أخبارعالمية

تجاذبات يمنية داخلية وتدخلات إقليمية تهدد حوار الجنوبيين في القاهرة

عدن- كشفت مصادر سياسية يمنية لـ”العرب” عن تحركات يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي لعقد مؤتمر للحوار بين المكونات والتيارات الجنوبية المختلفة في العاصمة المصرية القاهرة، لكن هذه التحركات تعيقها تجاذبات داخلية وإقليمية مناوئة للمجلس ونفوذه في الجنوب.

وقالت المصادر إن المجلس كلّف القياديين فيه، مراد الحالمي وهو وزير سابق في الحكومة اليمنية وأحمد عمر بن فريد، رئيس دائرة العلاقات الخارجية للمجلس في أوروبا، بالتحضير للمؤتمر والتواصل مع القيادات والأطياف الجنوبية المختلفة لدعوتها للمشاركة في المؤتمر.

وأكدت المصادر أن اللجنة المكلفة بالتحضير للمؤتمر الجنوبي بدأت جولة انطلقت من القاهرة وستمر عبر العاصمة العمانية مسقط ودول أخرى في المنطقة بهدف التحضير والحشد لعقد المؤتمر الذي لم يحدد موعده النهائي بعد.

واستبقت قيادات جنوبية محسوبة على أطراف إقليمية تحركات المجلس الانتقالي الرامية لتوحيد الجبهة الجنوبية الداخلية، بإصدار بيانات عبّرت عن رفضها لمثل هذه الجهود، وشككت في أجندة هذا الحوار.

سعيد بكران: ما يعيق مبادرة الانتقالي أنه لا يسيطر على جغرافيا الجنوب

وفي بيان له، أعلن رئيس ما يسمى “مؤتمر شعب الجنوب” محمد علي أحمد رفضه المشاركة في الحوار الجنوبي الذي دعا إليه الانتقالي، مشككا في الحوار والجهات التي تقف خلفه.

وقال “لن نقبل أن نكون تابعين أو قابلين لأيّ دعوة يتقدم بها أو يتبناها طرف من أطراف الحرب والمأساة في الجنوب، إقليميا كان أو محليا أو من أتباعهم”.

وفي ذات السياق، أصدر وزير الداخلية اليمني السابق والمقيم في مسقط أحمد الميسري بيانا مماثلا رفض فيه دعوة الحوار التي أطلقها المجلس الانتقالي، وصف بأنه يأتي في إطار حشد المواقف الذي يقوم به الطرف المناوئ للمجلس.

وعبّر الميسري في البيان، الذي قدم نفسه فيه كرئيس لما يسمى “المؤتمر الشعبي العام الجنوبي”، عن رفضه لما أسماها “الدعوات المشبوهة وغير الجادة” التي “تكرس ثقافة التابع والمتبوع”.

وقال إنه “كان الأجدر بالانتقالي أن يعمل على إرسال رسائل إيجابية من الواقع على الأرض ويتخلى عن ثقافة المناطقية والقروية قبل تشكيل اللجان وإطلاق الدعوات المتكررة وغير الجادة”.

وتوقعت مصادر سياسية مطلعة أن تشهد الفترة المقبلة تصاعدا في البيانات والمواقف المناوئة للحوار الذي دعا إليه المجلس الانتقالي من قبل تيارات جنوبية يجمعها تاريخ طويل من العداء مع المجلس لأسباب جهوية ومناطقية أو تنفيذا لأجندات إقليمية معادية للمجلس وتوجهاته السياسية.

ووفقا لمصادر “العرب” يهدف المجلس الانتقالي من وراء دعوته لعقد حوار بين الأطياف والمكونات الجنوبية إلى توحيد الجبهة الجنوبية في مواجهة التحولات السياسية القادمة، مع تزايد الضغوط الدولية لإيقاف الحرب في اليمن والشروع في مشاورات سلام شاملة ونهائية حول الملف اليمني.

ويسعى المجلس بحسب مراقبين للتخفيف من حدة التجاذبات الداخلية والإقليمية التي ألقت بظلالها على المشهد في جنوب اليمن، مع عودة الاصطفافات المدعومة إقليميا وتزايد المؤشرات على لعب جماعة الإخوان والدوحة دورا في تعميق الخلافات الجنوبية، عبر تمويل مكونات وشخصيات والعمل على إحياء الصراعات المناطقية القديمة في جنوب اليمن.

ووصف الباحث السياسي اليمني سعيد بكران في تصريح لـ”العرب” دعوة الانتقالي ومساعيه لعقد حوار جنوبي – جنوبي بأنها خطوة جيدة.

وأضاف “لكنني أعتقد أنها ستصطدم بالعديد من المطبات القاتلة ومن أهمها أن الانتقالي لا يسيطر بشكل كامل على جغرافيا الجنوب وبالتالي سترفض القوى الأخرى مساعيه لأنها مازالت تشكل ميزان قوة على الأرض وهذه القوى لم تقبل بالانتقالي منذ قيامه أول يوم فكيف يمكن أن تقبل به مرجعية للحوار”.

وتابع “هذه عقبة منطقية على الانتقالي تفهّمها، الحوار غالباً يحتاج طرفا مسيطرا وميزانه على الأرض أقوى، وهذا غير متوفر حاليا، وهناك عقبة أخرى تتعلق بارتباط الأطراف التي يدعوها الانتقالي للحوار بقوى ومشاريع إقليمية متنافسة ومتصارعة بقوة ولهذا أنا متشائم جداً من هذه المساعي ولا أرى أن لها أفقا يمكن النظر إليه”.

بدوره اعتبر عزت مصطفى رئيس مركز فنار لبحوث السياسات أن الحوار الجنوبي – الجنوبي الذي يحضّر له المجلس الانتقالي الجنوبي خطوة جديدة في طريق توحيد آليات العمل المشترك بين كافة المكونات الجنوبية، خاصة وأن هذه المكونات تشترك معا في الأهداف السياسية ذاتها.

وعن فرص نجاح هذا الحوار، أضاف “بالمقارنة مع جهود التصالح والتسامح الجنوبي الذي أعلن قبل 15 عاما، فإن جهود الحوار الجنوبي المرتقب مرشحة للنجاح وإن بشكل نسبي ويتوقع أن تشمل أكثر من مرحلة تمهيدية وحوارية بين المكونات الجنوبية”.

عزت مصطفى: جهود الحوار الجنوبي مرشحة للنجاح وإن بشكل نسبي

وفي تصريح لـ”العرب” لفت مصطفى إلى أن “التفاف الشارع الجنوبي حول هدف استعادة الدولة يحتم على النخب الجنوبية العمل المشترك؛ خاصة وأن الكثير من الشخصيات السياسية التي لم تكن مواكبة لتطلعات الشارع خفت وهجها السياسي وبالمقابل استعادت شخصيات أخرى لعب أدوار محورية بسبب سيرها في اتجاه طموح الناس التي ناضلت في الساحات والميادين”.

وأشار مصطفى إلى أن التباين السياسي “لم يكن عائقا أمام هذه الشخصيات لتتوحد حول الهدف الكبير إذ أن معظم قيادات الحراك الجنوبي منذ 2007 وما قبله أتت من مكونات سياسية مختلفة وبعضها قدم استقالاته الحزبية وانضم للحراك عندما تصادمت الإرادة الحزبية مع الإرادة الجماهيرية”.

وتابع “ونجد الأمر ذاته موجودا في بنية المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح الحامل السياسي للقضية الجنوبية إذ التأم المجلس قبل أربع سنوات من شخصيات مختلفة تنتمي لتيارات سياسية عديدة وهذا يساعد المجلس من داخله في الحوار مع الشخصيات المنتمية لبقية المكونات الجنوبية التي ما تزال تختلف مع الانتقالي في بعض القضايا التي تتعلق بآليات العمل أو المنافسة على التمثيل؛ فالمنتمون لهذه المكونات ممن انتقلوا للانتقالي يستطيعون ردم الفجوة مع رفاقهم السابقين في المكونات الأخرى”.

وعن التحديات التي يمكن أن تواجه الحوار الجنوبي، قال مصطفى إنها تتمثل في “محاولات التشويش من قبل شخصيات جنوبية مرتبطة وظيفيا بقوى النفوذ الشمالية سواء القبلية أو الإخوان المسلمين أو كليهما؛ وهذه الشخصيات غير المؤثرة على الأرض تحدث إرباكا تحريضيا مدعوما ماديا وإعلاميا بشكل كبير من قوى شمالية مرتبطة بأجندات إقليمية محسوبة على المعسكرين المناهضين للاستقرار في اليمن والمنطقة وهما معسكرا إيران وتركيا، لكن بالقياس مع ما واجهه الحراك الجنوبي سابقا والمجلس الانتقالي الجنوبي تاليا من محاولات تطويق وتقويض كلها فشلت في مراحل كان الحامل السياسي للقضية الجنوبية ضعيفا جدا ولم يصل إلى القوة التي هو عليها الآن؛ نستطيع القول إن الحراك الجنوبي وبعده المجلس الانتقالي أصبح أكبر بكثير ممن حاولوا تحجيمه وهذا الأمر يستمر في الحدوث سنة بعد أخرى”.

وتأتي دعوات الحوار الجنوبي في ظل مؤشرات على عودة حالة الاحتقان السياسي والإعلامي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية، نتيجة للنشاط المتزايد الذي يقوم به مسؤولون في الشرعية داخل محافظات جنوبية مازالت ساحة محتملة للصدام ولم يحسم الصراع عليها، مثل حضرموت والمهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى