الأخبار

تخبّط سياسة الاتصال للحكومة في تونس يربك جهود السيطرة على الوباء

تونس – تتعرض الحكومة التونسية إلى انتقادات حادة بسبب سوء إدارتها للأزمة الصحية غير المسبوقة التي تشهدها البلاد أعقاب التفشي السريع للجائحة، فيما يساهم تخبط سياستها الاتصالية في إرباك جهود السيطرة على الوباء.

وأكدت المتحدثة باسم وزارة الصحة التونسية نصاف بن علية الخميس أن المنظومة الصحية في البلاد انهارت، مع امتلاء أقسام العناية المركزة وإرهاق الأطباء والتفشي السريع لجائحة كورونا.

وقالت بن علية في تصريح لإذاعة محلية “نحن في وضعية كارثية، المنظومة الصحية انهارت (…) لا يمكن أن تجد سريرا إلا بصعوبة كبرى (…) نحن نكافح لتوفير الأكسجين، الأطباء يعانون إرهاقا غير مسبوق”، مضيفة “المركب يغرق”، داعية “الجميع إلى توحيد الجهود”.

سعيد العايدي: السياسة الاتصالية في تونس ليست ضعيفة بل منعدمة تماما
سعيد العايدي: السياسة الاتصالية في تونس ليست ضعيفة بل منعدمة تماما

وسجلت تونس قرابة 10 آلاف إصابة جديدة بالفايروس و134 حالة وفاة الأربعاء وسط مخاوف متزايدة من فقدان السيطرة على الوضع.

وعرف الخطاب السياسي حالة من التخبط وسط انتقادات حادة لضعف السياسة الاتصالية للهياكل المعنية بمجابهة الوباء وفي مقدمتها اللجنة العلمية ووزارة الصحة والخطاب الرسمي بخصوص المصارحة بحقيقة الوضع الصحي.

وأفاد وزير الصحة الأسبق سعيد العايدي أن “الارتباك لا يقتصر فقط على السياسة الاتصالية لوزارة الصحة، بل يشمل المشهد السياسي ككل”.

وتابع في حديثه لـ”العرب” أن “أعلى هرم في السلطة لا يعطي مثالا للالتزام بالبرتوكول الصحي، ورأينا أحزابا تنظم مسيرات في مارس الماضي، فضلا عن القرارات المرتبكة في مايو الماضي، ونحن نجني نتيجة كل ذلك”.

وتساءل “كيف يمكن أن تقر اللجنة العلمية والحكومة قرارات ولا تطبقها؟”. وبرأيه “ليس هناك اتصال ولم نر خطابا من الرئيس قيس سعيّد على عكس بقية بلدان العالم حيث يلقي الرؤساء خطابات رسمية لمصارحة شعوبهم”.

ورأى أن “الجانب الاتصالي يحتاج إلى شجاعة وجرأة لقول الحقائق، والسياسة الاتصالية في تونس ليست ضعيفة بل منعدمة تماما”.

وبخصوص الحلول الممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اقترح وزير الصحة الأسبق “ضرورة جلب التلاقيح وفي حدود 25 مليون جرعة على الأقل لضمان صحة التونسيين وكسر نسق العدوى”.

وعلى الرغم من نجاحها في احتواء الموجة الأولى من الوباء العام الماضي، فإن مصاعب مواجهة الجائحة تتزايد حاليا في ظل الارتفاع غير المسبوق للإصابات.

Thumbnail

ويرى مراقبون أن نسق الاضطراب في مواجهة الجائحة ارتفع منذ تسلم هشام المشيشي لمقاليد رئاسة الحكومة بداية سبتمبر الماضي، فضلا عن انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام والتنصّل من المسؤوليات عبر الظهور العرضي بشأن الحديث عن الأزمة الصحية.

وأكّد النائب البرلماني المستقل حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب”، أن “هناك اضطرابا كبيرا منذ تسلم المشيشي لرئاسة الحكومة وخصوصا في الفترة الأخيرة، حيث وقع تغيير المتحدثة الرسمية باسم اللجنة العلمية، والحكومة لا تملك سياسة واضحة في التعامل مع الأزمة إلا عبر بعض النقاط الإعلامية”.

واعتبر أن “قرارات الحكومة متأخرة، وهناك تهرّب واضح من تحمل المسؤولية، أولا بشأن جلب التلاقيح، وثانيا بخصوص إقرار الحجر الصحي الشامل مقابل التعويض الاقتصادي والاجتماعي للفئات الشعبية”.

وأردف “الحكومة لا تملك إجابة على هذه الأسئلة، وهي فشلت في معركة كورونا، إلى جانب المشيشي الذي بدا مستواه رديئا جدا في إدارة الأزمة، ولم يكن هناك أي استعداد للتعامل مع المعركة منذ البداية”.

 

حاتم المليكي: الحكومة فشلت في المعركة وعلينا الآن طلب الإغاثة الدولية
حاتم المليكي: الحكومة فشلت في المعركة وعلينا الآن طلب الإغاثة الدولية

 

واستطرد المليكي “المطلوب اليوم إعلان تونس في حالة كارثة صحية وطلب الإغاثة الدولية، لأن المنظومة الصحية في حالة انهيار”.

ولم يقتصر ضعف الجانب الاتصالي على كيفية فرض القرارات والالتزام بالبروتكول الصحي، بل شمل أيضا عملية التلقيح ضدّ الوباء. ويبدو أن وزارة الصحة لم تنجح حتى اللحظة في إقناع الفئات الشعبية بضرورة الإقبال على التسجيل لتلقي جرعات اللقاح، وهو ما تظهره أرقام المسجّلين في منظومة التلقيح التي لا تزال ضعيفة بالنظر إلى عدد سكان البلاد.

وسبق أن انتقد عدد من نواب البرلمان ما اعتبروه “ضعفا في السياسة الاتصالية لوزارة الصحة” لإقناع التونسيين بالتسجيل في عملية التلقيح في ظل وجود تخوف لدى البعض من التأثيرات السلبية للتلاقيح، متسائلين عن مدى قدرة الدولة على التعويض عن الأضرار المحتملة الناجمة عن عملية التطعيم.

ويجمع المتابعون للشأن التونسي على أن الحرب ضد كورونا في البلاد تفتقر إلى قيادة حقيقية، وفي الوقت الذي يحتاج فيه التونسيون إلى قائد واحد يشرح لهم الأزمة والإجراءات المتخذة لمواجهتها، طفا على السطح نزاع صلاحيات بين أطراف السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية) ورأس السلطة التشريعية (رئاسة البرلمان).

وحسب هؤلاء فقد خلّف التخبط السياسي مشكلة اتصالية بين السلطة والشعب، وأضاع متصدّرو المشهد بوصلة الخطاب، ما خلق نوعا من الفوضى الاتصالية وإرباكا لدى الرأي العام.

ويشهد الوضع الصحي في تونس أزمة غير مسبوقة مع انعكاس تداعيات كورونا التي رمت بظلالها على وضعية المستشفيات العمومية بالبلاد بسبب ضعف الإمكانيات والتجهيزات، حيث كشف تفشي الوباء حجم النقائص التي تعتري المنظومة الصحية في البلاد واختلال الخدمات الاستشفائية بين مدنها رغم وعود الحكومات منذ ثورة يناير 2011 بالتدارك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى