبني عامر، ولا يخلو من خلفيات سياسية، فالأولى ويرأسها محمد الأمين ترك لديها صلات مباشرة بنظام البشير، فيما انحازت قبائل البني عامر إلى الثورة السودانية، وهو ما أدى إلى اتساع رقعة الاشتباكات القبلية قبل أن تجد الحكومة نفسها مضطرة لقبول استقالة والي كسلا المحسوب على قومية البني عامر صالح العمار.

وقال صالح العمار في تصريح خاص لـ”العرب” إن الخطابات الواردة من شرق السودان تهدد سيادة الدولة، فالحديث عن قطع الطرقات القومية يستهدف مواجهة السلطة المركزية باعتبارها مسؤولة عن عملية تأمينها ويعاقب المواطنين الذين تصلهم مستلزمات الحياة المختلفة منه ما يتطلب تعاملاً حاسماً لفرض هيبة الدولة.

وأضاف أن الحراك في شرق السودان مختطف من قبل عناصر محسوبة على النظام البائد، وهناك أدلة على وجود سياسيين وإعلاميين محسوبين على نظام البشير يقودون التصعيد.

ولفت إلى أن السلطة الانتقالية لديها معلومات حول مصادر التمويل التي تأتي لتلك العناصر من الخارج، وتحديداً من جانب رئيس جهاز المخابرات السابق صلاح قوش.

وكشف العمار لـ”العرب” أنه كان في شهر أغسطس من العام الماضي شاهداً على دخول عناصر مسلحة من الخارج إلى وسط كسلا ما تسبب في اندلاع اشتباكات قبلية واسعة ولم تتدخل أجهزة الحكومة بشكل فاعل للتعامل مع العناصر المنفلتة.

عبدالقادر باكاش: اشتعال الأوضاع أمر متوقع، لأن هناك جهات تتبنى خطابات تحريضية

وتوجه دوائر سياسية العديد من الانتقادات للأجهزة الأمنية لعدم حسمها في مسألة سيطرة بعض العناصر المسلحة على مناطق بعينها مثلما هو الحال في منطقة “دار النعيم” بمدينة بورتسودان على البحر الأحمر، ولم تستطع فرض سيطرتها عليها وتركتها مرتعا لعمليات إجرامية تقوم بها عصابات تستهدف إشعال الأوضاع القبلية في شرق السودان.

ويعاني الإقليم من زيادة حدة الخطاب العنصري بين القبائل، وتقوده مجموعات تابعة لمجلس نظارات البجا ضد قبائل البني العامر، وصلت إلى حد وضع علامات حمراء على منازل المنتمين لهذا المكون على سبيل التمييز العنصري والتلويح بالتهديد، مستفيدة من غياب الأجهزة الأمنية التي تقودها في تلك المنطقة قوات الدعم السريع.

وتحمّل دوائر سياسية في شرق السودان الحكومة مسؤولية وصول هذه المنطقة إلى هذا الحد من التوتر، وليس هناك بديل للحل سوى أن تقوم قوات الأمن ببسط سيطرتها على كافة ولايات الإقليم ومدنه، والدخول في حوار سياسي جاد بين أصحاب المصلحة الحقيقيين في شرق السودان، وعدم إعطاء حجم كبير لمجموعات صغيرة تستخدم خطابا تصعيدياً من دون أن يكون لها ثقل شعبي.

وعادت التوترات في شرق السودان الأسبوع الماضي على إثر اشتباكات اندلعت بين قوات الدعم السريع وشرطة التعدين وبعض المحسوبين على مجلس نظارات البجا في أحد مناجم الذهب بولاية البحر الأحمر، ما أدى إلى إصابة سبعة من القوات الحكومية والمتظاهرين الذين رفضوا العمل في تنفيذ مشروعات تنقيب جديدة.

وكان مؤتمر “سكنات” وحضره نائب رئيس مجلس السيادة رئيس قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلوا (حميدتي) قرر إيقاف نشاط التعدين في شرق السودان إلى حين مراجعة عقود الامتياز ووقف التخصيص والتدقيق في المخططات السكنية والزراعية في شرق السودان.

وأكد الصحافي والناشط في شرق السودان عبدالقادر باكاش أن اشتعال الأوضاع أمر متوقع لأن هناك العديد من الجهات التي تتبنى خطابات تحريضية، وثمة رغبة في الإقصاء لم تكن موجودة سابقا في الإقليم، إلى جانب أن الحكومة لا تمتلك رؤية لحل الصراع الحالي من جذوره ولا تدرك جيدا تفاصيل التوترات بين كافة المكونات.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة تجاهلت العديد من الخطابات التي وجهها رئيس مجلس نظارات البجا وطالبت بتنفيذ مخرجات مؤتمر “سكنات”، والتهديد الحالي ليس نتيجة طبيعية لتراكم مشكلات كانت سبباً في اندلاع اشتباكات قبلية جراء ترسيم الحدود بين القبائل المختلفة التي تظل كما هي منذ الاستعمار البريطاني.

وأشار باكاش إلى أن التصعيد الحالي يرتبط بمساعي قوى محلية في الإقليم بضرورة مراجعة أرقام الهوية للاجئين الإريتريين الذين جرى توطينهم في شرق السودان خلال حكم البشير، ومحاولات قوى قبلية توفير تمثيل عادل في الحكومة المركزية وإلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى